عمدة الرياض لموقع الفكر: أهم مشاكل التعليم الأساسي كثرة تغيير البرامج وتعاقب الأشخاص الذين يطبقون فيه سياسة الدولة

ما تقويمكم  لواقع التعليم في بلادنا؟

هناك شقان أسياسيان التعليم الأساسي والتعليم العالي ولكل منهما قضاياه، وحسبما أعتقد فإن من أهم مشاكل التعليم الأساسي كثرة تغيير البرامج وتعاقب الأشخاص الذين يطبقون فيه سياسة الدولة، وقلة الإمكانيات الموفرة، ودخول العامل السياسي فأصبح كل حي يريد أن تكون له مدرسة خاصة به ولم تعد موارد ولا مصادرها أو طواقمها يمكنها أن تغطي حاجيات المدارس، وقلة التفتيش للمعلمين من قبل المفتشين رغم توفرهم، والمعلمون لا يطبقون البرامج التعليمية داخل الأقسام وبعد اكتتاب معلمين غير ناجحين في المسابقة وإنما أجروا مسابقة تكوين المعلمين وأمضوا فيها ثلاث سنوات وأصبحوا معلمين، ثم حدث أن صار تكتتب مجموعة من المعلمين ولا تدرب إلا شهرين وتذهب للتدريس، واكتتبت مجموعة من الأساتذة المتخرجين في الجامعة ولم يتدربوا وإنما أرسلوا للتدريس مباشرة دون أن يدرسوا طرق التربية، ولذلك فانتشار المدارس وكثرة تغيير البرامج وقلة الالتزام بالبرامج من قبل المعلم وقلة التفتيش وإن حدث فهو ليس على المستوى.

 وقد يحاجج البعض بكثرة أعداد المتمدرسين وأن المدارس مكتظة وقد يكون ذلك من ضمن العوامل، فأصبح التلميذ يتخرج من الابتدائية وهو لا يستطيع أن يكتب رسالة لا بالعربية أو الفرنسية في حين أن جيلنا كان لا يمكن أن يتخرج أحد منهم من المرحلة الابتدائية دون أن يكون متقنا للعربية والفرنسية.

ومن لا يتقن اللغات لا يمكن أن يتعلم خاصة المواد العلمية، كي يتمكن الطلاب من معرفة معاني المصطلحات بدقة، و يتمكنوا من التعليم، فإذا امتحنت شخصا في اللغة وكانت أخطاؤه كثيرة فإن هذا ليس بجيد، فهو قد يكون متميزا من الناحية الفنية لكنه لا يتقن التعبير عما يريد، وبالتالي فإن مشكل اللغة من المشاكل الكبيرة المطروحة في التعليم؛ فإذا لم يكن خريجو التعليم الأساسي جيدين  فمن الحتمي أن ينعكس ذلك على التعليم الإعدادي والثانوي ثم ينعكس الأمر على التعليم العالي؛ نتيجة لضعف المخرجات السابقة عليه؛ وبالتالي نفس المشاكل التي يعاني منها التعليم الأساسي من حيث كثرة تغيير البرامج وعدم تطبيقها والاكتظاظ وقلة التفتيش يعاني منها التعليم الإعدادي والثانوي. فتلزم مراجعة البنية التحتية التعليمية، ويجب تجميع القرى حتى  لا تكون كل قرية لها مدرسة بها عشرة أوثمانية تلاميذ فقط لأن الشيخ الفلاني أو الوجيه قريته لا بد أن تكون بها مدرسة،  وإذا اجتمعت القرى يمكن أن تكون مدرسة متكاملة من حيث وفرة المعلمين والبنى التحية، ويجب إجراء التفتيش بصورة صحيحة خلال شهرين أو ثلاثة حتى نتأكد من تطبيق البرنامج ومعرفة التقدم في إنجازه. وسمي التعليم الأساسي أساسيا لأنه بمثابة أساس البنيان فلا يمكن تشييد منزل دون أساس قوي ، ولاحظت خلال تجربتي أن التلاميذ الذين تلقوا تعليما ابتدائيا جيدا وقويا ظلوا كذلك حتى تخرجوا وأصبحوا موظفين كبارا بينما التلاميذ الذين كانوا ضعيفي المستوى خلال المرحلة الأساسية لم يكملوا دراساتهم في الغالب الأعم، ولذلك يجب أن يتوجه إليه الإصلاح ولذلك يجب أن تراجع هذه البرامج  وتكون برامج متماسكة، ومتماشية مع متطلبات العصر والسوق منذ البداية ويجب أن يتقنوا اللغات فالرياضيات يمكن للتلميذ ألا يتقنها في البداية ولكنه يمكن أن يتقنها فيما بعد بينما اللغة من لم يتقنها في البداية لا يمكنه إتقانها إذا تخطى مرحلة التعليم الأساسي وبالتالي فالتركيز على اللغة مهم وبالأخص تحسين الخط وكانت هناك مادة تدرس وهي مادة تحسين الخط لكنها لم تعد موجودة للأسف، وعندنا طلاب في الجامعة تمضي  كثيرا من الوقت كي تقرأ ما يكتبون، فيجب إيلاء عناية خاصة للقراءة والكتابة في مرحلة التعليم الأساسي كي يساعد ذلك الطلاب على تحسين مستوياتهم.

والتعليم الثانوي يعاني هو الآخر من الاكتظاظ وقلة الموارد البشرية، ونادرا ما تأتي إلى مؤسسة ولا تجدها تعاني نقصا في أساتذة الرياضيات أو العلوم أو الفيزياء مع قلة الرقابة، وعندما تضيف كل ما سبق ذكره  إلى ما يقع في الابتدائية والإعدادية والثانوية فسترى أن التلاميذ عندما يصلون إلى مرحلة التعليم العالي سيعانون.

وأذكر هنا أننا في سنة1990 قبل المجيئ إلى جامعة نواكشوط كنا في المعهد العالي العلمي وكان هذا المعهد لا يدخله الطلاب إلا بمسابقة، وتبين لنا أن قليلا من الطلاب من يحصل على معدل 10 رغم أنهم متفوقون في البكالوريا، ويبدو لي أن امتحان  شهادة البكالوريا يجب أن يخضع لكثير من الصرامة، لأنه صار هناك الكثير من الغش وحدث ما لم يكن يحدث حيث صار ذوو التلاميذ يحضرون معهم إلى الامتحان لمساعدتهم في الغش فالمهم عندهم أن ينجحوا،  في حين أننا أدركنا زمنا كان الواحد منا إن ضبط متلبسا بالغش لا بد أن يغادر تلك الثانوية أو الإعدادية لأنه لم يعد في مقدوره المتابعة فيها خجلا من زملائه. وهذا أمر مرفوض وهو ليس من مصلحة التلميذ فأنت إن أعنته ونجح في البكالوريا لا بد أن يقف حماره في العقبة في مستوى ما. وإن تخرج من الجامعة بالغش فسيكون حاملا شهادة لكنه ليس على المستوى.

 ويجب أن تكون هناك مؤسسة تابعة للدولة تؤهل الشباب الخريجين؛ لأن كل المتخرجين مستوياتهم متواضعة خاصة في المواد التطبيقية؛ لأننا يكون عندنا طلاب جيدون نظريا لكن عندما يرسلون إلى الخارج يظهر أن مستوياتهم ضعيفة خاصة في المواد التطبيقية نتيجة أننا لا نتملك مخابر، فإذا كنت تدرس الفيزياء والكيمياء والعلوم بدون مخابر فسيتخرج طلابك وهم ناقصو الخبرة بسبب عدم التطبيق وإن كانت معارفهم النظرية جيدة. ويجب أن توجد مخابر على مستوى المعاهد العلمية بل ينبغي أن يكون تكون هناك مخابر على مستوى الثانويات على الأقل لتدريس بعض الأبجديات للتلاميذ وهم في السنة الخامسة والسادسة.

ومما لا يخدم التعليم وجود سبع سنوات من التعليم الأساسي وسبع سنوات من التعليم الثانوي وهذا لن يزيد قيمة التعليم، بل ينبغي أن يدرس تدريسا مركزا طيلة ست سنوات في التعليم الأساسي؛ لأن السنة الأولى ابتدائية يمنع الرسوب بها، مما يعني أنه يمكن أن يتجا وزها التلميذ دون أن يتعلم القراءة والكتابة فإذا وصل إلى السنة الثانية بهذه الوضعية فقد حكم عليه بالفشل، فيجب أن يخضع التلاميذ في التعليم الأساسي لتعليم مركز ويكون فيه تقويم جيد لا محاباة فيه لأحد،  وأذكر أن لي زميلة لديها بنات كانت تدرسهن في التعليم الخاص ولكنها قررت مرة أن تختبرهن فوجدت أنهن لا يتقن الكتابة رغم أنهن كن متوفقات في الامتحانات التي تجريها مؤسستهن.

ويجب أن ينظر في شأن التعليم الحر الذي تبين أنه من أسباب تدنى التعليم ولست أقول بإغلاقه؛ لأن الدولة ليس في إمكانها تدريس كل التلاميذ  ولكن يجب وضع معايير تمنح على أساسها رخصة مزاولة التعليم الحر عبر إجراءات ومعايير واضحة، ويجب أن يكون من يدرس في هذه المدارس متخرجا من مدرسة تكوين المعلمين فلا يمكن أن يسمح لكل من هب ودب بالتدريس، فشهادات منح التدريس أصبحت تعطى عبر العلاقات الخاصة. وأصبحت تستهزأ ببعض المواد فالتربية الإسلامية مادة مهمة جدا؛ لأنها ربط للناس بدينهم لمن لم يستطع أن يدرس في المحاظر فلا بد أن تدرس في المدارس وكذلك التربية المدنية التي تغرس في الإنسان حب الوطن والقيم ويجب ألا تدرس إلا البرامج الموجودة في التعليم النظامي، وأظن أن التعليم ما زال ينقصه الكثير من الصرامة والشدة لكي لا ينجح إلا من يستحق النجاح فالناس لا يمكن أن تكون كلها مهندسين ومحامين وأساتذة، بل يجب أن تنجح النخبة التي تستحق، وهنا أنبه  إلى أنه ينبغي أن تكون هناك مؤسسات تكوين مهني تمكن من لم يستطع مواصلة السير في طريقه إلى التعليم أن يلج في هذه المؤسسات.

وهنا ألفت نظر اتحاد أرباب العمل إلى أنه ينبغي لهم أن يفتتحوا معهدا للتكوين المهني بالتعاون مع الدولة؛ كي يلبي لهم احتياجات السوق لكي نضمن ألا يبقى أحد في الشارع، ولكي نعيد تكوين من تكون في مهن لا تتطلبها السوق من جديد.

أما مشكلة التعليم العالي فتتمثل في أنه يعاني من مشكلة وهي غلبة المواد الأدبية على حساب بقية المواد، فنحن لم نصل مرحلة أن تكون 25% من شهادات البكالوريا شهادات علمية؛  ولذلك تعاني كلية الآداب والعلوم الإنسانية وكلية العلوم القانونية والاقتصادية من الاكتظاظ لأن أغلبية ناجحي الآداب يذهبون  إلى هاتين الكليتين، إضافة إلى أننا لا نقوم احتياجات السوق، فالسوق قد يكون اليوم متوجها إلى الإلكترونيات، وقد يكون غدا متوجها إلى الاتصالات أو إلى مهن أخرى. ولذلك لا بد من معرفة متطلبات السوق، حتى يكون التوجيه منطلقا من مراعاتها وعند فتح أية شعبة يجب أن تغلق بعد فترة معينة لأن حاجيات السوق منها قد اكتملت حتى إذا عمل كل الخريجين من تلك الشعبة يعاد فتحها من جديد.

وأرى أنه يجب أن تكون هناك كلية أو جامعة للعلوم والتقنيات بها مدارس للمهندسين في مجال الصيد ومجال الزراعة ومجال المعادن.

ويجب أن يفتح قسم للبيطرة في كلية الطب؛ لأن لدينا ولله الحمد ثروة كبيرة من الماشية. ويجب ألا يكون التكوين من أجل التكوين فقط بل يكون التكوين  من أجل تشغيل المكونين، وأحيانا يقولون ينبغي أن نكون الإنسان ثم يحاول الإنسان بعد ذلك أن يحصل على عمل؛ لأن الدولة لا تستطيع أن تشغل الجميع، لكن ينبغي أن يراعى في تكوين المكون مستقبل تشغيله.

ورغم وجود الشواطئ الغنية فإنه لا توجد لدينا كلية أو معهد أو كلية للصيد، ورغم وجود الأراضي الزراعية الشاسعة فإننا لا نمتلك إلا معهدا واحدا هو المعهد المجود بروصو ولكن هل هذا المعهد مختص في الزراعة فحسب؟

ومن المهم أن تكون هذه الجامعات تكون مهندسين  في مجالات المعادن والصيد والزراعة إضافة إلى الفنيين في مجال  الصحة كالمختصين في الأشعة وغيرها.

وأذكر هنا خلال فترة إدارتي لإدارة التعليم العالي والبحث العلمي أني أرسلت رسالة إلى الوزارات ومؤسسات الدولة حول احتياجاتهم التي يطلبونها خلال خمس إلى عشر سنوات ولم تجبني أية مؤسسة إلا ما كان من شركة "سنيم" والبنك المركزي ، فقد عبرت شركة "سنيم" عن حاجتها لمجموعة من مهندسي الكهرباء، لكنها عبرت عن حاجتها الحالية، دون أن تخبر عن حاجاتها المستقبلية رغم أنها شركة مرموقة ويفترض أن لديها خطة للمصادر البشرية، أما البنك المركزي فقال إنه يريد مختصين في مجال التجارة، أما المؤسسات الأخرى فلم أتلق منها جوابا.

فنحن ما زلنا نوجه الطلاب نحو التخصصات توجيها عشوائيا كما كانت تتم التوجيهات في حقبة الستينات فنقوم بتوجيه هذا إلى الطب وذاك إلى الهندسة وآخر نحو المعادن وهذا التخبط ناجم عن عدم وجود تلاحم بين القطاع الخاص وبين مؤسسات التعليم العالي، وحتى لا نبقى رهنا للمقاعد التي تعطى لنا من قبل شركائنا يجب أن نطلب منهم مقاعد انطلاقا من حاجات سوقنا. وأذكر أنني خلال أربع سنوات قضيتها في التعليم العالي استطعت أن أنجز معيارا واضحا للحصول على المنحة. وأصبح بإمكان أي موريتاني في أي مكان من العالم أن يقدم ملفه للمنحة فإن كان ملفه مستجيبا للمعايير المطلوبة يحصل على المنحة، وسار المديرون من بعدي على نفس النهج وحسنوا فيه وأصبح الحصول على المنحة أمرا آليا.