هل نعيش انتكاسة في الوعي؟/ المهندس :أحمدو ولد الشيخ ولد أحمدو.

قد يتبادر إلى الأذهان أننا نقصد من خلال هذا الطرح المتواضع؛ الوعي بمعناه الفلسفي والمعرفي من حيث أنه العقل والإدراك وحتى اليقظة أيضا والتحسس بإيجابية والتفاعل مع الأحداث المحيطة بنا والبيئة التي نعيش في حيزها...!

إننا لا نستجلي هذا المعنى وإشكالاته المعرفية والفلسفية ولكننا نقصد قصدا، الوعي في أبعاده المدنية والحضارية وسلوك المواطنة الذي هو ركيزة أساسية فى بناء الدولة الحديثة...!

الشاهد هنا أن مواطني السبعينات والثمانينات من هذا القرن كانوا نموذجا فذا في السلوك المدني الراقي والتعاطي مع متطلبات الحداثة والدولة العصرية...!

فماذا حدث بعد ذلك في منظومة الأخلاق عندنا وهل نشهد بحق إفلاسا في القيم وانتكاسة في الوعي المدني والوطنية بل وحتى قيم المواطنة؟وهل سقطت وتداعت مجتمعاتنا أخلاقا وسلوكًا ؟

سنبدأ بتوطئة بسيطة وهي غياب عادة القراءة التي لا يخفى على أحد منا أن أجيال السبعينات والثمانينات من هذا القرن كانت تتزاحم على المكتبات والمراكز الثقافية تماما كتزاحم أجيال اليوم على الأسواق والمخابز حيث كان اقتناء الكتب والمراجع كنزا ولا تكاد تخلو  جلسة ولا خلوة إلا بصحبة كتاب أو مجلة وجريدة وصحيفة.. زد على ذلك ثقافة التعطش الكبير للعلم والتعلم والحصول على المنح الدراسية... إذ كان الحصول على شهادة أثمن وأغلي من الحصول على وفادة..!

شتان شتان مابين جيل الأمس وأجيال اليوم ! شبابنا اليوم يأبه بالسيارات الفاخرة وكرة القدم والحفلات والأسواق أكثر مما يأبه بالكتب والمراكز الثقافية والملتقيات الثقافية ...! تاهت وضاعت أمة هجرت العلوم والمعارف وتخلت عن ثقافة القراءة والمطالعة.!

هذه القطيعة مع فضول التطلع والقراءة أحدثت شرخا عميقا في الوعي المدني وسلوك المواطنة الحقة عندنا, الأمر الذي جعلنا نجهل حتى حقوقنا أما الواجبات فكانت في خانة النسيان والإهمال !

أيها القراء الكرام هناك ظاهرة أخرى لا تقل أهمية عن عادة القراءة، كانت سلوكا متجذرا في ساكنة العاصمة انواكشوط حيث أن الأهالي يشترطون على العامل الأجير في المنزل، أقول يشترطون عليه أولا إلزامية غربلة  وتنخيل أرضية المنزل (تربةالحائط) من الأوساخ والقاذورات وهو لعمري شرط أساسي عندهم ضاربين بذلك أسمى تجليات المدنية والوعي الصحي، أما رمي القمامة على جنبات الطرق وأمام المنازل فذلك من المحرمات والموبقات وتغرم البلديات مقابله غرامات مالية على أصحابها..فأين نواكشوط الأمس من العاصمة اليوم التي تعج بكل أنواع الفضلات والأوساخ والقاذورات في الأسواق والساحات العامة وفي جنبات الطرق وأمام المنازل والمكبات التي لا تحترم قواعد السلامة الصحية والبيئة؟

هذه العادة السيئة المتمثلة في ثقافة القمامة المرمية المرئية تعتبر تداعيا من تداعيات انتكاسة الوعي المدني والحضاري التي تمخر جسد المجتمع وعلى الدولة والقائمين على الشأن العام أن يجدوا حلولا فورية وعاجلة لهذه المشكلة وذلك من خلال برامج التحسيس والتوعية في القنوات المسموعة والمرئية  وفى برامج التدريس في المدارس والاعداديات وخلق شرطة ودرك وحرس مختصون فى معاقبة وتغريم المنتهكين للقواعد والضوابط المدنية ونعني الحفاظ على البيئة والنظافة العامة.

إن الاستثمار في تنمية الوعي والثقافة بشكل عام أصبح مطلبا ملحا وضروريا ويعتبر صمام أمان لهذه الدولة وهذا المجتمع ..وأية مقاربة للتنمية الاقتصادية والمجتمعية لا تأخذ في الحسبان تنمية الوعي المدني والحضاري بالإضافة إلى النهوض بالتعليم ..حتما محكوم عليها بالفشل.

نختم هذه السطور ونقول بألم وحسرة أن أمة ترمي القراءة كرمي القمامة وتطوي المطبوخ في المطبوع ..نقول ونكرر أنها أمة تسير نحو الهاوية والإفلاس الحضاري .