غزوة الفتح (ح4/ 5)/ محمد سالم ابن جد

دخول الفاتحين

قابل خالد فئة تحاول صده عن دخول مكة فقاتلهم وقتل منهم أربعة وعشرين واستشهد اثنان من المسلمين فدخل مكة عنوة من أسفلها.

أما كتيبة النبي صلى الله عليه وسلم فلم تلق دفاعا، ودخل مكة من أعلاها ضحوة الجمعة لعشر بقين من رمضان، وقد انحنى - تواضعا لله تعالى- حتى تكاد جبهته الشريفة تمس الرحل؛ مردفا أسامة بن زيد رضي الله عنهما.. حتى وصل إلى الحجون (موضع رايته) وقد نصبت له هناك قبة فيها أما المؤمنين أم سلمة وميمونة رضي الله عنهما؛ فاستراح قليلا ثم سار وبجانبه أبو بكر رضي الله عنه - تارة يحادثه وتارة يتلو سورة الفتح- حتى دخل البيت فطاف سبعا وحَوْلَ الكعبة يومها 360 صنما تعبد من دون الله؛ فأمر بإزاحتها وإتلافها.. فكان تطهير الكعبة لأول مرة منذ قرون من الأوثان بداية لتطهير شبه الجزيرة العربية من الوثنية بالتمام والكمال..

عفو المقتدر

بعد ذلك دخل - صلى الله عليه وسلم- الكعبة وكبر في نواحيها ثم خرج إلى مقام إبراهيم وصلى فيه ثم شرب من ماء زمزم وجلس بالمسجد الحرام والكل ينتظر مصيره المجهول.. فقد أخضع الله قريشا للرجل الذي كذبوه وآذوه وقاتلوه وأخرجوه من بلده.. ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يغضب لنفسه ولا ينتقم لها.. لذا قام فيهم خطيبا وقال: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم» قالوا: خيرا.. أخ كريم وابن أخ كريم!! فقال صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

مبادئ عامة

ثم خطب - صلى الله عليه وسلم- مبينا أحكاما شرعية كثيرة؛ منها أن المسلم لا يقتل بالكافر، ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين، ولا تنكح المرأة على عمتها أو خالتها، والبنية على المدعي واليمين على من أنكر، ولا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم، ولا صلاة بعد الصبح والعصر، ولا يصام يوم الأضحى ولا يوم الفطر.. وكلها أحكام كانت بحاجة إلى الإيضاح لمجتمع في طور التحول الديني والحضاري.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء؛ والناس من آدم وآدم من تراب» وتلا قول الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.

البيعة

بعد ذلك بدأ الناس يبايعونه صلى الله عليه وسلم؛ فجاءه رجل يرتعد فقال صلى الله عليه وسلم: «هونْ عليك فإني لست بملِك؛ إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» ثم بايع النساء على أن لا يشركن بالله شيئا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن (أن لا يلحقن بأزواجهن ولدا من غيرهم) ولا يعصينه - صلى الله عليه وسلم- في معروف؛ وتم كل ذلك بعيدا عن الثأر والانتقام والإذلال..