سحر النموذج النرويجي السم الزعاف للاقتصاد الموريتاني/ د.يربانا الحسين الخراشي

سحر النموذج النرويجي التي تتصدر مؤشرات التنمية عالميا في تحويل عائداتها من النفط والغاز إلى أصول مستدامة لا ينطبق إطلاقاً على دولة مثل موريتانيا تتذيل الترتيب العالمي في كل مؤشرات التنمية، فالنرويج لا تنقصها البنية التحتية، ولا المصانع، ولا المدارس، ولا الجامعات، و المستشفيات. النرويج لم يعد لديها ما تنفق عليه كاستثمارات داخلية، ولذلك يمكنها الاستثمار في الصين والبرازيل وأمريكا. أما موريتانيا التي تصل نسبة الولوج إلى الكهرباء فيها إلى 6% فقط في الريف، الذي يحتضن 48% من ساكنة البلد، فهي بحاجة إلى كل شيء من مدارس، وطرق، ومستشفيات، ومزارع، ومصانع، وبحاجة أكثر إلى بناء اللإنسان نفسه فنسبة التسرب المدرسي عاليةجدا خاصة بين أبناء الطبقات المهمشة والمغبونة، ولذلك خطة استثمار المتبقي من عائدات الغاز في الخارج بعد تغطية عجز الميزانية خطوة غبية جدا، وفي الوقت الخطأ أيضا، حيث يشهد العالم انحسارا لوتيرة العولمة مع انتهاج الاقتصاد الانعزالي، وزيادة الحمائية التجارية، والقطبية التعددية العالمية، والأخطر من ذلك حروب عملات باتت تهدد هيمنة الدولار .

ينبغي استعمال عائدات الغاز من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال، وذلك عن طريق استثمارها في التعليم، والبنية التحتية، وتطوير مواردنا المتجددة، ولذلك نحن بحاجة إلى بناء قدرة جيدة في الاستثمار الداخلي، وهو ما يعني الاستثمار في الاستثمار، إذ يبغي التخطيط الجيد لاستثماراتنا الوطنية، وذلك يتطلب إنشاء وكالة للاستثمار الداخلي تتولى تحويل أطنان الغاز إلى مدارس، وطرق ومستشفيات، والأهم من ذلك استخدام أطنان الغاز في بناء مواطن صالح.

وكالة الاستثمارات الداخلية ستتولى اختيار المشاريع التنموية وتنفيذها بعناية ثم تقيمها مع التعلم من الفشل والأخطاء، و في اعتقادي أول خطوة للتعلم من الفشل هي التخلص من المسؤولين الذين توارثوا أخطاء كل الأنظمة، وغير قادرين على التعلم من الماضي.

لابد أن ندرك أن الأخطاء القاتلة تقع في المرحلة الأخيرة من دورة الموارد التي تعني إدارة العائدات بشكل جيد وتحويلها إلى أصول مستدامة، كما ينبغي لنا أن ندرك أن عصر العولمة انتهى

ورجعنا إلى عصر الدولة الوطنية، حيث باتت مسؤولية الدولة في تأمين اكتفائها الذاتي من الأساسيات دون أن تستعين بالخارج أولى الأولويات، وقبل التفكير في الاستثمارات الخارجية في دول قد تصبح بعد سنوات قليلة جزءا من بلدان أخرى أو تتبخر بسب حرب العملات المستعرة.