من حزب الشعب إلى الإنصاف: عقبات متراكمة أمام إصلاح "الحزب الحاكم" في موريتانيا/ إعداد موقع الفكر

من بين مهام متعددة، يحمل الرئيس الجديد لحزب الإنصاف هم إصلاح الحزب المعبر عن الهوية السياسية للنظام أو بعبارة أخرى إعادة تقويم الذراع السياسي للنظام بعد ثلاث سنوات من الانقباض والتشنج بسبب أزمة المرجعية، ولاحقا تحت سقف الحظر الصحي، وأخيرا بتصاعد الأزمات الداخلية للحزب مما تطلب البحث عن مصلح جديد وترتيب بيت الحزب الداخلي وما تم من إعادة تسميته.

يمثل حزب الإنصاف الطبعة السادسة من أحزاب السلطة في موريتانيا، والتي بدأت سنة واحدة بعد الاستقلال بحزب الشعب الموريتاني الذي اندمجت فيه بقرار من الرئيس المختار ولد داداه مختلف القوى السياسية وظل الإطار الوحيد للعمل السياسي المشرع في موريتانيا إلى تاريخ الإطاحة بالرئيس المختار، حيث تم حل الحزب وتحميله جزء أساسيا من "جرائم وفظائع النظام البائد" ساعتها.

الهياكل.. شبكة السياسة والاستعلام

مثلت تجربة هياكل تهذيب الجماهير ثاني ذراع سياسي للسلطة، في موريتانيا، حيث أدركت السلطات العسكرية أنها لا يمكن أن تدير علاقة مرنة مع السلطة دون إقامة ذراع سياسي.

وقد تمددت هياكل تهذيب الجماهير لتشكل إطارا تنسيقيا يجعل أغلب المواطنين أعضاء في تشكيلات وخلايا تصاعدية، تبدأ من خلية بعشرة أعضاء، لتنتهي إلى وحدة من 100 عضو تسمى الحي، وهكذا حتى غطت كل موريتانيا، وأقامت منسقيات جهوية ومقاطعية ولجان عمل للتطوع في مختلف الأحياء.

وقد تولت الهياكل مؤازرة متضرري الجفاف والقحط وكذلك المشاركة في تمهيد بعض الطرق  وغيرها من عمليات الدعم والاسناد بصفتها صلة الربط  بين القيادة والقاعدة 

وقد استمرت تجربة هياكل تهذيب الجماهير إلى نهاية عقد الثمانينيات، لتبدأ بعدها تجربة التعددية.

الحزب الجمهوري ...من بيعة القبائل إلى ديمقراطية التزوير

بدأ تأسيس الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي في منتصف 1991، وكلف الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع صديقه العقيد الشيخ سيدي أحمد ولد باب برئاسة لجنة من 15 عضوا كلفت بوضع برنامج ورؤى هذا الحزب، واستقبال "بيعة القبائل" والجهات.

وقد تقاطرت الوفود القبلية من كل أنحاء البلاد، لتقدم البيعة والولاء، حيث أعيد بناء الحزب على نفس وظائف وتقاليد هياكل تهذيب الجماهير.

وقد تعاقب على الحزب عدد من الأمناء العامين وهم على التوالي:

بلاها ولد مكية (1991-1996)

سيدي محمد ولد بوبكر (1996-1999)

محمد يحظيه ولد مولاي الحسن (1999-2001)

لوليد ولد وداد (9/2001 – 7/2003)

بلاها ولد مكية (منذ 7/2003) إلى تاريخ الإطاحة بالرئيس معاوية ولد الطايع، ليعلن الحزب بعد ذلك دعمه للمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية، قبل أن يدخل بعد ذلك في دروب النسيان، ويتحول إلى حزب مجهري من أحزاب الأغلبية.

حزب عادل.. ذراع ما قبل الانقلاب

أحجم الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمه الله عن تأسيس حزب سياسي، مرددا لكل من نصحه بإقامة ذراع سياسي بأنه يريد أن يكون رئيسا للجميع، وفي المقابل أحجم وزيره الأول الزين ولد زيدان عن تأسيس حزب سياسي، معلنا لأنصاره والنخب التي التفت حوله أنه يريد كسب ثقة الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله والانسجام مع رؤيته.

وبعد كثير من الضغوط ومحاولات الإقناع، بدأ المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله تأسيس حزبه السياسي، لكنه قرر الابتعاد بسرعة عن القوة العسكرية التي جاءت به إلى السلطة، وعن التيار السياسي الداعم للزين ولد زيدان، ليبدأ تأسيس حزب عادل، بقيادة الوزير الأول الأسبق وزير الزراعة الحالي يحيى ولد أحمد الوقف، الذي خلف بسرعة الوزير الأول الزين ولد زيدان.

يقول البعض إن الزين ولد زيدان تفاجأ للغاية من إقالته بعد أن حقق للبلاد مكسبا اقتصاديا ضخما على حد قول البعض  من خلال تحصيله لمحفظة دعم  في حدود 5 مليارات أورو،  مقدمة من نادي باريس الاقتصادي، معتبرا بذلك أن ولد الشيخ عبد الله لم يكافئ تضحياته وجهده، وسلم انتصاراته للآخرين.

لم يطل عمر حزب عادل، حيث عاجله الانقلاب العسكري في 2008، وأحيل رئيسه المهندس يحيى ولد أحمد الوقف إلى السجن ليبدأ بعد ذلك مسارا طويلا مع المعارضة، انتهى به أخيرا إلى تيار مندمج في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.

الاتحاد من أجل الجمهورية ...حزب بين نظامين

أعاد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز تأسيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، على أنقاض حزب عادل، وتجمعت فيه قوى سياسية مختلفة، وقد تعاقب على هذا الحزب عدة شخصيات من بينها:

  • وزير الدفاع الأسبق المقرب سياسيا واجتماعيا من الرئيس الحالي: محمد محمود ولد محمد الأمين والذي أطيح به لاحقا إثر صراع سياسي متفاقم داخل تيارات الحزب.
  • الوزير السابق محمد يحيى ولد حرمة: وقد أدار هو الآخر فترة مهمة من تاريخ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، قبل أن يطاح به هو الآخر.
  • الوزيرالسابق: إسلكو ولد أحمد إزيدبيه: أدار اسلكو حزب الاتحاد في فترة اضطرابات متعددة، وانتهى به الأمر بعد ذلك مقالا مثل سابقيه.
  • سيدي محمد ولد محم: تولى ولد محم رئاسة حزب الاتحاد وكان من أبزر وأكثر رؤسائه حضورا وتأثيرا في المشهد السياسي قبل أن تسوء العلاقة بينه والرئيس محمد ولد عبد العزيز بشكل كبير، ويقول البعض إن الرئيس عزيز اتصل به ليلا وطلب منه تسليم الحزب إلى لجنة الإصلاح.
  • لجنة إصلاح حزب الاتحاد: تولت هذه اللجنة مهمة إصلاح الحزب، لكن عملها الأساسي كان التهيئة لمرحلة رئاسة ولد عبد العزيز للحزب بعد خروجه من السلطة وهي المهمة التي أخفق فيها بشكل كبير بعد أن ثارت أزمة المرجعية، وإثر قرار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وضع اليد على حزب الاتحاد وقطع الطريق على المطامح السياسية لولد عبد العزيز.
  • سيدي محمد ولد الطالب أعمر: تولى  ولد سيدي أعمر رئاسة حزب الاتحاد طيلة السنوات الثلاث المنصرمة، لينتهي به الأمر هو الآخر خارج قمرة القيادة بعد ثلاث سنوات من الصراع وإدارة المتناقضات.
  • ماء العينين ولد أييه: الرئيس الحالي للحزب وأحد الشخصيات المحورية في نظام ولد الشيخ الغزواني يصنفه خصومه على أنه واجهة سياسية لعديله الوزير السابق المختار ولد أجاي عضو لجنة إصلاح حزب الإنصاف.

لجنة إصلاح حزب الإنصاف..مهام متعددة في ظرف معقد

يتولى رئيس حزب الإنصاف رئاسة لجنة إصلاح الحزب، لكنه يؤكد للمحتجين على عدم ظهور أسمائهم ضمنها بأنها لجنة شكلها رئيس الجمهورية وليس له فيها أي دور.

وتتأسس هذه اللجنة على أنقاض لجنة أخرى أقامتها وزارة الداخلية قبل سنتين من أجل التفكير السياسي وتقديم مقترحات وفعاليات سياسية وإعلامية للتصدي للدعاية السياسية للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز.

وأمام لجنة إصلاح الحزب عقبات متعددة أبرزها:

  • التناقضات الهائلة داخل الحزب وتصاعد الخلاف بين تياراته التقليدية: خصوصا أن الرئيس الحالي محسوب على أحد الأطراف المتصارعة داخل الحزب.
  • التعاطي مع التيارات والمبادرات المنضوية: داخل الحزب والتي تكاثرت بشكل هائل خلال السنوات الأخيرة، حيث يدير كل وزير أو عضو في المكتب التنفيذي في حزب الإنصاف تيارا أو مبادرة داخلية
  • ضيق الآجال الانتخابية: حيث بات من شبه المؤكد أن الانتخابات القادمة ستجري في الثلث الأول من السنة القادمة، مما يجعل عمل اللجنة مضغوطا إلى أقصى درجة
  • ضغوط الجهات الحاكمة: يجزم قادة حزب الاتحاد بأن اللوائح النهائية للترشيحات لا تخضع لاختيار مكتب الحزب أو هيئاته المختصة بل يتم اختيارها من الجهات العليا وبتشاور تام أو بإملاء من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يعتبر صاحب القرار النهائي في الترشيحات.
  • ومما يؤخذ على الرئيسين الحالي والسابق اعتمادهما على التكنوا قراطيين في إدارة دفة الشأن السياسي بعيدا عن السياسيين والمؤدلجين، ممايؤثر سلبا على أدائهما.

وي الحقيقة فإن رؤساء الحزب الحاكم عبارة عن منفذين لرؤية وتوجيهات المخزن، مما يعني الحاجة لأشخاص لهم القابلية والأهلية للتعاطي الجيد مع الأوامر العليا.

وبين هذه العقبات المتعددة، والأزمات المتضاربة يعيش حزب الإنصاف مرحلة انتقالية يتوقع أن تستمر إلى ما بعد الانتخابات القادمة التي ستفرز هي الأخرى الطبقة التي سيقود بها ولد الغزواني حملته للمأمورية الثانية.