المدرسون والإضرابات ..رحلة طويلة وسجال دائم حول "نسبة المشاركة"/ إعداد موقع الفكر

 
بدأت منسقية من النقابات العاملة في قطاع التعليم في موريتانيا إضرابها عن العمل اليوم الإثنين إضرابها المفتوح عن العمل لمدة أسبوع، يريد المضربون في قطاعي التعليم الأساسي والثانوي فرض الاستجابة لمطالبهم في ثاني إضراباتهم خلال العام الدراسي الحالي.
 
وتضم النقابات المضربة كلا من النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي ونقابة تام لأساتذة التعليم الثانوي وكذا النقابة الحرة للتعليم الأساسي، وعدد من التجمعات النقابية الأخرى.
وخلال اليوم الأول من الإضراب أعلن النقابة المستقلة للتعليم الثانوي أن نسبة الإضراب وصلت إلى 85% فيما لم تعلق وزارة التهذيب الوطني بشكل رسمي على أرقام النقابات،  رغم أن عددا كبيرا من مسؤوليها يؤكدون أن المشاركة في الإضراب كانت ضعيفة جدا.
 
ويرى المضربون أنهم يمارسون حقا دستوريا مشروعا، وينطلقون من واقع مؤلم لم يعد ممكنا أن يصبر عليه مدرس في ظل غبن شديد للمدرسين واحتقار لهم من قبل الأنظمة المتعاقبة.
 
مئات التدوينات والإبداعات الشعرية تداولها المدرسون على صفحات الفيسبوك، وعلى مجموعاتهم "الواتسابية" النقابية المحلية والعامة، لكن مصادر رفيعة في الوزارة تراهن على أن الشارع التعليمي لن يساير النقابات في إضراب تراه الوزارة خارج السياق.

التعليم والإضرابات ..تاريخ طويل ونهايات مخيبة
اختبر المدرسون الموريتانيون خلال ستة عقود عددا كبيرا من الإضرابات والأنشطة الاحتجاجية منذ تأسيس نقابة المدرسين العرب منتصف ستينيات القرن المنصرم، قبل أن تتعثر بعد ذلك، لتنتعش لاحقا بعد إقرار الحريات العامة في دستور 1992، ومن أشهر الإضرابات في تاريخ النقابات التعليمية الموريتانية: 
-  إضرابات 1997: الذي شارك فيه المئات من المدرسين وخصوصا في التعليم الثانوي، وانتهى إلى اعتقال قادة النقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي، وإبعاد عدد منهم إلى مدنهم الأصلية في الداخل، إضافة إلى دخول عدد منهم آخر في صف موالاة السلطة، حيث حصلوا على رتب وظيفية لائقة يومها.
 
إضراب 2008 : دخلت الساحة النقابية في فترة جمود وفتور دائم استمر طيلة عشر سنوات، قبل أن يستعيد المدرسون من جديد نشاطهم في إضراب 2008 الذي يعتبر الأطول في تاريخ الإضرابات الموريتانية، وكانت نتيجته كسابقه، اقتطاع رواتب المضربين، وانتداب مراقبين من غير الأساتذة المضربين ،وغالبا من التعليم الأساسي، والعمال أما تصحيح الامتحانات الوطنية،فام تتم إلا بعودة الأسلتذة المضربين.
 
إضراب 2012: استمر هذا الإضراب 15 يوما في نهاية العام الدراسي 2011-2012 وانتهى بعقاب جماعي ل 168 من القيادات النقابية في أساتذة التعليم الثانوي، لتدخل العلاقة بين الأساتذة والوزارة صراعا عميقا استمر عدة أشهر اعتصم فيها المضربون في ساحة الوزارة وتعرضوا للقمع، كما تناقصت أعدادهم ليصلوا في النهاية إلى 68 شخصا لا أكثر، حيث انتهت أزمتهم بتوقيع اتفاق يضمن للطرفين بعض ماء الوجه.
 
مع بداية حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني استعادت النقابات أيضا جزء من ألقها وقوتها، وإن كانت قد عاشت تفككا وتوسعا خلال السنوات الأخيرة، ودخلت في صراع مفتوح مع الوزير ماء العينين ولد أييه الذي يرى أن هذه الإضرابات جاءت خارج السياق، وأنه يبذل جهدا من أجل تثمين مهنة المدرس.
 
مطالب مزمنة ..وشتات نقابي
يحمل المعلمون والأساتذة منذ عقود لائحة مطالب ثابتة من أبرزها:
-        زيادة الرواتب بمستوى يتناسب مع تكاليف الحياة،ومعايير الرواتب المتعارف عليها ، وأسوة بنظرائهم في القطاعات الوزارية الأخرى.
-        زيادة العلاوت، وجعلها مستمرة على كشوف الرواتب، واستحداث علاوات أخرى.

-        تطبيق قانون أسلاك التعليم
-        منح قطع أرضية أسوة ببعض نظراءهم في القطاعات الأخرى، ووضع سياسة إسكان لصالح أهل التعليم
-      تحسين ظروف المدرسين بشكل عام، وإصلاح قطاع التعليم
وبين هذه المطالب يعيش قطاع التعليم حالة تمدد للنقابات العاملة في القطاعين الأساسي والثانوي، ومن بينها عدد من النقابات التي أعلنت عن مقاطعة الإضراب.
 
 
 
الوزارة: الزيادات متواصلة والإضراب خارج السياق
 
يجدد مسؤولو وزارة التعليم استياءهم من الإضراب المتوقع غدا الإثنين، ويؤكد هؤلاء أنه لا يوجد مسوغ للاستمرار في تأزيم الحقل التربوي لأسباب منها
-  حجم مقاطعة الإضراب والتي ظهرت في الإضراب السابق، حيث امتنع حوالي 85% من المعلمين الذين يحق لهم الإضراب عن المشاركة فيه، فيما امتنعت قرابة 70% من الأساتذة الذين يحق لهم الإضراب عن المشاركة أيضا، وذلك وفق الأرقام الرسمية.
-  وجود إطار للتفاوض مع الوزارة عبر لجنة تثمين المدرس التي انطلق عملها ووضعت خطة لتحقيق المطالب.
ويستعرض وزير التهذيب في آخر مقال له عن وضعية التعليم الإنجازات التي حققها للقطاع والتي شملت على سبيل المثال:
 
"زيادات معتبرة خلال السنوات الثلاث 2020 و2021 و2022، ونالت كتلة أجور المدرسين النصيب الأوفر من هذه الزيادات فتجاوزت زيادتها سبعة مليارات من الأوقية القديمة لكل سنة من السنتين 2020 و2021 وناهزت أربعة مليارات لسنة 2022 مع توجيهها إلى العاملين بالميدان المباشرين لعملية التدريس.
وكان من ضمن ما تم في هذا المجال :
- زيادتان متتاليتان لعلاوة البعد بلغتا 150%؛
- دفع علاوة الطبشور على 12 شهرا بدل 9 أشهر وتعميمها لتشمل مديري المؤسسات قبل زيادتها الحالية بـ50% وهو ما يشكل إجمالا زيادة هذه العلاوة بنسبة 75%
- مضاعفة علاوة التجهيز
- زيادة علاوات هيئات التأطير بمبلغ 10.000 أوقية قديمة، ثم 15000 فى ميزانية 2022، وذلك وفق الأرقام التي سردها الوزير في مقاله السابق، والتي رد عليها النقابيون بأنها أرقام مجهرية ولا تمثل أي إضافة نوعية في القدرات المالية للمدرسين الذين يواجهون الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار برواتب لا تسمن ولا تغني من جوع، بينما يتم بين الحين والآخر الإعلان عن زيادات نوعية لعمال قطاعات أخرى"
 
 ولد بيلاهي: العلاوات المفترى عليها!!
"كتب أحمد محمود بيداه/ الأمين العام للنقابة المستقلة لأساتذة التعليم الثانوي مايلي:  جاءت مغالطات وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي لتعزز المغالطة الكبرى التي قدمها الوزير الأول قبل أشهر خلال عرض برنامج حكومته على البرلمان، وهي أن المدرسين استفادوا خلال السنتين الأخيرتين من زيادات معتبرة على علاواتهم التحفيزية وأن كتلة أجور موظفي قطاع التعليم زيدت ب 14 مليار أوقية قديمة، ولسنا ندري أي الوزيرين استقى معلوماته المغلوطة من الآخر، أم أنهما تواردا في المغالطة وتضليل الرأي العام على منطق واحد!، عندما يتحدث الوزير عن زيادة علاوة الطبشور بنسبة 50% فعليه أن يتذكر أن هذه العلاوة في الأصل هي 3000 أوقية جديدة، وأن الزيادة نقلتها إلى 4500 أوقية جديدة لا أكثر علما أنها هي أكبر علاوة يحصل عليها المدرسون.
 علاوة التجهيز التي  زيدت بنسبة 100%  يتفاجأ  الجميع أن العلاوة الأصلية هي 2000 أوقية جديدة تصرف مرة واحدة في السنة، وأن مضاعفتها نقلتها إلى 4000 أوقية جديدة لا أكثر ولمرة واحدة في السنة!
 وبالتالي فالزيادة الشهرية التي حصل عليها المدرس بشكل إجمالي هي 1666 أوقية جديدة شهريا لا أكثر!
 ماذا يمكن أن تفيد زيادة 1666 أوقية جديدة لمدرس يعيش في هذا الوضع الاقتصادي المأساوي، وفي غلاء غير مسبوق ولا سقف له في أسعار المواد الغذائية.
في حين حصلت  زيادة لأجور عمال الصحة خلال العامين المنصرمين بنسبة إجمالية تصل إلى 69% -وهي زيادة معتبرة
وزيادات ضخمة  حصل عليها النواب البرلمانيون، حيث  ارتفعت رواتبهم إلى سقف المليون أوقية قديمة.

أما الزيادات المجهرية الضئيلة في قطاع التهذيب، فكان الأولى أن يجتهد الوزير في كتمانها."
 

إن الحقيقة الماثلة أمامنا تقول إن بيننا مفاوز مع مايحلم به بعضنا من وجود مدرسة جمهورية جامعة وموحدة لشتات طلابنا الذين يترنحون بين التعليم العام الذي لم يعد له في الحقيقة وجود، وبين التعليم الخصوصي الأضعف والذي يقتصر دوره على حضانة الأبناء أثناء الدوام المدرسي، وبين رغبة الأساتدة والمعلمين في رفع المرتبات وهي رغبة مشروعة،لو تحمل هؤلاء مسؤلياتهم في التدريس والتأطير،ويقينا فإن من بينهم أولوبقية صابرت ورابطت في ثغور التعليم وصبرت على شظف العيش وضآلة التعويضات، فهم بذلك يستحقون الاجلال والتقدير، وفي كل خير،  وبين عدم رغبة  الجهات الرسمية في زيادة هذه المرتبات بشكل جوهري يغري المتميزين بدخول ميدان التعليم، حتى لا تبقى ساحة التعليم مهنة طاردة للمواهب والتميز،  يبقى البلد ضحية لهذه المعارك الصفرية التي طال أمدها، ورغم أن وراء الأكمة ما وراءها فإن أملنا في أن يأخذ الرئيس زمام  المبادرة و يتخذ إجراءات جوهرية في إصلاح التعليم. 

ولعل من الأمور المخيبة للآمال تقاعس وسلبية آباء التلاميذ عن تحمل المسؤولية وزيادة الضغط على الجميع بهدف زيادة وتيرة الإصلاح في التعليم، وانتشال النظام التعليم من الوهدة التي يترنح فيها.

وبين الوعيد النقابي بإضراب واسع يهز الحقل التعليمي، وتشكيك الوزارة في شرعيته وجدوائيته، يبقى حقل التعليم في موريتانيا الميدان الذي يتفق الجميع معرضة وموالاة على أنه بحاجة إلى خطوات إقلاع سريعة، ودعة قوية نحو ما أثآه غدر السنين الماضية والأنظمة المتعاقبة، ويتفق الجميع كذلك على أن التعليم يحتاج استثمارات  مالية ضخمة قد لا تتوفر في القريب العاجل، فهل يعني ذلك مزيدا من  التردي وسوء المخرجات.