أصحاب الغار والإسقاط على الحياة المعاصرة الحلقة (1)

كتب الدكتور المرسي محمود شولح لموقع الفكر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ
أوقات الشدة جزء من مفهوم الإنسان،والحياة الإنسانية لا يمكن تصورها بلا مشكلات ، والعيب ليس فى المشكلة ،إنما فى طولها وامتدادها وإضاعتها بهجة الحياة، ويلزم الوعى بالمشكلة وحسن التدبير فى التعامل معها
وتعرف أصحاب الغار على الله تعالى وقت الرخاء فانتفعوا وقت الشدة .
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء ) ().
قال رسول الله e : ( ... تعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة) ().
و كان في قلوب هؤلاء الرهط ما هو أقوى من كل وسيلة مادية وهى تلك القيم و الأخلاق الحميدة.
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا : إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ : اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ() قَبْلَهُمَا أَهْلًا ، وَلاَ مَالًا فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا ، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا ، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ ، أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الفَجْرُ ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ )) ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( وَقَالَ الآخَرُ : اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ ، فَجَاءَتْنِي، فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا ، قَالَتْ : لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا )) ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي ، فَقُلْتُ لَهُ : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ ، فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئُ بِي ، فَقُلْتُ : إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ ، فَاسْتَاقَهُ ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ )) ().
وحديث أصحاب الغار مشهور ، ويكثر الاستدلال به ،و كان حديث الغار في داخله ، وقد دعت إليه الأزمة الشديدة التي تعرض لها أصحابه
( الحديث بكماله وهو مشهور ، شهرته أغنت عن تمامه ) (). 
والحديث له روايات عدة ، قال ابن حجر : ( وأرجحها في نظري رواية موسى بن عقبة لموافقة سالم لها فهي أصح طرق هذا الحديث ، وهذا من حيث الإسناد ) ().
وجاءت رواية بدل الأجير ، ليست صحيحة ولا معتمدة . واتفقت الروايات كلها على أن القصص الثلاثة في الأجير والمرأة والأبوين إلا حديث عقبة بن عامر، ففيه بدل الأجير أن الثالث قال : "كنت في غنم أرعاها فحضرت الصلاة فقمت أصلى فجاء الذئب فدخل الغنم فكرهت أن أقطع صلاتي فصبرت حتى فرغت"، فلو كان إسناده قوياً لحمل على تعدد القصة ().
والقصة حديث من الواقع ، وقصة من حياة نفر من البشر من الأمم السابقة
فهؤلاء مجموعة من الرجال خرجوا في سبيل الله باحثين عن العمل ، مجتهدين في الأخذ بالأسباب ،ووقعت لهم  محنة في طريق بحثهم عن الرزق، ولم يكن لهم سبيل إلا الكشف عن الأعمال التي قاموا بها ، ولولا تلك الأزمة لكانت أعمالهم كما هي في داخلهم وفى بواطنهم  لم يطلع عليها أحد ، ولكنها إرادة الله تعالى الغالبة التي تخرج العمل، وتكشفه للناس.