كيف نفهم الإسلام (23) حقوق الإنسان (3) والأخيرة / محمدّو بن البار

كيف نفهم الإسلام (23) حقوق الإنسان (3) والأخيرة

بما أنني سأجعل هذه الحلقة الثالثة من الكلام على حقوق الإنسان هي الأخيرة من موضوع حقوق الإنسان فإني ألفت نظر القارئ الكريم إلى ما يلي:

لقد كتبت في الحلقتين الماضيتين عن قضية حقوق الإنسان في الدنيا أي الإنسان المدافع عن حقوقه – أما الآن فسوف أتكلم عن حقوق الإنسان الضحية في الدنيا وعن مصير الإنسان المدافع عن المجرم في الآخرة.

فمن المعلوم عند كل مسلم أن هذا الإنسان الموجود علي الأرض هو موضوع معجزة القرآن، وأن القرآن لم يترك لغير الله أي تدخل لمصير هذا الإنسان في الآخرة.

فالقرآن بدأ في فاتحته بذكر انفراد الله بخلق هذا الإنسان وربوبيته له ورحمته به في الدنيا وانفراده بملك التصرف في مآله يوم القيامة، وكذلك بانفراده بحقه في خصوصيته في العبادة، وما علي الإنسان إلا أن يسأل ربه الهداية عدة مرات في اليوم إلي سلوك الصراط المستقيم، أما آخر القرآن فطلب من الإنسان أن يتعوذ بخالقه من وسوسة هذا الشيطان الذي بين القرآن للإنسان مدي عداوته له المحصورة في ابعاد هذا الإنسان عن سلوك ذلك الطريق المستقيم.

وبناء علي هذا الملخص أعلاه – فإني أضع أمام العاملين المسلمين في حقوق الإنسان إشكالية حتمية التدخل لأداء المهمة في الدفاع عن الإنسان المجرم في الدنيا طبعا.

علما بأن هذا الإنسان الآمر بعقوبته في الدنيا ليرتدع بها غيره أو لتخفف أو تزيل عنه عقوبة الآخرة هو ربه الآمر بعقوبته في الآخرة.

وبما أن الله هو أرحم الراحمين بعباده في الدنيا والآخرة فكيف يتدخل إنسان في الدنيا للحيلولة دون عذاب الإنسان في الدنيا –ليقف الجميع المجرم والمدافع عنه أمام الله يوم القيامة ليسمعوا قوله تعالي: {{ليوم تجزي كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب}}.

فعندما يقول القرآن لأمته عن طريق رسوله:{{ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما}}.

ويعقب هذا النهي بقوله : {{هانتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا}} إذا أين المفر؟.

وهنا أنبه جميع المحامين المسلمين مع حقوق الإنسان علي مضمون هذه الآيات لعلهم هم وأمثالهم يتركون شراء الحياة الدنيا بالآخرة وشراء الضلالة بالهدي أو يلبسون الحق بالباطل  إلي كل الآيات التي يلخصها قوله تعالي: {{ولا تحسبن الله غافلا عن ما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}} إلي آخر الآية التي تقطر وعيدا مؤلما لكل هؤلاء.

فمثلا عندما يقول الله لملائكته أمام صاحب حقوق الإنسان :{{خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه}} فما هو رد صاحب حقوق الإنسان علي هذا المنظر الذي يوشك أن يكون صاحب حقوق الإنسان معني بأمر الملائكة بأخذ كل ظالم يقول تعالي: {{احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلي صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم اليوم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون}}، وأزواجهم تعني أمثالهم من الظلمة.

ومن هنا أشرح الموضوع بوضوح ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حيي عن بينة، فإذا قتل الإنسان أخاه الإنسان فهل المولي عز وجل سكت هنا أو فوض لأناس الدنيا أن يفعلوا ما يحلو لهم في الموضوع، بل يقول الله تعالي جل جلاله: {{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}} بمعني أنه إذا لم يقتص من الجاني فإن حياة الآخرين ستتبع حياة الضحية الأول ويكون القاتل هنا ليس المجرم وحده ولكن كل من يعنيه خطاب : {{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}}.

وعلينا أن نقف دقيقة لنتأمل فساد وخطأ وإجرام الإنسان الذي لا يقتص للإنسان الضحية من الإنسان المجرم فإنسانيتهما واحدة وأحدهما أنهي حياة الاخر من الدنيا وترك  أهله في مصيبة يراها الله بكاملها بالعزم عليها إلي آخره، أو يجد الإنسان أخاه الإنسان عنده قوت يومه أو عنده ما يغنيه عن السؤال فيسرق عليه جميع ما عنده وربما يكون بكسر آلة الحرز الذي عليه المال.

فيقف الضحية ليري نفسه لا يملك شيئا ويصبح المجرم غنيا بقوت غيره، وعندئذ يأتي صاحب حقوق الإنسان الدنيوي ليطلب الاكتفاء بالسجن أي تغيير حكم الله جهارا نهارا إلي أحكام أهل الدنيا كما قال تعالي عن اليهود {{ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}} إلي قوله {{وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون}}.

فهناك مواقف أسوأ من ذلك وهي مساندة أهل الإجرام الذين أصبحوا يستطيعون أن يعترفوا بإجرام السرقة وما شابهها من كل إجرام يمكن تداركه ويمتنعون من إعطاء أي معلومات عنه، فالضرب الذي أباحه الإسلام في هذه القضية خاصة كما قال صاحب العاصمية : (فمالك بالضرب والسجن حكم) ، ولكن قوانين المنظمة تحرم ذلك في الدنيا.

وعلي كل حال فمصيبة المسلمين اليوم في شأن عدم تطبيق شرع ا لله علي عباد الله فوق أرض الله انتظارا للوقوف بين يدي الله وهم يحملون أوزارهم وأوزارا مع أوزارهم يقول تعالي: {{وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عن ما كانوا يفترون}}.

وكما هو معلوم فإن هذه المسؤولية كتبها الله في القرآن كما في قوله تعالي: {{سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها ءايات بينات لعلكم تذكرون}}.

ويعقب المولي عز وجل علي عدم تطبيق أحكامه بقوله تعالي: {{ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}}

وهنا أقول لأصحاب حقوق الإنسان المثل العربي : إياك أعني واسمعي يا جارة : رؤساء الدول الإسلامية.

فالإسلام أمر عامة المسلمين بالنصح لقادتهم: وهذا شهر النصح كما قال تعالي: {{كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون}} ، فالتقي مطلوب هنا ليكون وقاية من قوله تعالي : {{يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه}}.