أنا و الشيخ محمد الحسن ولد الددو/ محمد الأمين الفاظل

في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس معاوية لم يكن يفتني منبر الخميس لفضيلة الشيخ محمد الحسن الددو، ولا أذكر أني قد تغيبت عن حضوره، ولا لمرة واحدة، في كل تلك الفترات التي كنت أقيم فيها بالعاصمة نواكشوط.

كنتُ أحضر للمنبر بشكل دائم، وكان ذلك الحضور من أجل التعلم أولا، ولزيادة سواد المسلمين عند المساجد ثانيا، ولإغاظة نظام ولد الطايع ثالثا، هذا فضلا عن الأهم، وهو رجائي أن أكون ممن تحفهم الملائكة بأجنحتها لساعة من نهار، وأن أكون جليس القوم الذي يغفر له بمجالستهم.. لم أكن أحضر للمنبر إلا بعد أن أكون قد أديت صلاة العصر في مسجد العباس، والذي يقع خلف صيدلية البرء ( كنتُ حينها أساعد المؤذن وأتولى في بعض الأحيان نظافة وفتح وغلق أبواب المسجد )، مما يعني أني لم أكن لأصل إلى جامع الذكر إلا بعد أن يكون المسجد قد امتلأ، وفاضت الشوارع المحاذية له بالناس، ولذلك فقد كنت أكتفي دائما بالجلوس في طرف من أطراف الجموع الغفيرة التي كانت تسبقني إلى الشوارع المحاذية للمسجد.

لم أقابل الشيخ محمد الحسن ولد الددو بشكل مباشر، وأظن أني لم أصافحه طول حياتي إلا مرة واحدة أو مرتين، ومع ذلك فلم تكن تفتني مجالسه في تلك الفترة (خاصة منبر الخميس).

وأذكر أني كنتُ من بين الحاضرين لدورة في فريضة الصوم، نظمها الشيخ في مسجد أسامة، وكانت هي آخر نشاط علمي ينظمه من قبل أن يسجن سجنه الذي لن يخرج منه إلا بعد الإطاحة بنظام ولد الطايع.

لقد كنت حاضرا يوم ألقي القبض عليه أثناء تقديمه لتلك الدورة، كما كنت أيضا من بين أولئك الذين خرجوا من مسجد أسامة في مسيرة منددة بالقبض عليه. ولقد انطلقت مسيرتنا بشكل عفوي من المسجد مباشرة بعد القبض على الشيخ، وانتهت بكارفور مدريد.

وأذكر أني بعد القبض على الشيخ بأيام معدودة، كتبت بيانا على ورقة منددا بإلقاء القبض عليه، ثم ذهبت بالورقة إلى صاحب وراقة لم أكن أعرف عنه شيئا سوى أنه يكتب على الجهاز بشكل جيد، ولقد عرفت ذلك بعد أن جربته أثناء طباعة دراسة من مائة صفحة عن الأمية، أعددتها في تلك الفترة وأرسلتُ منها نسخا إلى الرئيس معاوية عبر اليريد المضمون والبريد السريع ومكتب الاستقبال للرئاسة، ولا أدري إن كانت قد وصلته أم لا؟

المهم أني سحبتُ مائة نسخة من البيان، والذي كان موقعا على ما أذكر بأحباء الشيخ في الله، وكان البيان يتضمن جملة من الأفكار والمقترحات موجهة لحضور منبر الخميس، لكي يعبروا من خلالها عن تضامنهم مع الشيخ بعد اعتقاله.

أخذت النسخ ووضعتها في غلاف ورقي كتبت عليه بالقلم ما مضمونه "خذ نسخة واحدة وحاول أن تنسخها وتوزعها قدر المستطاع" ثم اتجهت رأسا إلى مسجد الذكر لتأدية صلاة الظهر هناك، ولترك المائة نسخة على منبر المسجد.

كنتُ أول القادمين إلى المسجد لذلك فقد بادرت بوضع النسخ على المنبر من قبل قدوم المصلين، ولم تكد تمر دقائق حتى وصل مفوض شرطة دار النعيم على ما أعتقد مصحوبا ببعض عناصر الشرطة، وقد جاؤوا للقبض على إمام المسجد.

كان الموقف في غاية الإرباك، فأنا من جهة لم أكن معروفا لدى جماعة المسجد، ولا لدى المؤذن، ولذلك فلن يكون غريبا في ذلك العهد أن يثير حضوري انتباه جماعة المسجد، خاصة وأن حضوري كان قد تزامن مع حضور مفوض شرطة رفقة بعض أعوانه.

ولم تكن مشكلتي في ذلك الوقت مع المؤذن لوحده، والذي لابد أنه لاحظ تصرفي الغريب الذي قمت به من قبل حضور المفوض وأعوانه، بل كانت أيضا لدي مشكلة أخرى مع عناصر الشرطة، فماذا لو قرر أحدهم أن يلقي نظرة على الغلاف الورقي الذي وضعته على المنبر منذ دقائق؟ بل وما الذي سيحصل إذا ما تسببت الرياح في فتح الغلاف الورقي وفي تناثر نسخ البيان أثناء وجود الشرطة في المسجد؟

خرجتُ من ذلك الموقف بسلام، ونجوتُ من سجن محقق، ولازلتُ حتى الآن أحب الشيخ محمد الحسن ولد الددو في الله دون أن التقي به، ولا زلتُ آخذ من علمه الغزير، حتى وإن كنتُ لم أعد أحضر ـ وللأسف الشديد ـ لدروسه ومحاضراته ومجالسه.

حفظ الله الشيخ محمد الحسن الددو.