الخطاب القرآنى عصمته- إعجازه - خلوده دراسة دعوية

كتب الدكتور المرسي محمود شولح لموقع الفكر

القرآن الكريم كتاب الله تعالى، وهو مصدر الخطاب الدينى، وأساس وجوده ويحدد خصائصه ومعايير ذاتيته وفصله عن غيره،ويعين ملامحه و ضوابطه

والقرآن الكريم كتاب حوى تاريخ الحياة فىالماضى والحاضر والمستقبل ،وحوى ما يصلحها فى المجالات كلها وما يسعدها فى الآخرة،

والقرآن الكريم هو المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو: (كلام الله تعالى المنزل بلفظه ومعناه على محمد ، والمتعبد بتلاوته، والمتحدى به، والمنقول إلينا متواترًا مكتوبًا في المصاحف مبدوءًا بسورة الفاتحة ومختتمًا بسورة الناس)([1]).

ومن خلال هذا التعريف يفهم ما يأتى:

_أن القرآن الكريم ليس كلاماً مخلوقًا ،وإنما هو كلام الله تعالى.

_نزول القرآن الكريم باللغة العربية لأنه نزل على خاتم الرسل محمد في مكة.

_تلاوة القرآن الكريم عبادة تضاعف لها الحسنات ويرتفع به صاحبه فى درجات الجنة

_التحدى بالقرآن الكريم ، واستمرار التحدىفى كشف الحقائق العلمية التى تناسب العصر.

_نقل القرآن الكريم من جيل إلى جيل من خلال نوعين من الحفظ هما حفظ الصدر ، وحفظ السطر.وهو الكتاب الوحيد الذي حفظه الله من التغيير

_القرآن الكريم مغاير للأحاديث القدسية والنبوية.. وأن له فاتحة معروفة وخاتمة معروفة.

والقرآن الكريم مقسم إلى سور، وكل سورة لها مكانها المخصوص بين سور القرآن. والسور مقسمة إلى آيات، وكل آية لها مكانها المخصوص في السورة.

والقرآن الكريم أحد الكتب الإلهية المنزلة من عند الله، والإيمان به كالإيمان ببقية الكتب من أركان الإيمان والقرآن وحي من عند الله

 (يسمى كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم كتابا وقرآنا وفرقانا)([2])وفي الإقرار بالتوراة والإنجيل دلالة على وجوب الإقرار بالقرآن الكريم

والقرآن الكريم فرق بين الحق والباطل، وبين أصول اعتماد الحق ودحض الباطل، ولا يملك كتاب بيان تلك الأصول إلا القرآن الكريم

 (قال بعض العلماء: تسمية هذا الكتاب قرآنًا من بين كتب الله لكونه جامعًا لثمرة كتبه، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم)([3]).

 فالقرآن الكريم يجمع علوم الدين والدنيا، ويجمع الإنسان والكون، ويجمع الإنسان روحًا وجسدًا، ويجمع بين الماديات والمعنويات والمثالية والواقعية، والربانية والإنسانية، فالقرآن الكريم جامع كل شيء.

فما تفرق في الكتب السابقة في أصولها ،وما توزع في الفكر الإنساني فيما يوافق الفطرة والعقل، اجتمع في القرآن الكريم، فيجد الإنسان فيه ما يرقى بالحياة، وما يصلح أوضاعها وينمي مجالاتها.

الوحي:

من أسس العقيدة الإسلامية أن المصدر الوحيد للدين هو الوحي

والوحي معناه الخفاء والسرعة والإشارة.

 (أوحي إليه وأومي بمعنى: وأوحيت إليه إذا كلّمته بما تخفيه، وتوحّى: أسرع)([4]).

والوحي هو( ما أنزل الله على أنبيائه وعرفهم به من أنباء الغيب والشرائع)([5]).

و الوحى فى الرسالة الخاتمة محدد في أصلين هما القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وتلقت الأمة القرآن الكريم من خلال المصحف الشريف، والسنة النبوية من خلال كتب السنة

و الوحى يأتىفى خفاء تظهر له آثاره على النبى  .

عن الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ([6])وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ) ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا  ([7]).

وفى الحديث أنالنبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقول " كان الوحي يأتيني على نحوين : يأتيني به جبريل فيلقيه علي كما يلقي الرجل على الرجل،فذاك ينفلت مني . ويأتيني في بيتي مثل صوت الجرس حتى يخالط قلبي،فذاك الذي لا ينفلت مني([8])

وفى هذا دلالات:

_ اهتمام الصحابة الكرام بالوحى والسؤال عنه.

 _الحاجة إلى الدلائل المادية فى كشف الحقائق ،فذكر النبي صلى الله عليه و سلم صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ  كدلالة على إتيان الوحى.

_ عدم تأثير صلصلة الجرس  على الوعى ،فهو موجود معه لم يفارقه.

_سلامة الوحى ووجود الوسائل التى تؤكد سلامته والوعى به .فالسلامة من خلال مسارين

المسار الأول :إلقاؤه ومن دلالاته وسائل مادية وفكرية

المسار الثانى: تلقيه ومن دلالاته وسائل مادية وفكرية

فأمر الإلقاء والتلقى محكم، ولا مجال فيه للشك أو اللبس.

_من خلال مرحلة صلصلة الجرس  ومرحلة تمثل الملك رجلاً كان الوعى موجوداً ومتحققاً.

_المقارنة بين حالتين وبيان الأشد فيهما  وهى حالة صلصلة الجرس ،فأمر الكلام مع رجل فيه بساطة ويسر وداع من دواعى الاستمرارية والتلقى، و الأمر الآخر فيه شدة لداعى إلقاء الوحى وكان الأسهل حالة الرجل

_أسلوب أم المؤمنين عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  فى وصف  حالة الرسول eفهى أقرب منه وألصق به

_عدم التأثر بالتغير الكونى من خلال الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ ،فالوحى له هيبة وقدسية واعتبارات تؤدى إلى ما وصفت أم المؤمنين عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا  (وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا )

فالعلم له هيبة وله قدرة ،وهذه الحالة تلقى الحجة على المتحدثين بلسان الدعوة ، وعلى القائمين على الخطاب الدينىفى تحقيق الأمانة العلمية، وفى الارتقاء إلى مستوى الخطاب الدينى فى العلم والعمل، وفى الوعى والتطبيق

والنبي صلى الله عليه وسلم ينطق للأمة من خلال ما نزل عليه من وحى، لا يملك أمامه إلا التبليغ كما نزل عليه قال تعالى: ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) ([9]).

فقد حصرت الآيتان الأمر في شيئين: الوحي، والهوى، ولا ثالث لهما، فإما نص معصوم تنضبط به حياة الفرد والمجتمع ،وإما هوى مردود يفسد ولا يصلح، ويهدم ولا يبنى، ويخرب ولا يعمر

ويعتبر إثبات الوحى أصل إثبات النبوة، وباب الدخول إليها، فلا نبوة بلا وحى، وكان من المناسب إثبات الوحى للانطلاق منه إلى إثبات النبوة، فالوحى والنبوة متلازمان، ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر ، وبالطعن فى الوحى الطعن فى النبوة.

يقول رودي بارت([10]) في مقدمة ترجمته الألمانية للقرآن (ليس لدينا أي سبب يحملنا على الاعتقاد بأن هناك آية واحدة في القرآن كله لم ترد عن محمدr)([11]).

فموضوع الوحى عقيدة والإيمان بما جاء به رسول الله e من عند الله، والإرسال من خلال جبريل عليه السلام حامل الوحي السماوي

ويعتبر (التشكيك في الوحي هو المدخل للتشكيك في الإسلام كله، ولهذا كان التركيز عليه من قبل محترفي التشكيك في رسالة الإسلام والطعن في النبوة)([12]).

من خلال (معالجة موضوع الوحى فى حياته e، ويبذلون جهدًا فكريًا شاقًا فى تكلف وتمحل، من أجل التلبيس فى حقيقته والخلط بينه وبين الإلهام، وحديث النفس، بل وحتى الصرع أيضًا، وذلك لعلمهم بأن موضوع الوحى هو منبع يقين المسلمين وإيمانهم بما جاء به محمد e من عند الله، فلئن أتيح تشكيكهم بحقيقته، أمكن تكفيرهم بكل ما قد يتفرع عنه من عقائد وأحكام، وأمكنهم أن يمهدوا لفكرة أن كل ما دعا إليه محمد e من المبادئ والأحكام التشريعية ليس إلا من تفكيره الذاتى)([13]).

فيدرك المشتبهون الوحي وأثره في الأمة وفى العالم بأسره، فيكثفون جهودهم ويكثرون من الشبهات حوله، ويسعون إلى إبطال كل ما جاء به الوحي من عقيدة وشريعة وأخلاق ونظم في الحياة.

 

والتوفيق بيد الله تعالى

يتبع بإذن الله تعالى

 

([1]) ينظر: مناهل العرفان في علوم القرآن - محمد عبد العظيم الزرقاني - تحقيق: فواز أحمد زمرلي - دار الكتاب العرب، بيروت - ط1 - 1415ه/ 1995م، ج1 ص19 - 21.

([2]) لسان العرب، مرجع سابق، ج1 ص128.

([3]) المفردات في غريب القرآن، مرجع سابق، ص669

([4]) أساس البلاغة - أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري - ت: محمد باسل عيون السود - دار الكتب العلمية، بيروت - ط1 - 1419ه/ 1998م، ج2 ص324.

([5]) الواضح في علوم القرآن - مصطفى ديب البغا، محيي الدين ديب مستو - دار الكلم الطيب، دار العلوم الإنسانية، دمشق - ط2 - 1418ه/ 1998م، ص17.

([6]) يريدأنهصوتمتداركيسمعهولايتبينهأولمايسمعهحتىيفهمهبعد،وقيل : بلهوصوتحفيفأجنحةالملكوالحكمةفيتقدمهأنيقرعسمعهالوحيفلايبقىفيهمكانلغيره،ولماكانالجرسلاتحصلصلصلتهإلامتداركةوقعالتشبيهبهدونغيرهمنالآلات

فتحالباريشرحصحيحالبخاري 1/28

([7]) البخارى ، كتاب بدء الوحى ، باب بدء الوحى ، ح 2 .

([8])وهذامرسلمعثقةرجاله،فإنصحفهومحمولعلىماكانقبلنزولقولهتعالىلاتحركبهلسانك.فتحالباريشرحصحيحالبخاري 1/27

([9]) سورة: النجم، آيتان: 3، 4

([10]) رودي بارت (1901 - 1983م) هو مستشرق ألماني، درس في جامعة توبنجن اللغات السامية والتركية والفارسية في الفترة من 1920 حتى 1924وتخرج على يد المستشرق الألماني ليتمان. امضى سنتين في القاهرة (1925 - 1926)، كان اهتمامه في البداية بالأدب الشعبي ،ولكنه تحول إلى الاهتمام باللغة العربية والدراسات الإسلامية وبخاصة القرآن الكريم. الاستشراق 40د. مازن بن صلاح مطبقاني

([11]) الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري - د: محمود حمدي زقزوق - دار المنار، القاهرة - ط2 - 1409ه/ 1989م، ص112.

([12]) من المستشرقين الطاعنين فى الوحى المستشرق الإنجليزى د / سنكلير تسدل فى كتابه ميزان الحق من صـ 451 - 461، والمستشرق هنرى ماسيه فى كتابه الإسلام صـ 101، والمستشرق الأمريكى (واشنجتونآرفنج) فى كتابه حياة محمد، وأيضًا مثل لامارتين، وشاركو [الوحى فى الإسلام، د / رءوف شلبى صـ37].

([13]) فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة - د/محمد سعيد رمضان البوطى - دار الفكر، دمشق - ط25 - 1426ه، صـ63.