أصحاب الغار والإسقاط على الحياة المعاصرة الحلقة (4)

كتب الدكتور المرسي محمود شولح لموقع الفكر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

المصائب بقدر ، وأهل الإيمان يتلقون أقدار الله بالصبر والاحتساب والأخذ بالأسباب ، ويجب الوعي أن حصول المحن بتقدير الله عز وجل وقضائه ، فلا يجرى في هذا الكون إلا ما أراده الله تعالى ، وسبق في علمه ما كان وما يكون

 قال تعالى:﴿ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ ([1]).

وتتفق الأسباب، وتتنادى فيما بينها ، وتجتمع من هنا وهناك حتى تظهر الأزمة وتتشكل المحنة .

ومن تلك الأسباب:

وجود غاية للرحلة:

وجود مجموعة من الناس تجمعهم صلة تحفزهم على الانطلاق ، وتحقيق هدف  من عوامل تكوين الحدث , وهذا ما كان من الرهط

وخرج الرهط يبتغون الخير ، وكان مقصدهم نبيلاً وغايتهم كريمة .

ففي رواية : " وذكر ثلاثة خرجوا يبتغون الخير " ([2]).

فلم يكن الخروج فساداً في الأرض ، وإنما كان للخير ، فالرحلة الجماعية تتخذ هدفاً نبيلاً،  فهم يخرجون مع بعضهم لغاية، ومصلحة يتفقون عليها ،ويشجعون بعضهم بعضاً على السفر وتحمل أعبائه ، فكانت الدواعي كلها تكشف كمال رغبتهم واستعدادهم  ، فقد قادهم التشاور إلى اتخاذ القرار  

الرهط:

في الحديث : " انطلق ثلاثة رهط .."، فهم مجموعة ولو كانوا فرداً ما اجتمعت له الأسباب للانطلاق ، وما كانت عنده دواع للقيام بهذه الرحلة ، فالرحلة تقتضى رهطاً وعدداً  تتوزع عليهم الأعمال والمهام ، والأدوار فيما بينهم ،  وبهذا يقوم كل فرد بالواجب ، ويسهم في نجاح الرحلة بالدور المناسب والمجهودات ، وبهذا تخف الرحلة ، ويقصر الطريق ، وتقل الأعباء ، ولا يجد الرهط في الرحلة ما يستعصى على العلاج في غالب الأمور

_ اكتمال الرغبة في الانطلاق  :

الرهط كانت لديهم الرغبة الكاملة في الانطلاق ، والاستعداد الحقيقي للسفر ، ولم يكن عندهم تردد في الخروج . وما خرجوا مقدمين رجلاً ومؤخرين أخرى

 وفى رواية ( يمشون ) في حديث عقبة .. فقد بينت هذه الرواية المشي

 و من خصائص عباد الرحمن قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا ﴾ ([3]).

فمشى أصحاب الغار دلالة على العزيمة والإصرار ،و الجدية والمصداقية

التشجيع والتحفيز:

في رواية : " فخرج واحد منهم فلقيه رجل فقال : أين تريد ؟، فقال : أريد ما تريدان ، فاصطحبوا ثلاثتهم فدفعوا إلى كهف .." ([4]).

فكانت وجهتم واحدة ،  ولم يكونوا مجبورين ، إنما كانوا مختارين ، ومصممين على الانطلاق في الرحلة ، فهم جماعة ،  ويلاقون مخاطر الرحلة جميعاً ، ويجدون مع بعضهم الأنس والتعاون ، والكلام والحوار

Å رحلة العمل من أجل الأهل :

خرج هؤلاء الرهط بحثاً عن العمل ، ورغبة في التكسب ، والإتيان بما يقيم الأهل ويحفظ معاشهم .

وكذا في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (أنهم خرجوا يرتادون لأهليهم ([5])

فقد خرج الرهط من أجل البحث عن لقمة العيش، ، ورحلتهم تدل على رجولتهم، فهم يتحملون معاناة الاغتراب ، وآلام ترك الأهل والوطن ، ويحفرون في الصخر ، ويأتون بالحلال بكد اليمين وعرق الجبين، ويرجعون إلى أهلهم بعد أن حققوا المكاسب في رحلتهم ، وبعد أن أثبتوا رجولتهم ، وكانوا أكفاء في غربتهم ، فهدف الرحلة يكشف عن  خصائص أصحاب الغار ، وأخلاقهم ، وطيب معدنهم .

Å خلو الرحلة من النساء :

لم يكن في الرحلة غير الرجال، ولم يصحب أصحاب الغار عنصر نسائي، وهذا المنسجم مع الآداب والقيم ، فلا يجوز سفر المرأة وحدها .

قال رسول الله e : " لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم لها " ([6])

 وتظهر عظمة هذا النهى من خلال ما تعرض له أصحاب الغار من مشكلات في رحلتهم ، ومن مخاطر في سيرهم ، فلو خرجت أجنبيات في مثل هذه الرحلات ، فهل كن يصبرن على ما فيها من آلام ومخاطر ؟! وهل كن يسلمن من أصحاب النيات الفاسدة ، والأغراض الخبيثة ؟! وهل كن يصبحن بمأمن عندما يحبسن في الغار ، ويكون معهن رجال أجانب ، وتنقطع صلتهن تماماً بالخارج ؟!

فخروج المرأة مع الرجال الأجانب فيه المخاطر الكبيرة التي قطعت الشريعة دابرها  عندما نهت المرأة عن السفر وحدها بلا وجود محرم معها .

وفى مقابل ذلك المرأة لها حقها في أن تخرج من البيت و تعمل  فيما يتفق مع طبيعتها ، ويتناسب مع خصائصها الجسمية مع مراعاة الضوابط الشرعية في هذا العمل .

والتوفيق بيد الله

يتبع إن شاء الله

 

 

([1]) سورة هود آية : 6 .

([2]) مستخرج أبى عوانة. مبتدأ كتاب البيوع ، باب ذكر الخبر الدال على الإباحة لمتولي مال غيره أن يصرفه ، ح 4509 .

([3]) سورة الفرقان من آية : 63 .

([4]) مستخرج أبى عوانة

([5])مسند الإمام أحمد     12046

([6]) البخاري ، ح 1068 ، كتاب الجمعة ، باب في كم يقصر الصلاة .