الباحث أحمد سالم ولد مولود لموقع الفكر: التميز والتفرد عنوانا حياة الشيخ محمد المامي

في الجزء الأول من هذه المقابلة يتحدث الدكتور محمد سالم  ولد مولود عن بحثه الأخير الذي حصل به على دكتوراه دولة والذي كان مؤلفا رائدا في مجاله نظرا لحاجة المجتمع الموريتاني لفقه يعالج اشكالات البداوة وملاءمتها مع الشريعة الإسلامية.

 والدكتور محمد سالم ولد مولود أستاذ اللغة الانكليزية حاصل على شهادة ماستر في تسيير  النظم التربوية وأستاذ مادة التخطيط  التربوي في المدرسة العليا لتكوين الأساتذة عمل مفتشا عاما لوزارة الخارجية سابقا، قبل أن يتقاعد وهو أيضا خبير دولي في مجال تسيير النظم التربوية، وعضو بالمجلس الوطني للتهذيب حاصل على جائزة شنقيط كما قلت سنة 2017 عن بحثه المعروف بالتعليم غير المصنف.

فإلى المقابلة:

الفكر:  أهلا وسهلا بكم نود منكم أن تقدموا كتاب البادية الذي تناولتموه في أطروحتكم للدكتوراه والذي هو أحد الكنوز المعرفية للعلامة الشيخ محمد المامي من يوصف بالفريد في مجاله داخل النطاق الصحراوي. فما تقييمكم للكتاب، وما أبرز محاوره وكيف بدأتم العمل فيه؟

الباحث محمد سالم ولد مولود:  تناولت الكتاب في عمل بحثي تحت عنوان " الشرع الإسلامي على محك الترحال " من خلال ترجمة لكتاب البادية للشيخ محمد المامي .

وقصتي مع الكتاب أنني زرت صديقا لي من أحفاد الشيخ محمد المامي وهو الشيخ محمد المامي ولد حمود ولد الشيخ محمد المامي، فأهداني كتاب البادية وكتابا آخر اسمه فتح الشكور في تراجم علماء التكرور، وفي الحقيقة كانت ترجمة رائعة وطلب مني الشيخ محمد المامي أن ترجم كتابه البادية لكنني لم آخذ هذا القول على الجد، ولكنني قرأت الكتاب الأول: وهو ترجمة فتح الشكور في تراجم علماء التكرور، وأعجبني إعجابا وقلت سنرى كتاب البادية وقرأته المرة الأولى لم أفهم شيئا في المرة الثانية ولم أفهم شيئا للمرة الثالثة، لم أفهم شيئا، ولكن قررت أن أترجمه لأن العلامة الشيخ محمد المامي يستحق أن يماط اللثام عن تراثه ليقدم للعالم الخارجي حتى يتعرف عليه الآخرون. وكان ذلك مما قادني إلى تأليف الكتاب الأول بالفرنسية وهو للتعريف بهذا الصرح الثقافي الذي يسمى المحظرة.

وكما لدينا في المجتمع الموريتاني ثروات طبيعية فلدينا كذلك ثقافة نتميز بها، وعملت بالتالي على إخراج الكتاب وهي نفس الفكرة التي حدت بي أن أترجم كتاب العلامة الشيخ محمد المامي  فهو كتاب يستحق ذلك قال لي أحد زملائي: إن الدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله قال إن هذه البلاد  "ألف فيها كتابان فقط هما: كتاب البادية للشيخ محمد المامي وكتاب العمدة لأوفى " لأنهما أتوا بأشياء جديدة، والكتب الأخرى هي إعادة إنتاج كتب قديمة واستنساخها ونظمها. ومن هنا بدأت رحلتي مع الرجل والترجمة له رفقة البحاثة محمد ولد أحمد مسكة.

موقع الفكر: إذن حسب ما فهمنا أنكم قرأتم الكتاب أولا، وقمتم بتحقيقه بعد جمع النسخ والمقارنة بينها، فماذا عن هذا الجهد وما العقبات التي واجهتكم؟

البحاثة محمد سالم ولد مولود: عندما بدأت مشواري اقترحت العنوان السابق، من أجل التسجيل حيث لا بد من تقديم مشروع بحثي محكم من الناحية العلمية، ومن هنا بدأت في تحقيق الكتاب.

موقع الفكر: لم اخترتم هذا الكتاب بالذات؟

الباحث محمد سالم ولد مولود: الاختيار أساسا كان عن طريق ما سبق من قصة الحصول على الكتاب ثم لاهتمامي بالعلامة الشيخ محمد المامي ولد البخاري وشغفي بنشر الثقافة الموريتانية ليتعرف عليها العالم الآخر.

موقع الفكر: هناك مشكلة لغوية كبيرة وهي عبارة عن مصطلحات إسلامية كالوقف والكفالة والمصلحة المرسلة والأمور الكسبية واليمين المغلظة هذه المصطلحات كيف تعاملتم معها؟

الباحث محمد سالم ولد مولود:  فعلا هذه هي مشكلة الترجمة وقد حصلت على متريز سنة1984 وكانت في  اللسانيات الشعبة الانكليزية من المغرب ، وأذكر أننا كنا مع أساتذة يعلموننا نظرية الترجمة وهي عملية بسيطة فاللغة تنقسم إلى نوعين:

اللغة "1" واللغة "2"  فاللغة واحد، ماذا سنفعل معها فالقارئ البسيط أو المتلقي سيقوم بعملية فك الشفرة لأن أي نص يعني مجموعة أصوات، أما المترجم فيقوم بعمليتين الأولى فك الشفرة والثانية أن يقوم بتشفير اللغتين المترجمة والمترجم إليها حيث يتم تشفير المعنى بالعربية وأيضا بالفرنسية هي إذا عملية معقدة تحتاج جهدا وتحتاج إلى قراءة.

وقد احتجت إلى قراءة كتاب البادية، وهنا أنوه بالعلامة الدكتور بومية ولد أبياه الذى قرأت عليه كتاب البادية خلال ست سنوات.

موقع الفكر: عملكم أساسا ركز على الترجمة وليس عملية البحث بمفهومها الشامل، فما الخلاصات التي انتهيتم إليها، و ما الذي شد انتباهكم في حياة العلامة الشيخ محمد المامي؟

الباحث محمد سالم ولد مولود: حياة الشيخ محمد المامي يمكن تلخيصها في كلمة واحدة وهي التفرد والغرابة فمن ذلك سفره إلى فوتا وكذا إلى تمبكتو، ويقال إن  المامي من أسماء قادة الحركة الفوتية وهو أتى بهذا اللقب من فوتا جالو، ومن ذلك سفره من تيرس وعمره 15 عاما تقريبا وعاد إليها وعمره 25 عاما وبعدما أصبح عالما وغنيا جدا ولا أعرف الكثير عن مكثه في الغربة، ومن سبقه وتفرده أنه لم يكن شيخا على سعة علمه، ولن تجد من يقول لك: إن العلامة الشيخ محمد المامي شيخه فلان أبدا، والمحاظر معروفة ولو كان له شيخ، لكان معروفا مما يطرح سؤالا عمن تلقى العلم ومن مشايخه؟؟

ومن هنا تأتي تفسيرات كثيرة، من بينها: أن هذا " خارق عادة"  ولكن هذه التفسيرات لا يمكن أن نقدمها علميا  في أطروحة  للدكتوراه  مقدمة لمدرسة غربية .

من مظاهر تفرده كذلك أن أسلوبه كان متميزا في الكتابة سواء شعرا أو نثرا  ولا أعرف أحدا غيره في هذه البلاد كان يعنون القصائد حيث كان يعنون قصائده وذلك من قبيل الجرادة الصفراء  والدفينية .إلى غير ذلك"

ومن تفرده أنه كان يستخدم اللهجة الحسانية لمعالجة مواضيع تقليدية في النحو والأصول كما في قطعة شعرية حسانية يقول لها " منّوارة " ومنواره هذه لها قصة فهي سفينة أروبية كانت في ذلك الوقت ترسوعلى الشواطئ الموريتانية في منطقة آوكار،  ولكن هذه القصيدة الحسانية وضعها في الأصول .

وبالتالي فهذا شيء يمكن القول إنه من أجل تعميم الفقه،  ولو لم يكن هذا الغرض حاضرا لاستعمل مواضيع عميقة لا يمكن أن يفهمها الخاصة فأحرى أن يفهمها العامة،  وهذه القصيدة الحسانية وضع عليها شرحا بالفصحى  .

ومن تفرده دعوته إلى الجهاد .

موقع الفكر:  من خلال بحثكم هذا هل وجدت عالما أو مفكرا أو شخصا من هذه النخبة من  أهل هذه الصحراء تبنى نفس الفكرة أي فكرة أن يكون هناك فقه خاص بالبادية؟

الباحث محمد سالم ولد مولد :فقه النوازل موجود بكثرة، ولكن هذا العمل من تفرد العلامة الشيخ محمد المامي والذي أظن  -وحسب علمي -أنه كان أول من انبرى لوضع فقه خاص بالبادية ووضع في مقدمة هذا الكتاب الأسباب التي دفعته لتأليف الكتاب.

ومن تفرده : هذا الكتاب نفسه والذي يتكون من أربع تلميات: أي أربعة فصول و هذه التلمية سنتكلم عنها .

عناوين الكتاب ثلاثة الأول  كتاب البادية وهو عنوان شائع ومعروف والثاني: تلميات كما قال " وضعت عليه أربع تلميات " والثالث صوف الكلاب، وهذا الاسم غريب جدا ، وسأشرح كل واحد  منها إن شاء الله .

فالتلمية : المؤلف يبدأ في كل واحد من فصوله الأربعة ب"لمّا"  فنحتت كلمة تلمية من لمّا وسمى هذه الفصول التي تبدأ ب" لمّا" تلميات .

وقد طرحت لي هذه الكلمة مشكلة في الترجمة فتجوز بنحت هذه الكلمة كم نحت أنا كذلك كلمة "كرتن " من "كاه"   وقد استوقفت هذه الكلمة الدكتور أحمد ولد الشيخ، وقال لي هذا من أغرب الأشياء في هذا الكتاب .

موقع الفكر: هل تسببت هذه المصطلحات في اختلاف في التأويل والفهم مع منقحين أو باحثين ومؤلفين ؟؟

الباحث محمد سالم ولد مولد :كلمة "كرتن" بالضبط لم تسبب لي مشاكل، لكن هذا العمل ناقشه أساتذة كبار متميزين جدا وعلى مستوى عالي من الخبرة .

موقع الفكر: ماذا تعني كلمة صوف الكلاب، وما دلالتها في مجال بحثكم؟

الباحث محمد سالم ولد مولود :صوف الكلاب: مثل عربي قديم يقولك من افتقر إلى الوبر جز كلبه، ومعناه أن من جز كلبه فهو  في حاجة  إلى الوبر،  وكلاب الصحراء بلا وبر.

 فقد قال إن هذا العمل سماه بهذا الاسم  لندرته، وقلته لأن الناس تحتاج إلى فقه البادية لحل مشاكلها ونوازلها .

فالفقهاء في ذلك الوقت كانوا يمنعون الاجتهاد لأن شروط الاجتهاد لا تتوفر.

 وقد ألف العلامة سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم  ألف كتابا فريدا في هذا الموضوع  وألف العلامة الشيخ محمد المامي كتابا في الرد عليه .

موقع الفكر: ألا ترى كباحث أن تحريم الاجتهاد وتحريم البحث، والتعامل مع المستجدات قد أضر بالثقافة والفقه والأمة ومع ذلك أهله يريدون به المحافظة على الشريعة .

الباحث محمد سالم ولد مولد :  الباحثون لا يتفقون في قضية الاجتهاد  فمن الباحثين من يرون سد باب الاجتهاد ولكن البعض قالوا أنه لن يسد أبدا لأن الشريعة بحاجة إليه لأن الشريعة عبارة عن نصوص "القرآن والسنة والإجماع"

وهذه النصوص ثابتة لكن لا يمكن لكل من هب ودب أن يستخرج منها الأحكام, والفقهاء والمجتهدون طبقات .