المفتش محمد الأمين ولد النن لموقع الفكر: الكتاب المدرسي غير موجود، والمتوفر منه لا يلبي الاحتياجات

يعاني التعليم في موريتانيا من اخفاقات كثيرة، ظلت تزداد وتتفاقم، فأهل التعليم أو العنصر البشري "معلمين كانوا أو أساتذة أو مفتشين، يعانون من رداءة  الرواتب مقارنة مع تكاليف الحياة،كما يطرح عدم توفر الكتب المدرسية، معضلة تربوية كبيرة، ناهيك عن عدم حسم لغة التدريس منذ الاستقلال، ونقص المختبرات والمعامل،والاكتظاظ وضعف القدرة الاستعابية للمدارس الحكومية.

موقع الفكر التقى الخبير التربوي والمفتش محمد الأمين ولد النن، رئيس مجلس إدارة المعهد التربوي الوطني وأجرى معه المقابلة التالية

 موقع الفكر: ما تقويمكم لواقع التعليم؟

المفتش محمد الأمين بن النن :  بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على نبيه الكريم، التعليم اليوم حسب رأيي في وضعية كارثية ومن أسباب هذه الوضعية الكارثية جملة من العوامل ألقت بظلالها على الحياة الثقافية والتربوية بصفة عامة:

أولا: عدم الاهتمام بتوفير الحياة الكريمة للمدرس،  معلما أو مفتشا أو أستاذا ليجد نفسه في وضعية لا تسمح له أن يوجه اهتماماته لخدمة العملية التربوية .

ويوجه اهتماماته كاملة لمعالجة وضعية المتعلمين،  أويوجهها لمعالجة الأوضاع الإجتماعية والتربوية والثقافية للبلد، أويوجهها للنهوض بالبلد على جميع الأصعدة ويكون عارفا أن الدرس  الذي سيقدم مصنع للمجتمع، وهو خارطة المستقيل.

المدرس يجب أن يكون محاطا بظروف تحفظ كرامته فيكون مرتاحا ومطمئنا وأن توفر له حياة كريمة لكي لا يغرق  في مشاكل حياته الخاصة، وينشغل عن العملية التر بوية كما هو الواقع في البلد منذ الاستقلال إلى الآن.فهذا عامل له انعكاسه على جميع الحياة ..

هناك عامل آخر لايقل أهمية بل أهم وهو أن الدولة منذ الاسقلال ماستطاعت أن تحسم خيار الهوية الثقافية للبلد وبالتالي لم تحسم الموضوع فبقيت الخلافات والتجاذبات متواصلة .يستغلها المستخدمون من الشرائح الموريتانية سواء من الزنوج أوالبيظان فهم معبئون ومجندون  كلما تكلم أحد أوطالب أي مدرس أو نقابة أو سياسي بتثمين أو بترسيم اللغة العربية أو النهوض بها كلما ثارت ثائرة هؤلاء وأحدثوا ضجة وقامت القيامة وطرحت قضايا سياسية أخرى وحملت الأمور بمحتويات سياسية وصراعات اليمين واليسار وصراع الحضارات وصراع العالم الثالث والمستعمرين وصراع الطبقات وصراعات الأجيال وصراع اللغات. ومازلنا نراوح مكاننا من الاستقلال الى الآن . فإذا لم يحسم خيار الهوية ويتم ترسيم اللغة العربية، و إذا لم يحسم هذا الخيار على مستوى الخطاب الرسمي وعلى مستوى الإدارة ويتم تدريس المواد العلمية في المنظومة التربوية باللغة العربية مع القيام بأنشطة تكرس الدعم وتشجع تثمين اللغة العربية وترسيمها ونقلها من مطلب شرعي الى واقع نعتز به ونفتخر ونضحي من أجله إذا لم يسحم هذا الخيار فلن تقوم للتعليم قائمة وسيظل يراوح مكانه،والمدرس يعيش في ظروف صعبة. 

أنا واكبت مسيرة التعليم وكنت في نقابة عمال التعليم الممثلة في الاتحادات الدولية للتعليم، مثل اتحاد المعلمين العرب وكنت من بين المشاركين في مؤتمر اتحاد المعلمين العرب2020 . وبالتالي أواكب هذه الأمور فدعني أقول لك أن هذه النظرة المتردية للغة العربية  مؤسفة،  فنحن نرى اللغة العربية ينظر إليها باستهزاء وفي وضعية اتهام وتعصب ضدها، رغم أنها  هي لغة ديننا وهي العامل الموحد لهذا المجتمع وبالتالي مادام البعض ينظر لها هذه النظرة،  ولم يحسم الخيار الثقافي تربويا ولالغويا سنبقى في هذه الدوامة ولن ينهض تعليمنا ولن تتقدم الأمة ولن تتحقق الاستراتيجية الثقافية، وستقل ابتكاراتنا واابداعاتنا مالم نقدر لغتنا.

موقع الفكر: ماسبب الأزمة المستفحلة في الكتاب المدرسي؟

المفتش محمد الأمين بن النن: الكتاب المدرسي دائما  في ندرة نظرا لجملة من الأمور و العوامل .

أولا نحن دولة ناشئة ونعيش صراعات بينية وسياستنا لاتتجه اتجاها واحدا وبالتالي كلما قدمنا مشروعا يخدم موضوعا معينا يقام له بعملية إجهاض خاصة المشاريع ذات العلاقة بالتربية والتعليم،  نحن ليست لدينا دور للنشر وعندما لاتتعدد دور النشر يبقى الكتاب المدرسي في انحسار .

فنحن عندنا مثلا مطبعة مدرسية واحدة وهذه المطبعة المدرسية الوحيدة واليتيمة صناعة المانية قديمة ومن أجيال صناعية تم تجاوزها منذ عقود وبالتلي قطع غيارها غير متوفر  والمكونين عليها أحيلوا للتقاعد و منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر .

وبالتالي هذه المطبعة المدرسية تعيش اختلالات كثيرة . فالدولة لم تتركها كليا  نظرا للحاجة الماسة إليها، ولا تستطيع نظرا لاهتماماتها الأخرى أن تعطيها الأولوية التي تستحق لتخلق بها آلية لتوفير الكتاب المدرسي  وهذا يجعلنا دائما نطبع الكتاب المدرسي على جهاز يسمح له بالتكثير لكن غالبا ما يكون تكثير الكتاب المدرسي وطباعته في الخارج  لأن طباعته في البلد يكلف وزارة التهذيب مزانية كبيرة .

 النقص في الفنيين والنقص في قطاع الغيار وعدم الاهتمام بسياسة حاسمة توفر مطبعة مدرسية مزودة ومسلحة ومجهزة بالأدوات وقطاع الغيار والكادر البشري، هذه الأمور تجعل  الكتاب المدرسي حقيقة الا"ارواية برغود" وهذا مع أن الحاجة له متزايدة بشكل مطرد وأداة إنتاجه تتناقص وتضمحل وسياسة الدولة عندها توجهات أخرى أكثر اهتماما وأكثر إلحاحا عليها من القضايا التربوية،  وهذا يؤثر ثأثيرا كبيرا فيبقى الكتاب المدرسي غير متوفر وغير موجود  والموجود منه لايلبي الحاجة وإذا ذهبت الى نوعية الكتاب المدرسي فهو أيضا ضحية لهذه الاختلالات  التي ذكرت سواء على مستوى التأليف أوعلى مستوى التجريب أوعلى مستوى التقوبم أوعلى مستوى التلوين أوعلى مستوى الإخراج أوعلى  مستوى المحتوى أوعلى مستوى المنهجية.

هذه الحيثيات تجتاج إلى  جهاز ممول ومراقب ومتابع وله إدارة مراقبة تنتجه يوميا وتحسن  منه في الطراز.

والكتاب المدرسي يوجود منه شيئ لكنه لايكفي ولايسد الحاجة وهذا ينعكس على تحصيل التلاميذ وينعكس على توفر الكتاب للتلميذ وينعكس على مردوديته، على للتلميذ وينعكس على الساحة التربوية بصفة عامة وينعكس أيضا على أداء المدرس وينعكس أيضا على اسفتادة الآباء.

 الكتاب المدرسي بالنسبة للمنظومة التربوية  هو وحده الموجود،  وله تأثير داخل كل بيت وهذا يعطيه أهمية إضافية  لوكان موجودا أو مايوجد منه الآن على علاته.

المنظومة التربوية اليوم  المتوفر منها  في كل البيوت وفي كل الساحات التربوية على مستوى الوطن  وعلى مستوى الخريطة المدرسية بصفة عامة هو الكتاب المدرسي على ندرة فيه وعلى نقص  في جودة محتواه ومنهجيته ورغم ذالك كله الكتاب المدرسي هو الموجود وهو المعتمد، وإذاكانت هناك فائدة أوتأثير للمنظومة التربوية مع ما نشاهد من تضحيات المدرسين وبذلهم الغالي والنفيس  في تقديم رسالتهم  فهي الكتاب المدرسي.

موقع الفكر:  ماهو تقويمكم لواقع التعليم الخاص؟

المفتش محمد الأمين بن النن: المدارس الخاصة لم أباشر العمل فيها ولا أنصح بالعمل فيها، ولا الإشراف عليه فأ نا لدي الكثير من الأصدقاء في هذا المجال وكلهم عرض علي إدارة مدرسة خااصة ورفضت كل الطلبات لأنني أرى أن المدارس الخاصة مثل:  "آبيتكات اسغيرة"  وكالمغاسل والمخابز والمجازر فهذه أمور غير تابعة لضوابط تسمح  لها بأن تعطي مردودية، وكذالك المدارس النظامية فالمدارس تسير جنبا إلى جنب فالاختلال الذي تعاني منه المدارس النظامية ينعكس  على المدارس الخاصة، والا ختلال الذي تعاني منه المدارس الخاصة ينعكس على المنظومة التربوية التي عندنا، والمدارس الخاصة التي عندنا لاتتوفر فيها الشروط الكافية عادة.

مع أن هناك مدارس خاصة أثبتت جدارتها ولها مالها من الإفادة، وهذه قليلة أقل من أصابع اليد وغيرها "آبيتكات خصوصية" وأنا لاأقول هذا الكلام لأقلل من أهمية المدارس الخاصة وفعلا مادامت المارس الحكومية الرسمية  غاجزة عن تغطية الحاجة التربوية، فهذا يفتح المجال  أمام الخصوصين أمام كل هب ودب. لكن يجب أن يفتح المجال للخصوصين مع مراعاة ضوابط  تربوية مع مراعاة ضوابط أخلاقية مع مراعاة ضوابط الانسجام مع سياسة البلد ومع قوانينه  فهاك الكثير من المدارس الخاصة اليوم يدرس المناهج التربوية الأجنبية وهذا من ضمن هذه الاختلالات ، وبالتالي نحن لا نكون المواطن على المواطنة الموريتانية نكون مواطنين فرنسيين نكون مواطنين أتراك .

موقع الفكر: السير الذاتية للمسؤولين في البلد تؤكد أن أكثرهم تعلم في المدارس الأجنية.

هذا صحيح،  لكن عنده قرآة عكسية ليست هذه،  فالذين تعلموا في المدارس الأجنبية ودخلوا الوظيفة  مردوديتهم في البلد ضعيفة.

فكلهم أصبح يأسس للقبلية ويأسس لأكل المال العام، وكلهم يأسس للخلافات السياسية ويبيع أفكاره في المجال العلني وهذا يعني أن تعلمه في الدول الأجنبية لم ينعكس علينا نحن في تأمين مجتمعنا، ولافي  ترسيخ سياسة رسمية وطنية، فكل هؤلاء أصبح تابعا للجهة التي تعلم فيها ويسعى أن ينقل  إلينا تجربة ذالك البلد أواديولوجيته أواتجاهه.

المدارس الخاصة اليوم أكثرها يدرس  في السنة الأولى باللغة الفرنسية وهذا مخالف للقانون والكثير منها يدرس في الابتداية باللغة الانكليزية  وهذا ينافي القانون التربوي الموريتاني والكثير منها يدرس القيم التي تتنافى مع  القيم الإسلامية التي عندنا وهذا هو الأخطر، هذا هو الكارثة هذه كارثة تربوية وهذا يعني أننا لا نكون مواطنين  لهذه الدولة، لهذا البلد،  لهذا الوطن،  ومعناه أن كل أحد منا يكون حسب هواه وحسب مصالحه الخاصة، وبالتالي لم تعد هناك بنية دولة ولاهناك مستقبل مشترك بين المواطنين الذين يتكونون في المدارس وهذه هي الخطورة، كل يغني على ليلاه  وتابع لدولة، لرؤية،  لمنهجية، لاستراتيجية،  لمقاربة لسياسة،  لمصالح.. وهذا مما يضيف أعباء لاستنزاف الموارد المالية، وهذه الموارد يجب أن  توجه وأن تخضع لضوابط وتراقب، ويعرف إلى أين تذهب، سنبقى نقوم بعمل عبثي وهذا من المسائل التي تجعل المنظومة التربوية لاتقوم بدورها.

  وهذه العوامل من أسبابها أن خيار الهوية لم يحسم بعد وهناك تجاذبات دائما "صي والكف" المجال التربوي مقدس وهو رهان المستقبل ولايمكن أن يترك للأهواء ولا للرغبات ولا للإيولو جيات،  يحتاج إلى سياسة وطنية محكمة ومدروسة لها غايات سامية وأهداف اجرائية ستتحقق، ويواكبها تقويم شامل  تستفيد منه المنظومة التربوية وتقوم هذه التجربة ويتم التغلب على الاختلالات فالنجاحات، تدعم لكي تتواصل فنحن ليس لدينا تقويم للمنظومة التربوية اسمه تقويم،  لدينا آراء انطباعية يقوم بها البعض كل على حسب هواه،  هذه الآراء الشخصية الانطباعية التي لاتصل إلى مستوى تقييم، وبالتالي لا يمكن أن  توجه المنظومة التربوية  ولا يبنى عليها.

أنا عادة  أي شيئ  يمكن أن يستفيد منه البلد لا أغض الطرف عته ولا أمانع فيه ولكن لا ألقي له الحبل على الغارب .

أتمنى لهذه الاستفادة " أي الاستفادة من التعليم  الخاصة " أن تكون مضمونة ومحققة ومقننة وأن يسد الباب أمام الاختلالات والاختراقات.

فإذا كانت هذه المدارس خاضعة يوميا لمراقبة ومتابعة تشمل المادة التي تقدم للطلاب ومن سيقدمها لهم  فإذا تحققنا من هذه المدارس لامانع منها .

أما إذاكانت فوضى كل من هب ودب يحاضر فيها ويعلم كما يحلو له وليس خاضعا لتوجه ولا لسياسة ولا لأهداف فهذه كارثة .