بريطانيا تجمد تمويل BBC لمدة عامين.. فهل تختفي عن خريطة الإعلام؟!

قرّرت الحكومة البريطانية الاثنين تجميد تمويل هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) لمدّة عامين، فيما تدرس الحكومة إلغاء رسوم الترخيص المخصّصة للهيئة بحلول عام 2027، وهي ضريبة تدفعها الأسر التي تمتلك أجهزة تلفزيونية لحساب "BBC".

ومستقبل الهيئة البريطانية المموَّلة عن طريق الدفع للترخيص هو موضوع نقاش سياسي دائم في المملكة المتحدة، وكانت حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون أشارت مراراً إلى ضرورة إصلاح طريقة تمويلها. ومنذ عام 2010 واجهت "BBC" تخفيضات عميقة ومتكرّرة في الإنفاق إذ أجبرتها حكومة المحافظين آنذاك على تخفيض رسوم التراخيص.

وتصاعدت مخاوف حول انعكاس القرار على استقلالية خدمات هيئة الإذاعة البريطانية، إذ تُعاني بالفعل انخفاضاً حاداً في تمويلها، ما يعني أن أيّ محاولة أخرى لتخفيض النفقات سينعكس سلباً على المؤسسة الّتي تتمّ عامها المئة في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل من العام الجاري.

انتقام جونسون

أُثيرَت علامات استفهام حول توقيت القرار الجديد، إذ جاء في وقت تعالت فيه أصوات تُطالب بوريس جونسون بالاستقالة بعد بثّ "BBC" مقاطع تُظهِر حفلة تضم نحو 100 شخص نظّمها رئيس الوزراء البريطاني بشهر مايو/أيّار 2020 أثناء الإغلاق الكامل الُمعلَن في البلاد لمواجهة جائحة كورونا، وهو ما يعكس تحدياً فجّاً للقانون انتهجه جونسون وكذب عندما سُئِلَ بشأنه.

ولم يخفِ زعيم حزب المحافظين انتقاده العلني لـ"BBC"، إذ زعمت حكومته في عدّة محافل أنّ المؤسسة العريقة تتعمّد إنتاج أخبار متحيّزة ضد الحكومة، وتنقل صورة سلبية عن أدائها خلال مواجهة الجائحة.

وعلى حد تعبير النائب مايكل فابريكانت عن حزب المحافظين فإنّ التغطية المستمرة لهيئة الإذاعة البريطانية للتعليقات المناهضة لجونسون في التقارير الإخبارية ترقى إلى "محاولة انقلاب ضد رئيس الوزراء".

فيما تقول الهيئة البريطانية إنّها تؤدّي دورها باعتبارها وسيلة إعلام مستقلّة تتلقّى تمويلها من متابعيها مباشرة، وتحرص على نقل الصورة كاملة إليهم.

ونقلت صحيفة "غارديان" البريطانية عن وزيرة الثقافة في حكومة الظل لوسي باول قولها إنّ "رئيس الوزراء يعتقد أنّ أولئك الذين يكتبون عن خرقه للقواعد يجب أن يدفعوا عواقب فعلتهم، بينما ينجو هو من دون دفع أيّ ثمن لفعلته"، مؤكّدةً أنّ الدافع وراء القرارات الأخيرة هو عقد الحكومة عزمها "على مهاجمة هذه المؤسسة البريطانية العظيمة لأنّها لا تحب مدرستها الصحفية".

ووصف إيان موراي الوزير الاسكتلندي في حكومة الظل العمالية، القرار الأخير بحق "BBC"، بأنّه "محاولة أخيرة (من قبل جونسون) لإنقاذ رئاسته للوزراء الفاشلة".

"انتهاء BBC كما نعرفها"

نشرت وزيرة الثقافة البريطانية نادين دوريس سلسلة تغريدات على موقع "تويتر" تُشير إلى أنّه في خضم أزمة تكاليف المعيشة فإنّ رسوم الترخيص المتعلّقة بهيئة الإذاعة البريطانية سيجري تجميدها عند مبلغ 159 جنيهاً إسترلينياً لمدة عامين، ودراسة إلغاء رسوم الترخيص المخصّصة للهيئة بحلول عام 2027، وأنّ ذلك يهدف إلى دعم أصحاب الأجور المتدنية والمعاشات.

وقالت دوريس إنّ تساؤلات جادة ينبغي طرحها حول مستقبل رسوم الترخيص عام 2028 وما بعده، لا سيِّما ما إذا كان لا يزال من المناسب فرض رسم عام يُعاقَب من يتهرّب من سداده، في وقت يمكن فيه للعامة الاشتراك في منصات كثيرة مثل "نتفليكس" و"أمازون برايم".

وذكر أمول راجان محرّر الشؤون الإعلامية بهيئة "BBC" إنّ مجرّد تجميد رسوم الترخيص عند مبلغ 159 جنيهاً إسترلينياً لمدة عامين كفيل وحده بإجبار المؤسسة على تخفيض في النفقات يساوي المليارات، وهو ما قد يدفعها إلى الانتقال إلى نموذج اشتراكات على غرار "نتفليكس"، سيجبر "BBC" على تقديم خدماتها للمشتركين بدلاً من أن تكون عامة متاحة للجميع.

ونقلت صحيفة "ذا ميل أون صنداي" عن مصدر مقرّب من دوريس قوله: "سيكون الكثير من الضجيج المؤلم حول كيفية تأثير القرار على البرامج الشعبية، لكن يمكنهم تعلّم الحد من الهدر مثل أي مؤسسة أخرى".

وأضاف المصدر ذاته: "انتهى الأمر بالنسبة إلى هيئة الإذاعة البريطانية كما يعرفونها"، مؤكّداً أنّ "أيام التلفزيون الحكومي قد ولّت"، ومشيداً بنمو شركات القطاع الخاص الّتي تديرها الولايات المتحدة مثل "نتفليكس" و"يوتيوب".

ويرى مراقبون أنّه سيتعين على "BBC" التفاوض مع الحكومة البريطانية بشأن نموذج تمويل جديد عندما ينتهي عقد تمويل رسوم الترخيص النهائية عام 2027، وأنّ عدم التوصّل إلى اتّفاق مرضي سيضع المؤسسة أمام خيارات محتملة قد تمسّ استقلاليتها بما في ذلك خدمة الاشتراك أو الخصخصة الجزئية أو التمويل الحكومي المباشر.

TRT عربي