الشيخ سيدي أحمد بن باب مين لموقع الفكر: بلادنا تواجه تحديات داخلية تهدد السلم الاجتماعي ومن ثم استدامة وجودها

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل وازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم أحد القامات السياسية ممن لهم إلمام بواقع السياسة في موريتانيا، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر.

ضيفنا اليوم هو الوزير السابق، والعقيد المتقاعد سيد أحمد بن باب مين، وهو غني عن التعريف.

حيث تولى عدة حقائب وزارية سياسية كوزارة الداخلية ووزارة الخارجية، في فترة من أهم فترات التاريخ الموريتاني، كما سبق أن تولى رئاسة للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات إبان المرحلة الانتقالية (2005_2007).

شارك في المنتدى الوطني للديمقراطية بفعالية كأحد المؤسسين وكرئيس له في فترة من الفترات، ولذلك فقد أجرينا معه الحوار التالي: 

موقع الفكر يجري مقابلة مع الوزير السابق سيد أحمد بن باب مين

أجرى موقع الفكر مقابلة مع الوزير السابق والعقيد المتقاعد سيد أحمد بن باب مين، ليحدثنا عن شخصة الكريم، عن الجيش الموريتاني، وعن الحرب الموريتانية الصحراوية، وعن الرئيس الراحل المختار بن داداه، وانقلاب 1978م، وغير ذلك من محطات تاريخ موريتانيا.

وفي ما يلي نص المقابلة:

موقع الفكر: نطلب منكم أن تحدثونا عن النشأة الأولى لكم ومراحل تعليمكم وأين كانت؟ 

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: ولدتُ في ديسمبر 1946م بتيشيت ولاية تكانت والتحقتُ بمدرستها الابتدائية في أكتوبر 1953 حيث درستُ مدة جزءا من المرحلة الابتدائية، قبل أن أنتقل إلى تجكجه حيث واصلت الدراسة إلى أن حصلتُ على شهادة الولوج إلى الإعدادية، وفي الفترة من 1960 إلى 1964 ارتدْتُ على التوالي إعداديتيْ عيون العتروس وكيهيدى حيث حصلت على شهادة ختم الدروس الإعدادية.

موقع الفكر: ماهي قصة التحاقكم بالجيش الموريتاني؟ 

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: في واقع الأمر وبتشجيع من أحد مدرسيَّ الأقدمين في المدرسة الابتدائية بتجكجة وهو المرحوم أمبارك ولد بون مختار الذي أصبح فيما بعد نقيبا وقائدا لأركان الجيش الوطني سنة 1965، شاركت في امتحان ضباط الاحتياط المنظَّم من طرف قيادة أركان الجيش ونجحتُ فيه، فتم يوم 5 ديسمبر 1965 بمدينة روصو دمجي في صفوف جيشنا الوطني الناشئ.

وفى هذه المدينة تلقيتُ لمدة ستة أشهر ما يُسمّى بالتكوين المشترك الأساسي قبل أن أُوجَّه إلى المدرسة العسكرية متعددة الأسلحة في مدينة مونبليه بفرنسا؛ لأجريَ تكويني الأول كضابط احتياط، وإلى نفس المدرسة بعد أن حُوِّلتْ إلى مدرسة تطبيق للمشاة عدتُ بعد سنتين لأجريَ تدريبي التطبيقي في الفترة من أكتوبر 1968 إلى يونيو 1969 لأصبح ضابطا عاملا.

موقع الفكر: في حرب الصحراء كان هناك الكثير من الأحداث التي كنتم في قلبها.. ما هي أبرز ذكرياتكم مع هذه الحرب.. وهل ترون أن موريتانيا كانت بحاجة إليها؟

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: إن الحرب أي حربٍ لا يُتصور أن تكون مقصدا حتى لمن امتلك وسائلها وكان جاهزا ومتهيئا لها، فكيف بمن كان على العكس من ذلك تماما كما كان هو حال بلادنا في سنة 1975؟

حقا يقال إن ضمان استتباب السِّلم منوط باستكمال شروط خوض الحرب، وعليه فإن وجود جيش يُعتبر والحالة هذه شرًّا ضروريًّا إن صح التعبير.

والجيش بدون شك أداة باهظة الثمن بالنسبة للمجموعة الوطنية إلا أنه من الأفضل وجوده تحسبا للحاجة، كضرورة وجود المظلة تحسبا للمطر.

في سنة 1975 دخلتْ بلادنا مع الأسف الحرب في حالة عجز تام لأنها -كما قيل حينها-، ولذلك قسط من المسوغات المنطقية، كانت تركز على أولويات أخرى ذات طبيعة تعليمية واقتصادية واجتماعية، الخ....

أضف إلى ذلك أن الرئيس المختار رحمه الله كان مقتنعا فيما يبدو بإمكانية التوصل مع محاورِيه المغاربيين إلى حلّ سياسي لمشكل الصحراء.

وفي جميع الأحوال فإنه كان يقول على رؤوس الأشهاد إنه لا نية لديه لإطلاق رصاصة واحدة لغزو هذا الإقليم.

غير أن من الواضح أنه لم يضع في الحسبان بالقدر اللازم الطبيعةَ الحقيقية للتحديات ولا تأصُّلَ العداء بين شريكيْه المغاربييْن الملك المغربي الحسن الثاني والرئيس الجزائري بومدين رحمهما الله، ولا مدى طموحاتهما، فضلا عن الدور الذي لعبه القذافي، وعن إرادة شريحة السكان الصحراويين، التى كانت أقلَّ تأييدا لبلدنا ومعارضةً لتقسيم بلدها.

وهكذا وفي المحصلة أُرغمنا على خوض هذه الحرب بإرادة الآخرين أكثر من إرادتنا، خصوصا أحد شركائنا الذي ربما نكون قد بالغنا في تقدير حسن نيته اتجاهنا، بينما قصّرنا بدون شك في تقدير درجة اندافعه في هذا النزاع.

والآن للإجابة على الجزء الأول من سؤالكم فإنى قضيتُ من الثلاثين شهرا التي دامت هذه الحرب 15 شهرا قائدا لكتيبة القيادة العامة في انواكشوط و 15 شهرا على الجبهة في مناطق القتال بين افديرك وازويرات وبير أم اكرين وانواذيبو.

وكما هو الحال في جميع الحروب ودون الخوض في التفاصيل، تتداخل في الذكريات التي احتفظت بها من هذه الحرب المآسي والآلام، ولكن أيضا الاعتزاز أمام تضحيات عدد كبير من الضباط، في ريعان الشباب في كثير من الأحيان، وضباط الصف والجنود بأرواحهم بعد أن قاتلوا ببسالة منقطعة النظير في ظروف قاسية للغاية وبوسائل جدّ متواضعة في بعض الأحيان.

موقع الفكر: أين كنتم غداة انقلاب 78 وما هو الدور الذي لعبتموه فيه؟

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: يوم 10 يوليو 1978م، كنت في انواذيبو حيث كنت منذ ستة أشهر قائدا لقطاع السكة الحديدة المستقل، المكلف، ما بين انواذيبو وازويرات، بتأمين القطارات المنجمية التابعة للشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم).

لم يكن لي أي دور في تحضير هذا التغيير ولكني كُلفتُ في صبيحة نفس اليوم، 10 يوليو، من طرف قائد أركان الجيش العقيد المصطفى ولد محمد السالك رحمه الله بأخذ زمام الوضع الجديد على مستوى العاصمة الاقتصادية بمساعدة زميل آخر ريثما تصلنا تعليمات إضافية، وقد قمنا بعد ظهيرة نفس اليوم بعقد مهرجان كبير لشرح أسباب الانقلاب، والمهمة التي اختطتها اللجنة العسكرية للإنقاذ الوطني لنفسها لتصحيح الوضع.

موقع الفكر: متى بدأت علاقتكم بالرئيس محمد خونه ولد هيداله؟ 

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: بدأت علاقتي بالرئيس محمد خونه بن هيداله، عند تعيينه في هذا المنصب السامي لأني كنت عضوا في اللجنة التي عينته، ولكنى في الحقيقة كنت قد تعرفت على الضابط هيداله وهو ما زال ملازما شابا أو حتى ملازما أولا عند ما كنت أنا نفسي في مركز روصو للتدريب في إطار تكويني المشترك القاعدي، كما عرفته في الكثير من المواقع، وبالخصوص في افديرك، حيث خدمتُ تحت إمرته حينما كان قائدا للقطاع 2 خلال الحرب وبعد ذلك عند ما صار قائدا لأركان الجيش سنة 1978م.

موقع الفكر: هل كنتم عضوا في اللجنة العسكرية أيام استحداث نظام هياكل تهذيب الجماهير.. كيف تنظرون إلى تلك التجربة التي ينظر إليها البعض على أنها في الكثير من الأحيان كانت جهازا تجسسيا لصالح النظام الحاكم آنذلك؟ 

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: نعم، كنت في تلك الفترة، أولا، قائدا للمنطقة العسكرية الأولى في انواذيبو، وفي تلك الصفة رئيسا للجنة الجهوية لهياكل تهذيب الجماهير، ثم أصبحتُ أمينا دائما للجنة العسكرية للخلاص الوطني، وعليه رئيسا للجنة الوطنية لهذه الهيئة، غير أنى لم أكن عضوا في الخلية التي وضعتْ برنامجها بدايةً.

إلا أني أرى أن هذا البرنامج كان أداة مفيدةً لتهذيب السكان على الصعيد السياسي والاقتصادي، وكذلك وبصفة خاصة للعمل التطوعي؛ حيث مكَّن في جميع الولايات من إنجاز العديد من المشاريع الصغيرة والأعمال المفيدة في الوسطين الحضري والريفي؛ كتشييد المدارس والمستوصفات والطرق والسدود الصغيرة، وتنظيم دروس التربية المدنية ومحو الأمية عن الكبار ... الخ.

وعلى هذيْن المستوييْن من المسؤولية لا أذكر أني جنحتُ في أي وقت من الأوقات ولا بأي شكل من الأشكال إلى أن أجعلَ من هذه الهيئة أداة استخباراتية كما ألمحتم إلى ذلك، أما أن يكون آخرون قد طوعوها لتلك الأغراض فذلك ما لا يمكنني إثباته ولا نفيه، إلا أن الشيء الأكيد هو أن تلك لم تكن بتاتا هي المهمة المنوطة رسميا بها.

موقع الفكر: عانى الخطاب الحقوقي المدافع عن قضية لحراطين من محاولات إجهاض عديدة، وتعرض للكثير من الضغوط من الأنظمة المتعاقبة والاستغلال حتى، أولا كيف تقيمون هذا الحراك كشاهد ومعايش لجميع هذه المراحل وما هو مستقبل قضية الحراطين برأيكم؟

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: أرى شخصيا، وقد أكدت ذلك مرارا، أن مشكل لحراطين هو في نفس الوقت التهديد والتحدي الرئيسان اللذان يوجههما بلدنا اليوم، كما أعتبر أن التعامل مع هذا المشكل ما زال إلى حد الآن تحت المستوى الذي أراه ضروريا لإمكانية حله.

إن وضعية من يمثلون نصف سكاننا والتي هي نتاج عدة قرون من الاستعباد والازدراء لم يعد من الإمكان معالجتها بإعادة التضميد ولا حتى بأنصاف الحلول، بل يجب التعامل معها من طرف المجموعة الوطنية برمتها في إطار خطة "مارشال" متكاملة، تهدف إلى الحد من مستوى الفوارق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، التي تعاني منها هذه الشريحة المهمة من إخوتنا وأخواتنا المعروفين بالحراطين؛ بغية القضاء نهائيا على جميع هذه الفوارق على المدى المتوسط أو الطويل.

أما من يفضلون مواصلة تشجيع محاربة ممارسة العبودية في بلادنا وقد كادت تُباد فيها بحيث لا تكاد توجد إلا في مخيلة البعض فإنما يقومون به لا يخدم حل المشكل الحقيقي ولا مواجهة أكبر تحد وطني وهو وضع الحراطين، وقد بدأ الحراطين أنفسهم ولحسن الحظ يزدادون يوما بعد يوم إدراكا لهذه الحقيقة.

وعليه، فمن واجب فرسان محاربة العبودية من بيننا أن يبادروا دون تأخير إلى مراجعة أنفسهم وتبني فكرة ومشروع خطة "مارشال" الضرورية، تلك التي يجب على الدولة رسمها بمشاركة والتزام الجميع؛ من فاعلين سياسيين ومجتمع مدني ورجال أعمال وشركاء أجانب.

موقع الفكر: كيف تنظرون إلى الدعوات التي تنطلق من هنا وهناك ببناء هوية مستقلة للحراطين.. وهل يمكن أن تساهم هذه الدعوات في إيجاد الاستقلالية الثقافية لمكون لحراطين والخروج من عباءة البيظان؟

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: في هذا المجال أتفق تماما مع من يرى أن لون البشرة لا يكفي لتحديد الانتماء لأي من مختلف المجموعات التي يتكون منها مجتمعنا، وفي هذا الصدد، ومهما كانت مخلفات الظلم الذي كانوا ضحية له تاريخيا؛ فإن الحراطين جزء لا يتجزأ من المجموعة المعروفة بالبيظان؛ لأنهم يتقاسمون معها جميع عناصر ثقافتها، زيادة على أن الكثير من أبناء وبنات هذه المجموعة من بين ما يسمى بعائلات النبلاء بشرتهم سمراء مثلهم.

وعليه فمحاولة تصنيف الحراطين كمجموعة خامسة منفصلة ينم في نظري إما عن إرادة ما لتقسيم هذه المجموعة من أجل تغيير توازن قِوَى معين وإما عن تطلع للقيادة من طرف أشخاص في حاجة إلى إثبات زعامتهم السياسية والاجتماعية داخل هذه الشريحة.

موقع الفكر: ترأستم في المرحلة الانتقالية اللجنة المستقلة للانتخابات؛ فكيف تقيمون تجربة هذه اللجنة، من جهة أخرى هل تنفون أو تثبتون تدخل بعض القادة العسكريين في الانتخابات والخيارات الشعبية؟

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: لقد كان لي الشرف بالفعل أن ترأستُ في الفترة ما بين نوفمبر 2005 إلى يونيو 2007 أول لجنة وطنية مستقلة للانتخابات في بلادنا.

لقد تم اختيار هذه اللجنة في أعقاب الأيام التشاورية الوطنية وذلك للمرة الأولى، حيث وافق ممثلو جميع الفاعلين السياسيين والنقابات والمجتمع المدني على خارطة طريق تقضي بتنفيذ مسلسل انتخابي حافل يمتد على فترة تسعة عشر شهرا ويتضمن خمسة استحقاقات: استفتاء دستوري وانتخابات بلدية وتشريعية (النواب والشيوخ) ورئاسية.

كانت هذه اللجنة تتكون من خمسة عشر شخصية مستقلة، وقد باشرت عملها بكل جدية وبتشاور دائم مع جميع شركائها على مستوى الحكومة والفاعلين السياسيين والمجتمع المدني والصحافة، في شفافية تامة من أجل القيام بهذه المهمة على النحو الذي يُرضي الجميع، سواء على المستوى الوطني أو الدولي.

وقد قامت عدة بعثات دولية مهمة بمراقبة هذه الاستحقاقات وشهدت بالمصداقية والحرية اللتين طبعتاها كلها، وعليه ودون تواضع مصطنع فإني نيابة عن زملائي أعضاء اللجنة وأصالة عن نفسي أسجل كامل اعتزازي بجودة العمل الذي قيم به والذي سمح بتزويد بلادنا بمؤسسات منتخبة في شفافية تامة.

أما فيما يخص ما تسمونه بتدخل بعض القادة العسكريين بمناسبة هذه الانتخابات فيمكنني أن أؤكد أنه ما عدا الحملة الانتخابية للاستفتاء الدستوري التي كان يحق فيها لأعضاء اللجنة العسكرية للعدالة والديمقراطية أن يدافعوا عن مشاريع التعديلات التي تعرضها مؤسستهم للاقتراع العام، فإن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات قد أصرت على التزام الحياد التام من طرف مؤسستي اللجنة العسكرية للعدالة والديمقراطية والحكومة وضمنت ذلك، إلا أن هذا لا يمنع أن يكون أحد أعضاء اللجنة أو الحكومة بصفته الشخصية والخاصة أقربَ أو أميلَ إلى هذا المرشح أو ذاك.

موقع الفكر: شاركتم في السنوات الأخيرة في إنشاء وقيادة المنتدى الوطني للديمقراطية؛ فجمعتكم الظروف ببعض الأحزاب والهيئات والشخصيات الوطنية، فما هي الدروس المستفادة من هذه التجربة..؟
وهل أنتم مقتنعون أن المعارضة كانت على حق في طرحها ورؤيتها من جهة وأنها ساهمت في صناعة مستقبل الديمقراطية في البلد من جهة أخرى؟
أين أخفقت وأين أصابت؟
ولم تفرقتم؟ وانفرط عقد ائتلافكم؟

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: قبل التطرق لموضوع المنتدى، يجب أن أشير إلى أن الإحباط الذي تملَّكني بعد انقلاب 5 أغسطس 2008م، جراء انهيار مكوِّن أساسي من الصرح المؤسسي الذي كنتُ وزملائي في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات من بين بُناته البارزين سنةً ونصفا قبل ذلك، قد حدا بي إلى الاندفاع، بدون جدوى، بمفردي في مرحلة أولى ثم في إطار عدة مبادرات مع زملاء آخرين للبحث عن أرضية مشتركة بين السلطة والمعارضة، وقد امتدت هذه المبادرات على عدة سنوات.

وبالفعل وتحسبا للاستحقاق الرئاسي طلب مني في بداية العام 2014م واحد أو اثنان من الإخوة رؤساء أحزاب المعارضة أن نقوم سويا بالخطوات الضرورية لتشكيل قوى سياسية واجتماعية معتبرة بغية إرغام السلطة على أن تنظم هذا الاستحقاق بالقدر اللازم من الشفافية والحرية.

وبعد أن تبنتْ جميع أحزاب المعارضة وعدة مركزيات نقابية ومنظمات من المجتمع المدني ومجموعة مهمة من الشخصيات المستقلة هذه المبادرة، انعقدت المنتديات العامة الأولى للمنتدى من 28 فبراير إلى 2 مارس 2014م في قصر المؤتمرات بنواكشوط.

ودون أن أسعى إلى ذلك ورغم ظني عدم الأهلية له أساسا، وافقتُ في النهاية، باسم قطب الشخصيات المستقلة، على تقلد الرئاسة الدورية للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.

وبعد أن تعهدتْ بخلق ظروف الحرية والشفافية الأكثر ملاءمة لتنظيم الانتخابات الرئاسية في يونيو 2014م، فاجأت السلطة القائمة آنذاك الجميع بتراجعها في اليوم الثالث من الحوار الذي قبلتْ إجراءه معنا لوضع قواعد اللعبة التي كان من المفترض أن تحكم هذا الاستحقاق.

وفي سبتمبر 2016م، تقلَّدت ُمن جديد رئاسة المنتدى لعهدة ثانية مدتها ستة أشهر.

وبخصوص تجربتي الشخصية داخل المنتدى الوطني للوحدة والديمقراطية، أستطيع القول إني قد سررتُ بالعمل في جو من الاحترام والثقة المتبادليْن مع إخوة وأصدقاء قادة أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات ومجتمع مدني وشخصيات مستقلة كنتُ -والحق يقال- أتقاسم معهم جميعا، على وجه التحديد وبالأساس، الشعورَ بالقلق على مستقبل البلد، ورفضَ سياسة الحكم الفردي المتبعة من طرف سطلة استبدادية ومرتشية لا تنفك تنهب خيراته وتزدري إلى أقصى الحدود مواطنيه، وإرادةَ السعي من أجل وضع حد لهذه السياسة.

وعلى الجانب الآخر فقد فوجئتُ، مما أصابني بقدر من خيبة الأمل، بأن معارضتنا أعني قطبَ الأحزاب السياسية الذي يشكل العمود الفقري لتشكيلتها، كانت عاجزة مؤسسيا أن تتوحد حول خطاب مشترك، فضلا عن برنامج سياسي موحد؛ لكي يكون لها وزنها كاملا، مما قد يمكنها من أن تتخلص من حكم دائب العمل على تقسيمها واللعب على تناقضاتها الداخلية وحتى اختراقها من حين لآخر.

إلا أن هذه المعارضة يجب أن يُحسب لها تنديدُها المستمر والمنهجيّ بتصرفات الحكم الغير أخلاقية وتعبئة الرأي العام حولها، وقد كان الحكم يريد أن يدوم له الأمر وبإمكانه ذلك لولا الرفض العام الذي صار يُواجَه به من طرف الشعب، ويرجع في حقيقة الأمر قسط وافر من الفضل في ذلك إلى المعارضة.

أما فيما يخص استدامة المنتدى فلم يتم أبدا التفكير فيها من البداية.

ويجب هنا أن نتذكر الظروف التي اكتنفت إنشاء المنتدى أي وضعية الانسداد والقطيعة التي كانت قائمة بين السلطة والمعارضة، لقد تغيرت هذه الوضعية منذ وصول السلطة الجديدة إلى سدة الحكم، حيث استطاعت استرجاع بعض الثقة في علاقاتها مع الجميع.

وهكذا اختارت كل واحدة من مكونات هذا المنتدى أن تراجع تموقعها على ضوء المعطيات السياسية الجديدة.

موقع الفكر: هناك الكثير من التحديات التي تواجهها موريتانيا وخاصة على حدودها؛ انطلاقا من تجربتكم الشخصية الكبيرة سواء في المؤسسة العسكرية أو الوظائف المدنية كيف يمكن لموريتانيا أن تستفيد من تجربة مثل تجربة G5 لتجاوز هذه التحديات
وكيف يمكن لبلدنا أن يوظف خبرة الأجيال العسكرية في تجربة G5؟

الوزير الشيخ سيدي أحمد بن باب مين: في واقع الأمر، وهذا ينطبق في غالب الظن على معظم إن لم يكن جميع دول الساحل الأخرى، فإن بلادنا تواجه في المقام الأول وبدرجة أكثر خطورة تحديات داخلية تهدد -ولو بعد حين- السلم الاجتماعي وحتى تعايش مواطنيها ومن ثم استدامة وجودها.

وفيما يخص بلادنا بالتحديد، فإن هذه التهديدات ذات طبيعة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وتتعلق بين أمور أخرى بالوحدة الوطنية والديمقراطية وحقوق الحراطين السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وهم في معظمهم ضحايا لمخلفات عدة قرون من الاستعباد، وبتوزيع الثروة وبمشكل اللغات الوطنية، الخ....

كل هذه بالفعل قنابل موقوتة وهي أكثر مدعاة للقلق من التهديدات الخارجية، وتشكل زيادة على ذلك أكبر حليف محتمل لهذه الأخيرة؛ ولذا يجب تفكيكها في أقرب أجل ممكن، عن طريق رسم وتنفيذ سياسات وطنية تتسم بالتبصر وبعد النظر، وتشكل قطيعة نهائية مع الوضع الراهن والحلول المؤقتة والتفاهمات الضمنية الأخرى.

أما فيما يخص مجموعة دول الساحل الخمس (التي توسعت في النهاية مهمتها الأولية من الدفاع والأمن إلى ميدان التنمية) وما يمكن أن تنتظره بلادنا منها لمواجهة التحديات العديدة التي نواجهها وبالخصوص الخارجية منها؛ فيبدو على العكس أن هذه المنظمة الجهوية قد تكون هي التي استفادت -في مرحلة أولى- من تجربتنا خاصة في ميدان مكافحة الإرهاب.

ففي هذا الميدان، يلاحظ بالفعل أنما تم الاصطلاح على وسمه بالمقاربة الموريتانية متعددة الأبعاد قد لاقت رواجا كبيرا؛ حتى أنها أكسبتْنا لقب التلميذ الجيد بتقييم عرابينا وشركائنا الغربيين وإن كانت هذه المجاملة يمكن تأويلها على عدة أوجه.
ومع هذا يجب الاعتراف بأنه بالإضافة إلى إنشاء قوتها المشتركة وتثبيت مقر أمانتها الدائمة في انواكشوط، فإن المشروع الوحيد الأكاديمي والعسكري فوق ذلك الذي تم إنجازه من بين رزمة مشاريعها المبرمجة التي تُعتبر أساسية هو مدرسة أركان حرب جهوية، ويوجد مقرها هي الأخرى في عاصمتنا منذ 2016، وقد تخرجت من هذه المدرسة حتى الآن ثلاث دفعات تتكون كل واحدة منها من 30 إلى 40 ضابطا ساميا منتمين إلى الدول الخمس الأعضاء في المجموعة.

وعليه فمن المؤمَّل أن مجموعة دول الساحل الخمس إذا تغلبتْ على العقبات العديدة الكامنة في تنوع خيارات أعضائها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي المشاكل المتعلقة بالسيادة الوطنية والحساسيات التي تنجر غالبا عنها، يمكنها أن تفرض وجودها بمزيد من الفعَّالية، ليس فقط كأداة ثمينة في مجال الدفاع والأمن لصالح دول الساحل، ولكن أيضا كوسيلة اندماج شبه إقليمي في عدة قطاعات من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 

وختاما للحديث عن هذا الموضوع ومجازفة بالتكرار، أود القول إنه إضافة إلى امتلاك جيش وطني ذي قوة رادعة ومتقن التكوين والتدريب من أجل ذلك، فإن التحديات التي تواجه بلدنا تتطلب حكامة داخلية متبصِّرة وعادلة ومحترمة لحقوق جميع المواطنين كما تتطلب دبلوماسية وتعاونا شبه إقليمي نشيطين من أجل تعزيز وتوسيع نطاق التبادلات الاقتصادية على وجه الخصوص وكذلك الثقافية والرياضية، من بين أخرى، مع جميع جيراننا.

موقع الفكر: نشكر لكم كريم تعاونكم والله يحفظكم ويرعاكم.