د. محمد ولد مني ولد غلام لموقع الفكر: إصلاح التعليم في العام 1999 تكاد مخرجاته تكون  كارثية

موقع الفكر: ما تقويمكم للإصلاحات التربوية التي قيم بها وما العوامل التي أدت بها جميعا إلى الفشل؟

د. محمد ولد مني ولد غلام: بالنسبة للإصلاحات التربوية السابقة، أرى أن كلا  منها جاء  في بيئة تخصه، خاصة بذلك الاصلاح، فإصلاح 59 جاء حتى قبل نيل البلاد استقلالها وليس بالإمكان تصنيفه على أنه إصلاح وطني  واللغة لم تكن تدرس إلا ساعتين فقط، وكان يهدف إلى جر المواطنين إلى المدارس النظامية، فهوجاء في وقت كانت فيه الإدارة الاستعمارية تغازل الاستقراطيات الاجتماعية بتوجيه  أبنائها إلى المدارس النظامية.

 أما إصلاح 67 فقد حاول الاستجابة للتطورات الاجتماعية والسياسية الحاصلة وقتها، لكنه عالج بعدا واحدا وهو البعد اللغوي حيث اعتبر أن اللغة العربية لغة آداب و يجب الحفاظ عليها فيما تبقى اللغة الفرنسية لغة إدارة ولغة رسمية، صحيح أنه عرب السنة الأولى من المرحلة التعليم الابتدائي ولكن هذا التعريب لم يتوجه إلى التعليم الإعدادي والثانوي، أما  أكبر وأهم الإصلاحات تاريخيا، فهو إصلاح 1973 الذي جاء في إطار مراجعات شاملة للاتفاقية الموريتانية مع فرنسا وهي الاتفاقيات التي تعتبرها المحمية قبل استقلالها كشرط الاستقلال  كانت شرطا لنيل الاستقلال مع أن موريتانيا كانت استثناء حيث أصر المختار بن داداه رحمه الله  على أن يكون توقيع الاتفاقية بعد الاستقلال، وكانت الاتفاقيات كلها تربط المنظومات الموريتانية السياسية والثقافية والتربوية كلها بالمنظومة الفرنسية، وبالتالي جاء الاصلاح 1973، في إطار هذه المراجعات حيث روجعت الاتفاقيات برمتها ومن بين ما روجع العلاقات الثقافية مع فرنسا  وفي هذا الإصلاح عربت السنة الأولى والسنة الثانية وأدخل التعريب بشكل موسع  ثم أنشئ المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية ليكون حاضنة للطلاب القادمين من المحاضر الموريتانية واستحدثت شعبة الآداب الأصلية، وكان إصلاحا مس الجذر والأساس.

وجاء إصلاح 1979 في وقت كان النظام السياسي الموريتاني مأزوما وسط ضغوط داخلية وخارجية وخارجة لتوها من رحم حرب الصحراء وبالتالي فحاول الإصلاح الاستجابة لكل الآراء المتناقضة فجاء الإصلاح متناقضا واهتم بالوعاء اللغوي ولكنه ارتكب خطيئة تقسيم الجيل الموريتاني إلى عدة أجيال وأدى إلى حالة تشظ لغوي فوضع الخيار أمام المنحدرين من منطقة الضفة بأن يختاروا ما بين اللغة العربية واللغة الفرنسية فيما وجه قسرا المنحدرون من الفئة العرب إلى الشعب العربية وحاول اعتبار اللغات الوطنية فأنشأ معهد اللغات  لكنه و مما يحسب له أنه وضع وقتا محددا للفترة الانتقالية في عام 1985 حيث يصار إلى اللغة العربية واللغات الوطنية، بديلا عن اللغة الفرنسية.

أما آخر إصلاح فهو في العام 1999 وحاول أن يتفادى حالة الازدواجية وتعدد الشعب وأن يصهر الجيل التربوي في جيل واحد مما يجعل المنظومة  التربوية تترسم شعبة واحدة،  وأوكل للغة العربية مواد الهوية والروحانيات كالتربية الإسلامية والفلسفة  والتاريخ والجغرافيا فيما أسند تدريس المواد العلمية لللغة الفرنسية وتكاد مخرجاته تكون  كارثية إذ أنهأ لم تحصل ازدواجية حقيقية فعادت الشعب  بشكل مقنع فظلت الشعبة العربية موجودة كما ظلت الشعبة الفرنسية موجودة في المسابقات، هي وذلك  في إطار المسابقات كما لوحظ تدني  المخرجات إلى حد كبير مما أدى إلى أن يتداعي هذا المجتمع لمراجعة عميقة وشاملة لمناهج مدرسته في أيام تشاورية كان موضوعها الأساس الإشكاليات التربوية التي تعاني منها هذه المنظومة.

موقع الفكر: ما الأسس الموضوعية والفنية للإصلاح الجاد (العناصر اللازم توفرها لكي يبلغ الإصلاح الغايات والأهداف المؤملة)؟

د. محمد ولد مني ولد غلام: أعتقد أن الأسس الموضوعية والفنية للإصلاح الجاد ينبغي أن تراعي مجموعة من المعطيات، أن تراعي قواعد علم النفس التربوي فالطفل ليس وعاء قابلا لأن يشحن إلا بمقاييس محددة تخضع لتقييم تربوي ونفسي وما أريد أن أقوله في هذا المجال أن الطفل في مرحلة ما  لا يمكنه أن يدرس بلغتين كبيرتين إضافة إلى محتوى معرفي واسع وهذه وجهة نظر كثير من علماء النفس التربويين، كما ينبغي أن يراعي هذا الإصلاح حقائق المجتمع الاجتماعية والثقافية وتعدده الإثني، وأن يراعي حقوق الجميع وأن  يكون عادلا منصفا للجميع وينبغي أن تبنى أي منظومة تربوية بسواعد  وبعقول وطنية صرفة فالخبير التربوي الوطني أدرى وأكثر خبرة بشعاب منظومته التربوية من غيره.