محظرة الشيخ الحاج ولد فحف.. مدرسة الزهد التي استقرت بين الجبال( إعداد موقع الفكر)

اقترن اسم العالم الحاج ولد السالك ولد فحف بالزهد والانقطاع عن الدنيا والتبتل في محاريب الموسوعية والإخبات، عاش بذلك  ابن فحفو أزيد من قرن، ولم يزل مذ عقدت منه الإزار يدا وهو يرقى في مدارج الزهد، لا يرف له جفن إلى عالم الأضواء ودنيا الظهور.
وبين شعف الجبال وسفوحها في منطقة اتوميرات وكلاكه الوعرة، أقام الشيخ الحاج ولد فحفو محظرته واستمر على التدريس فيها قرابة ستين سنة متواصلة، ألحق فيها الأحفاد بالجدود، قبل أن يعقده المرض، فيحمل الراية من بعده أنجاله وأحفاده وطلابه الذين انتشروا في أرجاء متعددة من البلاد وأنحاء واسعة من العالم.

وقد كانت سمعة الحاج الشيخ فحف عابرة للقارات جذبت إليه طلاب العلم من أصقاع مختلفة، فمنهم من أقام بين ظهراني المحظرة حتى نهل من العلوم وبثها بعد ذلك في الأصقاع مثل الشيخ حمزة يوسف، الذي يعتبر سفير المحظرة الشنقيطية، والتلميذ الأكثر شهرة عالمية بين تلاميذ الحاج ولد فحفو، رغم مايقال عنه.

 
محظرة الحاج ...امتداد لرعيل العلماء
اشتهر لمرابط باسم الحاج، غير أن اسمه الأصلي هو سيدي محمد بن السالك بن الشيخ بن عبد الرحمن الملقب فحف، بن المختار بن حبيب المسومي.
 وقد لقبته أمه بلقب الحاج عمر تيمنا بلقب الفقيه والمجاهد المعروف الحاج عمر الفوتي.

وقد عرف باسم الحاج ولد فحف، وقد كان  فحف هذا عالما جليلا ومقرئا صدر عنه عدد كبير من العلماء، وهو من خيرة طلاب الشيخ المختار بن بونه، وقد وصفه شيخه المختار بن بونه بقوله

حلفت برب الراقصات إلى منى

لقد فاق هذا العصر كلهم فحف

وفاقهم علما ونحوا دراية

وزاد على هذا أنه لم يكن يحف.

وما تزال بعض آثار العلامة فحفو موجودة من بينها آثار وإجازات علمية لبعض المشايخ يرتفع عمر بعض تلك الإجازات إلى أكثر من قرنين.

وقد تأسست محظرة الشيخ الحاج ولد فحفو في أربعينيات القرن المنصرم، امتدادا لمحظرة أجداده الذين أخذوا العلم وبثوه في صدور مئات الرجال.
الخلوة الإيمانية ..رحلة التربية العميقة
أخذت الخلوة والانقطاع عن العالم جزء من حياة الشيخ الحاج ولد فحفو، ويتحدث بعض طلابه عن تأثره الشديد من الرحيل المفاجئ لأحد شيوخه المقرئين، حيث عاد الحاج إلى مضارب حي شيوخه، ليجد خيمة الشيخ قد طويت عليه، بينما طوى الطلاب أعرشتهم بسبب الرحيل المفاجئ للشيخ إثر لدغة حية، وقد هال هذا الحادث الجلل قلب الشيخ الحاج ولد فحف، فانطلق في رحلة تفكر وخلوة إيمانية استمرت عدة سنوات.

ويذكر بعض من كان يلقونه في تلك الفترة، أنه كان يقيم في الخلاء والغابات، مدمنا الصوم والتلاوة والصيام، وقلما يعود إلى مرابع الحي أو يقترب من مساكن البشر.

وقد أحالت هذه الفترة الشيخ الحاج ولد فحفو إلى رحلة أخرى للحج، استمرت عدة سنوات، وعاد منها محملا بعلم وافر وكتب كثيرة جدا نسخ كثيرا منها بيده، كما عاد بإجازات في الحديث وفي معارف متعددة، قبل أن يلقي عصا التسيار ويؤسس محظرته في حدود العام 1363 هجري
وقد كثر ذكر الغيبة الإيمانية لدى طلاب الشيخ الحاج ومريديه ومن ذلك قول الشاعر محمد الأمين ولد ختار

أحاجينا من جده في الورى فحف
مديحكم بطئا تضيق به الصحف
لكم غيبة في الله لم يعط غيركم
وجيش على الضلال شيمته الزحف
ومجلسكم يشفى به الجهل والعمى
وبالزهد والخيرات ما دمتم محف...
ولي فيكم حاج سباني قوامها
ومنطقها المضني وواردها الوحف
إذا هي كانت فالمقدر كائن
وما ذاك في ظني بشأنكم جحف
جامعة بين سفوح الجبال
لم يكن الشيخ الحاج ولد فحفو زاهدا مربيا فحسب بل كان موسوعة علم نادر، أحاط بمختلف الفنون المدرسة في المحظرة الموريتانية، وكان إلى جانب معارفه المتعددة وخبرته العميقة في الفقه إماما في النحو، حافظا لمتونه المختلفة مغرما بتدريسه وشرح كتبه والتعليق عليها، وكان يملي من ذاكرته وبدون توقف ألفية ابن مالك مع احمرار ابن بونه وطرته، إلى غير ذلك من المتون العلمية المختلفة.
ومن بين المتون الذي كانت وما تزال تدرس في محظرة الشيخ الحاج ولد فحو
-  القرآن وعلومه: من حفظ وتجويد ودراسة للمقرئ وكتب القراءات والتفسير
- الفقه المالكي بمتونه المختلفة مثل الاخضري وابن عاشر، والرسالة  ونظم الرسالة ومختصر والشيخ خليل.
العقائد الإسلامية: من خلال إضاءة الدجنة، وكتب الشيخ عبد القادر ولد محمد سالم المجلسي.
قواعد الفقه: المنهج والتكميل 
النحو: بمتونه المختلفة: عبيد ربه آجروم – لامية الأفعال- الألفية باحمرار وطرة الشيخ المختار ولد بونه
أصول الفقه: مثل ورقات إمام الحرمين ومراقي السعود وغيرهما
مصطلح الحديث: بكتبه المختلفة 
السيرة النبوية: بمتونها المحظرية المختلفة
وقد عرف عن الشيخ الحاج ولد فحف إلى جانب موسوعيته بإشراقه الروحي وكراماته وسمته الإيماني الذي كان يجلب إليه الطلاب والمريدين من أنحاء الأرض.

 

تلاميذ ..أجيال العلماء

 

 من تواضع  الحاج ولد فحفو أنه لايمنح الإجازة ومع ذلك فقد درس على يده  عدد كبير من الطلبة نذكر منهم:

الشيخ أحمد فال ولد أحمدن رحمه الله شيخ محظرة عين الخشبه وأحد أبرز العلماء المدرسين في البلاد.

-      الشيخ محمد يحيى ولد الشيخ الحسين، رحمة الله عليه.

-  حدمين ولد الشيخ

-       الشيخ  عبد الله ولد الإمام   

-        صدفه بن عبد الصمد

-        محمد الأمين بن موسى

-       محمد ولد الشيخ السالم

-        محمد عبد الله ولد ببانه

-        محمد عبد الله ولد مفتاح

-         آدو ولد أحمد

ومن طلابه أيضا 

-        الداعية الأمريكي حمزة يوسف

-       الدبلوماسي الليبي الشهير عبد الرزاق مختار

-         محمد الزين ولد القاسم

-        الشيخ  محمد الأمين ولد الحسن رحمه الله

-        الشيخ  محمد ولد محفوظ ولد المختار فال رحمه الله

-         الحسين ولد اعزيز

-         القاضي محمد ولد يوسف

-         المصطفى ولد أحمد زيدان

-      محمد ولد عبد العزيز

-        سيدي عالي ولد مولاي أحمد

-        سيدي عالي ولد جعفر

-         محمد ولد الصحه

-        محمد محمود ولد عبد الله

-        محمد ولد محمد الأمين ولد أحمد شين

-        محمد عبد الله ولد المصطف

-         محمد يحيى ولد الداهي

-        الإمام المقرئ الشيخ ولد الشيخ أحمد

-        الإمام الشيخ ولد أمو
-  الإمام الناجي ولد داهي
-        الشيخ باب ولد الباشه

-        اسلم ولد سيدي المصطف

-       القاضي يسلم ولد ديدي

-        القاضي الشيخ ولد داهي

-         محمد الخضر ولد غيث الله

-       محمد ولد سيدي ولد الحبيب

-        سيدي ولد اغلانه

والنظم ضاق ببعضعهم فحذفته ولربما حذف الذي لم يجهل    

 

ويبدأ اليوم الدراسي في محظرة اتويميرات منذ تأسيسها قبل سبعين سنة، مع آخر ساعات الليل، حيث يستند الشيخ الحاج ولد فحف إلى عمود في خيمته ليبدأ التلاميذ في قراءة ألواحهم ويبدأ هو في الشرح والتصحيح، قبل أن ينبلج الصباح، حيث ينطلق الشيخ إلى المسجد ويؤذن بنفسه، قبل أن يبدأ في نوافله وأذكاره، ثم يصلي إماما بالناس، ليشرع بعد تسبيحات الصلاة في التدريس حتى ينتصف النهار لينطلق إلى خيمته المتواضعة التي تملأها صناديق الكتب، وبعد صلاة العصر تبدأ دورة أخرى من التدريس ولا تنتهي إلا بعد صلاة العشاء.

وقد ظل الشيخ الحاج وتلاميذه على هذه الحال إلى حين رحيله في  ذلك اليوم الحزين 17 يوليو 2018 عن عمر ناهز 110 سنين مختتما بذلك رحلة علمية استمرت زهاء 70 سنة من المجد والعزيمة على الرشد و الفكر ولإرادة التي لاخاتمة لها.

وقد حمل  أبناء الشيخ وأحفاده من بعده لواء المسيرة، إنما يحل اللواء النجوما، فتولى نجلاه الشيخ حدمين حفظه الله والطاهر رحمه الله تعالى المسيرة، والتعليم وخدمة التلاميذ الذين ما زال عددهم في ازدياد، كما تولى حفيده عبد الله ولد أحمدن التدريس في محظرة عين الخشبة، ليواصل الجميع نشر المعارف وبثها محولين قنن الجبال الشماء في تكانت إلى جامعة مفتوحة للمعارف الإسلامية والقيم الصوفية الراسخة، حيث ظل الزهد والوقار علامة مميزة لكل من درسوا على الشيخ الحاج