"أعرشة التلاميذ" في محظرة "تندكسمي" العريقة

منذ ما يزيد على أربعة قرون خلت، أي منذ الثلث الأول من القرن الحادي عشر الهجري،ينساب نهر العلوم الفياض، ونور الإيمان،وأريج التلاوة العاطرة في غور تندكسمي، أو " ذات السنابل الطويلة" حسب التعريب الشائع- وتندكسمي  في الأزل مدينة أثرية ذكر المؤرخون أنها بنيت سنة 530 هجرية- في تلك المحظرة الجامعة، التي لا "ترد لوحا"، فعلى تلك الربوع اتخذ تلاميذ المحظرة جيلا بعد جيل، مساكن، وأروقة صنعت من الأشجار المحلية، كالثمام ،تعرف ب: أعرشة التلاميذ" أو "اتهاله اتلاميد"، يتعاونون على تشييدها، وتقويتها بالأعمدة الخشبية، ووضع عدة طبقات من حشائش الثمام، بعضها فوق بعض، حتي تصبح الأعرشة وارفة الظلال،ثم يجري تسقيفها من الداخل بالخيم وقطع الأقمشة، وتجعل فيها "كوة للتهوية، ومنفذ للدخول.

وتختلف سعة الأعرشة كانت، بين ما يتسع لإسكان عدة تلاميذ، و ما يتسع  لتلميذ أو اثنين، وهناك أعرشة تشيد خارج القرية للمراجعة فقط " التكرار"

وقد هبت رياح العصرنة على مساكن وأروقة تلاميذ محظرة تندكسمي، فندر وجود الأعرشة، أو "اتهاله اتلاميذ"، فقام التلاميذ والمحظرة ببناء البيوت من الأسمنت المسقوق بالزنك، أو إقامة "أعرشة أسمنتية"، أكثر ملائمة للعصر، ونمط حياة بعض تلاميذ المحاظر الذين تربوا في المدينة، زمن الرخاء بعيد عن شظف العيش في سالف الأيام، فقضوا بذلك على تاريخ حافل بالعطاء والجد والتحصيل و"التهلي" خير شاهد على ذلك.

إن للتهلي دور بارز في المحظرة الموريتانية عموما، وفي محظرة تندكسمي العريقة خصوصا، حيث وفرة حشائش الثمام قدما، وهو خير الشاهدين على  التميز العلمي  المجيد، والجد والمثابرة في التحصيل في القرون التي خلت، وخلدت لنا مٱثر أبية على النسيان، وتستحق أن تكتب بمداد من الذهب.