محمد محمد الحسن لموقع الفكر "موريتانيا كانت دائما في ذيل الترتيب بالنسبة لمناخ الاستثمار"

الدكتور محمد محمد الحسن خبير مالي

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل وازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد القامات الفكرية والسياسية ممن لهم دراية  بدهاليز اقتصاد وشؤون البلد، وهو إلى ذلك ملم بواقع البلد الاقتصادي،  نحاورضيفنا الدكتور محمد محمد الحسن:  لنستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل.

فأهلا وسهلا به.

موقع الفكر: نود منكم تعريف المشاهد بشخصكم الكريم من حيث الإسم والمسار الدراسي والوظائف التي تقلدتم؟

الدكتور محمد محمد الحسن: بسم الله الرحمن الرحيم..

في البداية أشكركم على هذه السانحة الطيبة، إسمي محمد ولد محمد الحسن، أعمل أستاذا جامعيا وشاركت في بعض الدورات التكوينية في البنك المركزي وحصلت على الرتبة الأولى فيها والتحقت بصندوق النقد الدولي في دورات تدريبية وغادرت بعد ذلك إلى فرنسا لأحصل على شهادة عليا في مجال البنوك.

ثم دخلت سلك الدكتوراه في جامعة شهيرة تسمى "جامعة دوفين" المتخصصة في الاقتصاد وأنشأت مكتب دراسات ومكتب محاسبة وبعد فترة بدأت أهتم بمجال الاستراتيجية والشؤون العامة للبلد.

موقع الفكر: هل تعتقدون أن مناخ الاستثمار الموريتاني..؟

الدكتور محمد محمدالحسن: مناخ الاستثمار لديه هيئات دولية تدرسه وتقوم بترتيب الدول فيه وموريتانيا للأسف دائما في ذيل الترتيب مع أنها قد شهدت تحسنا نسبيا في الفترة الأخيرة، المعايير التي على أساسها يتم التقييم هي أنهم يقومون باستطلاعات رأي تشمل المواطنين والمستثمرين ومن خلال ذلك يرصدون تلك النتيجة.

موقع الفكر: يتحدث البعض أن تقييمات تلك الهيئات تخضع لعوامل سياسية فما هو رأيكم في ذلك؟

الدكتور محمد محمد الحسن: السياسة تعشعش في أدمغتنا نحن الموريتانيين وندخلها في كل شيء، وهؤلاء لديهم الكثير من المعايير التي لا تمثل السياسة فيها شيئا، واستطلاع الرأي يخضع لآراء الموريتانيين والأجانب والممولين وبالتالي هو تقييم يفرض نفسه كواقع.

موقع الفكر: ماذا عن منح الحكومة رخص لاستكشاف الغاز؟

 

الدكتور محمد محمد الحسن: في فترة العشرية الماضية طالما كنا نسمع في مجلس من مجالس الوزراء عن منح رخص وحسب آخر ما نشاهد فإنه قد تم منح 200 رخصة وهناك 90 رخصة نشطة وهناك 90 مؤسسة تعمل على الاكتشاف الآن في موريتانيا، ولا أرى أنه من الوارد أن تقوم الدولة بمثل هذه الأمور  خصوصا أنها لم تمتلك بعد استراتيجية واضحة ولا تجربة في الموضوع، أما بخصوص الغاز فقد تم اكتشاف كمية هائلة منه وبخصوص تقاسم الانتاج فهناك قانون هو الذي يتحكم في العلاقات مع شركات الطاقة ويمنح هذا القانون نسبة 10%  لموريتانيا وأظن أن هذا القانون هو الذي يتم تطبيقه الآن.

موقع الفكر: يثار تساؤل كبير حول المردودية المتوقعة من ثروة الغاز فما هي المردودية المتوقعة في رأيكم؟

الدكتور محمد محمد الحسن: من حيث المبدأ يمكن القول إن كل بادئ له دهشة ولا شك أن موريتانيا إذا كانت لديها ثروات يمكن الانتفاع بها لا ينبغي أن تتركها تحت الأرض لان الفقر منتشر وميزان المدفوعات سلبي والعملة ضعيفة ولا شك أن استغلال تلك الموارد سيساهم في إنعاش الاقتصاد، تبقى مسألة أخرى وهي التدابير التي ينبغي أن نأخذها حتى يكون للأمر مردودية كبيرة ويعتري ذلك تصرفات الدولة واستراتيجيتها ولا شك أن عملية من هذا الشكل تتطلب تحضيرا كبيرا حتى ينتج عنه خلق فرص للعمل لكن تلك الفرص تقتضي -حسب الاتفاقيات المكتوبة- أن تكون كفاءات العمال الموريتانيين تعادل كفاءات العمال الأجانب فهل قمنا بتكوين عمالنا حتى يكون الأمر كذلك.

موقع الفكر: هل يمكن أن نتوقع تأميما للثروة الغازية على غرار ما حصل مع ميفارما سابقا؟

الدكتور محمد محمد الحسن: لا أعتقد أن هذا السؤال وارد في هذه الفترة لأننا لو كانت لدينا الإمكانيات لاستغلال الغاز لقمنا بذلك.

موقع الفكر: ما هي أسباب الأزمة المستمرة في قطاعي الماء والكهرباء؟

الدكتور محمد محمد الحسن: الماء والكهرباء تتولى تسييرهم شركتين من كبريات الشركات وهما SND وصملك وقد سبق وأن قمت بدراسة معمقة حول وضعيتهم المالية حتى سنة 2018 ووجدت أن وضعيتهم كارثية فصملك مثلا وجدت أن رأس مالها عانى من الافلاس حتى لم يبق منه سوى 12% وديونها تبلغ نسبة 98% من جميع ممتلكاتها والسبب في كل ذلك هو الفساد وسوء التسيير، انا كمحلل مالي مهتم بهذا الشأن أستغرب من كونها ما زالت على قيد الحياة إذ أعتبر أنها قانونيا لم تعد موجودة فالمرحلة التي وصلتها من الإفلاس هي مرحلة تغلق بسببها الشركات، أما حديث وزير الطاقة السابق ولد عبدالفتاح أنهم قاموا باستثمار 400 مليار في الشركة فهذا يعني أن تلك 400 مليار قد اقترضوها وهذا هو سبب الأزمة.

أما شركة SND فقد وجدت تمويلات في العشرية المنصرمة قبل أن يتدهور حالها المالي، ولديها -مثل غيرها- سوء تسيير وعدم نظام.

موقع الفكر: ما هو تعليقكم على ملفات العشرية المثارة أمام القضاء؟

الدكتور محمد محمد الحسن: بالنسبة لما يتعلق بمفات العشرية، أرى أنه كان ينبغي -وهذا من مصلحة الدولة- أن يتم الكشف عن حالة العشرية عموما وأن لا يقتصر الأمر على ملفات محددة، لا أحب الحديث عن ملفات توجد لدى القضاء لكنني أرى أن قضيتهم قد تأخرت كثيرا وأعتقد أن سبب ذلك التأخر هو أنهم ما الو يبحثون -خاصة في الخارج- عن أمور تتعلق بذلك التحقيق، شخصيا أعتبر أن 50 أو 60 مليار التي ذكروا أنهم عثروا عليها مجرد "نقطة في جنب ثور" فالأموال المسروقة أكثر من ذلك بكثير.

موقع الفكر: ما هي أضرار الفساد على الاقتصاد؟

الدكتور محمد محمد الحسن: الفساد له حظ من اسمه ولا يقع معه اقتصاد ولا نمو ويتمثل ضرره أساسا في أن أصحابه يعطون جزءا من ثرواتهم للخارج ويحرمون منها بلدهم وشعبهم وهو بالإضافة لذلك يخلق سمعة مشوهة لصورة الدولة في الخارج.

موقع الفكر: هل لديكم أرقام عن حجم الأموال المنهوبة؟

الدكتور محمد محمد الحسن: المؤسسات المسؤولة عن هذه المسألة  قامت بدراسة حول الأموال التي أرسلت أماكن تبييض الأموال وقامت كذلك بدراسة حول دخول الأموال القادمة من البنك الدولي ووجدت أنه كلما ازداد حجم الأموال التي تأتي للتنمية يزداد تهريب الأموال إلى أماكن تبييض الأموال، وكانت تلك المؤسسات ترغب في نشر تلك المعلومات لكن ذلك لم يقع نتيجة أن نتائجه قد تكون حساسة لأنه قد يشمل الكثير من الرؤساء وأصحاب النفوذ وهذا دليل على قوة حجم عمليات الفساد والتهريب، البنك الدولي من حيث المبدأ يرغب في محاربة الفساد وأنا سبق وأن عملت معهم ويمكنني القول إن محاربته للفساد أشد من محاربة صندوق النقد الدولي لكنهم لديهم اعتبارات جيوستراتيجية لأن أمريكا هي الرأس المال الكبير في البنك الدولي مع بعض الدول الأوروبية وكذلك بعض المنظمات الأوروبية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية كالأمم المتحدة وحين يعلم هؤلاء أن نشر تقرير حول حجم الاموال المنهوبة سيحدث بلبلة وعدم استقرار من الطبيعي أن يتحفظوا على نشره ولكن لا يعني ذلك بالضرورة عدم محاربة الفساد.

أما بخصوص حجم الأموال المنهوبة فسببه أن للدولة ميزانية سنوية صادق عليها البرلمان لكن المشكلة أن دور البرلمان طيلة العشرية الماضية كان يقتصر على المصادقة عليها ولا يقوم بدوره الرقابي المطلوب حول كشف الفساد وما تصرف فيه تلك الميزانية، ولم يصدر تقريرا بهذا الشأن قبل تقرير المفتشية العامة التي أبان تقريرها أنها لا تفتش إلا في وزارات محدودة وإن كانت تلك الوزارات هي التي وقع فيها الفساد الأكبر، بينما توجد الكثير من الوزارات التي توجد بها موارد بشرية لم تجد من يفتشها وهناك ما يسمى "النفقة المشتركة" وكانت تبلغ في زمن الرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله رحمه الله ما بين 7 إلى 10% ووصلت الآن إلى ثلث الميزانية.

 وكان المفتشون دائما ما يقولون في تقاريرهم إنها ازدادت بكذا وكذا وينبغي أن ترجع لحدودها لا أن تزداد؛ هناك وزارات مثل وزارة التجهيز والإسكان أخذوا النصيب الأكبر وهم الذين توجد بهم المشاريع وهناك ما يسمى "العملية الاستعجالية" وكانت تصرف فيها عشرات المليارات هي الأخرى، ناهيك عن الديون التي شهدت تصاعدا في السنوات الثلاث الأخيرة وتعاملت بها شركتي سنيم وصملك؛ وسنيم في هذه الفترة بلغت أرباحها ألف مليار أوقية ومع ذلك لم تستغني عن الدين وعندما انخفض سعر الحديد وبما أنها لا تملك رصيدا أصبحنا نخشى عليها من الافلاس، شخصيا حين نظرت في تلك المسألة وأردت أن أستخرج منها نسبة مئوية مثل 5 أو 10% وجدت أن الفساد بلغ على الأقل  2000 إلى 4000  مليار.

 سنيم شهدت طفرة عالية في الفترة ما بين 2010 و2015 إذ كان الحديد ب 37 دولار وبلغ 180 دولار خلال تلك السنوات الخمس، وعند نهاية كل سنة تجد لديها 300 مليار يتم إيداعها للبنك في وقت يكون فيه رأس مال البنوك الموريتانية لا يتجاوز 6 مليارات و300 مليار يمكن أن يفتح بها 50 بنك، وفي تلك الفترة عين مدير جديد على سنيم وغادرها في نهاية الطفرة التي عاشتها.

 

موقع الفكر: المدير الذي تحدثتم عنه كتب مقالا يشرح فيه انجازاته في الشركة.

الدكتور محمد محمد الحسن: هذا نتيجة للفساد الجلي للعيان، فسنيم في تلك الفترة اقترضت ما يقارب مليار وذكروا بأن الإنتاج سيزداد ب4 ملايين ولم يزدد الا في 2014 ولم تتجاوز زيادته مليون ونصف وبعد ذلك انخفض سعر الحديد وتبين أن سنيم لم يعد لديها ما تستند عليه وعاشت موريتانيا في تلك الفترة -وهذا ما لا يعلمه كثير من الناس- أزمة اقتصادية خانقة ولم تعد لديها سيولة وأصبحت البنوك تعاني من أزمات واقترضت الدولة من السعودية 300 مليون دولار بشروط غير ميسرة ولاحظ رجال الأعمال والتجار وأصحاب السيولة ذلك وأصبح بعضهم يكرر أن النقود لم تعد موجودة وهذا ما جعلني شخصيا أكتب ما يقارب 15 مقالا أفسر فيها نظريا الحالات التي تكثر فيها السيولة والحالات التي تندر فيها ومن خلال تلك المقالات ألفت كتابا حول الموضوع واطلعت بعد ذلك أن الدولة بعد الافلاس اتخذت سياسة التركيز على الضرائب حتى تسد بذلك ثغرة افلاس سنيم وشركات الدولة الأخرى، يمكنني أن أقول لك إن شركات الدولة -بصرف النظر عن سنيم- كانت تأتي منها مئات الملايين لميزانية الدولة وفي تلك المرحلة  لم تعد ميزانية الدولة تستفيد منهم باستثناء شركتين هما ميناء نواذيبو وسومغاز وهاتين الشركتين مساهمتهما تفوقها مساهمة سوق موريتل وحدها، يعني أن ما ساهمت به موريتل طيلة السنوات الأخيرة أكثر بكثير مما ساهمت به جميع مؤسسات الدولة الأخرى لأنها تعاني من عدم المساءلة.

موقع الفكر: هل دعم مربي الحيوانات يساهم في إنعاش الاقتصاد؟

الدكتور محمد محمد الحسن: أرى أن لأصحاب التنمية الحيوانية مساهمة كبيرة في إنعاش الاقتصاد خصوصا وانهم يوفرون اللحوم والألبان، لكنني أقول لك إن فلسفة الدولة الموريتانية في الدعم هي فلسفة تستحق النظر فينبغي أن تركز الدولة في الدعم على أصحاب المردودية فمن برهن على مردوديته وفعاليته يتم دعمه.

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لوضعية شركة سنيم؟

الدكتور محمد محمد الحسن: وضعية سنيم أعلم بها الخبراء الذين يعملون فيها ونحن ما لدينا حولها مجرد أمور نسمعها وتقييمها يتطلب دراسة لكن هناك بعض المسائل يمكن اعتبارها "نار على علم" فاسنيم في النهاية هي رب العمل الثاني بعد الدولة وتساهم في الحالات العادية تقريبا بثلث ميزانية الدولة ولا شك أن لها دور اجتماعي وتأثيرات اقتصادية على المنطقة التي توجد فيها وبالتالي ينبغي أن نهتم بها جميعا ونبحث لها عن حلول، من يريد قول الحقيقية يمكن أن يعتبر أنها عانت كثيرا من فساد العشرية المنصرمة ولابد أن تتخذ لها إجراءات صارمة حتى تنتهج نهجا جديدا، سبق وأن سمعت الرئيس السابق يقول كلاما عبر التيلفزيون مفاده أن سنيم ينبغي أن تنتج مشاريع كبناء مستشفيات وإنشاء طرق وأرى أن هذا ليس من أولوياتها فالمؤسسات ينبغي أن يكون تسييرها ينصب نحو مهام محددة وأن تكون إمكانياتها تخدم المؤسسة نفسها بما يعود لها بالنفع، أما بناء المستشفيات والطرق فينبغي أن تقوم به الدولة ولا مانع من أن تساهم سنيم في ذلك لكن لا ينبغي أن نجعله على عاتقها وكأنها المسؤولة عن ذلك، وبالتالي ينبغي للحكومة الجديدة والنظام الحالي أن يبحث عن حل لها حتى تتغير من حالها إلى حال أحسن.

ولكم الشكر.