الخطاب القرآنى عصمته- إعجازه - خلوده دراسة دعوية

بسم الله الرحمن الرحيم

كتب  الدكتورالمرسي محمود شولح
أستاذ ورئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية
كلية أصول الدين والدعوة جامعة الأزهر

لموقع الفكر:

الوحى المنـزل على الرسل مثبت لنبوتهم ومؤيد لهم فى رسالتهم ، ومن العلم بالوحى معرفة صوره التقسيم للوحى من خلال بيان القرآن والسنة
والوحي الشرعي الذي جاء إلى الأنبياء وحي دون واسطة. ووحي بواسطة.
فالأول كما هو مذكور عن موسى عليه السلام
قال تعالى:( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما) ()
(وأجمع أهل السنة على أن الله تعالى كلم موسى بلا واسطة ولا ترجمان، وأفهمه معاني كلامه وأسمعه إياه; إذ الكلام مما يصح سماعه) ()
قال تعالى:( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين )().
والوحي الشرعي بواسطة جبريل عليه السلام : وكانت له حالات :
الحالة الأولى: يأتى فى صورته الملائكية .
وقد رآه النبى صلى الله عليه ويلم  على هذه الحالة الطبيعية فى بدء الرسالة أثناء فترة الوحى .
عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ قال : ( فَبَيْنَما أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ ، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَجَئِثْتُ مِنْهُ فَرَقًا حَتَّى هَوَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَجِئْتُ أَهْلِي ، فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) ()) ().
وفى الحديث دلالات:
_ فَتْرَةِ الْوَحْيِ  من المواقف الصعبة على رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،ومن له حال مع الله ولا يأتيه ما يطمئنه ويقوى قلبه ،فإنه يمر بإحساس غريب وبمشاعر عزيزة لا يعرفها إلا هو.
_وسيلة الصوت  مِنْ السَّمَاءِ  فى تنبيه رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفى جذبه إلى السماء.
_وجود الصوت أدى إلى تغيير حالة رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَرَفَعْ بَصَره قِبَلَ السَّمَاءِ ،فهى أمور كونية متتابعة لإبراز حدث هائل
_معرفة رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  جبريل (فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ)ومجيئه بصورة خارقة وهى قعوده عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ،وهى الصورة الهائلة التى تتفق مع حالة الوحى وجبريل عليه السلام ،والتى لا يطيق رؤيتها إلا من يثبته الله تعالى.
_تملك الرعب والخوف رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  من هذا المشهد ،وهو فى هذا المشهد يعيشه بالمقتضى البشرى ،وبالطبيعة التى يكون عليها أى إنسان.
_سقوط  رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  إِلَى الْأَرْضِ بعد أن صعد ببصره إلى السماء ،فكانت السماء والأرض من مكونات هذا المشهد، ومن صورة أخرى  قعود جبريل عليه السلام  عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ،
_التغير الجسمى عند رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعاه إلى قوله(زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)
_حاجة الإنسان فى المواقف الهائلة إلى التهدئة والتطمين ،وكان ذلك من خلال الذهاب إلى البيت والأنس بالأهل والتغطية للجسم ،وهى الأسباب المذهبة لأسباب الرعب والطاردة للخوف.
_متابعة الوحى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : } يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ {
الحالة الثانية: كان يأتى فى صورة رجل ، وغالباً ما كان يأتى فى صورة الصحابى الجليل دحية الكلبـى ().
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَلُونِي فَهَابُوهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ .. قَالَ : ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رُدُّوهُ عَلَيَّ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا جِبْرِيلُ أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا ..) ()
وفى هذا دلالات:
_السؤال باب من أبواب العلم ومدخل للمعرفة وجمع المعلومات.
_سؤال أهل التخصص والذكر من العلماء الراسخين.
_طلب العلماء أن يسألهم الناس، وأن يكون هناك سؤال وجواب بلا جدال ولا تكلف.
_البيئة الإسلامية بيئة علمية تشيع فيها الأسئلة والأجوبة عنها.
_  امتناع الصحابة عن سؤال  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  هيبة، وهى من الموانع الصحيحة .
_كان أدب الصحابة وهيبتهم من دواعى جلب الخير عن طريق التعليم من خلال جبريل عليه السلام.
_صورة جبريل عليه السلام الحية والمرئية من خلال ما يأتى:
_ ذكر جبريل عليه السلام أنه يعلم الناس على أنه رجل ولم يختلف الصحابة على ذلك.
_صورة الجلسة  من خلال الجلوس عند ركبتيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
_طول الجلسة من خلال الأسئلة والأجوبة عنها َولو كان علمهم أنه جبريل عليه السلام تأثر تلقيهم هذا العلم ،وكانت الانعكاسات عليهم من خلال هول الموقف
_من الوصايا فى العلم الهدوء والاطمئنان والسير فى إطار الحقائق الموضوعية
_ الصياح والرعونة والطيش والتسرع ليس من آداب البيئة التعليمية.
_قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردوه، وعجز الصحابة عن ذلك لبيان أنه جبريل ولأسلوب التعلم الصحيح ،والتلقى للعلم من خلال الرؤية والأسئلة والأجوبة المباشرة، والبعد عن التهويلات والمبالغات فى التشبع بالعلم وأخذه من مصادر مجهولة.
_إرادة جيريل عليه السلام التعليم ونشره.
_أسلوب  النبى e فى الإعلان عن إرادة جِبْرِيلُ  فى إشاعة التعليم.
ومن الوحي بواسطة
الرؤيا الصادقة في النوم:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهَا: " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ e الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ"().
وفى الحديث دلالات:
_التدرج فى الحقائق، ووجود بدايات لها حتى يتعقل الناس وجودها واكتمالها.
_الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ من المبشرات ،ومن القيم الكبرى فى حياة الإنسان ويرتبط بها مصيره ومساره،ويتأثر بها فى مواقفه وحياته.
_وصول الشفافية عند بعض الناس إلى مستوى كشف الأمور لهم وتجليتها.
_ وسيلة  فَلَقِ الصُّبْحِ فى بيان أمر الرؤيا، ونفى اللبس فى وقوعها
- الإلهام والقذف فى القلب :
يصور ذلك حديث النبي e: (إن روح القدس نفث في روعي لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته)()
وفى الحديث دلالات: 
_ بيان حقائق الإنسان من خلال مصادر وجدانية وقلبية
_الإلهام بوصول الرزق منتهاه، وأنه لا ينقص ولا يزيد حتى يوافى الإنسان أجله.
_الرزق موجود ويتحصل العبد عليه إلى آخر لحظات حياته ،ولا يقبل أن يقف الإنسان عند حد بعينه ولا يسيطر عليه اليأس ولا يتملكه الإحباط ،إنما يغلب عليه التفاؤل ويترقب الرزق من حيث لا يدرى ولا يحتسب.
_صحة خطاب الإنسان وأدبه فى سؤال الرزق ،وتفاديه أخطاء عقدية وتربوية فى سؤال الرزق.
_الجمع فى السؤال بين التقوى والجمال فى طلب الرزق.
_الحذر من  استبطاء الرزق واستبعاده، فالذى بيده الرزق أمره بين الكاف والنون.
_خطورة الانفعال والغضب فى العلاقة بين العبد وربه، فإنها تفوته مصالح دينية ودنيوية
_المحافظة على القيم والثوابت فى نيل المصالح وتجنب المفاسد.
والتوفيق بيد الله تعالى