لم يخسر اي انتخابات منذ عام 1994… كيف اصبح اردوغان سياسيا لا يقهر ؟|

تستعد تركيا لانتخابات حاسمة منتصف، مايو المقبل يواجه فيها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان السياسي الفريد ذوالتسعة والستين عامًا  مرشح تحالف المعارضة كمال كوليشدار اوغلو، المنحدر من الفرقة النصرية. 
ومنذ انتخابه رئيسًا لبلدية اسطنبول الكبرى في العام 1994 لم يخسرجولة انتخابية واحدة امام اي منافس له، وخلال تاريخه السياسي الممتد نحو خمسين عامًا خسر اردوغان الانتخابات المحلية مرتين فقط في ثمانينيات القرن الماضي، ويخوض اردوغان الذي فاز في الانتخابات عامي 2014 و 2018 الانتخابات الرئاسية في في 14 من مايو  2023 مرشحا عن تحالف الشعب الذي تشكله أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير والرفاه الجديد وهدى بار، متطلعا إلى ان يصبح الرئيس الثالث عشر للجمهورية التركية. 
فقد أسس اردوغان ورفاقه حزب العدالة والتنمية في العام 2001 بمرجعية ديمقراطية محافظة قبل عام واحد من تحقيق الحزب انتصارا ساحقا غير متوقع امام الاحزاب التركية التقليدية من يمين الوسط ويسار الوسط في انتخابات عام 2002، ما ضمن له تشكيل الحكومة بأغلبية برلمانية مهدت الطريق أمام النموذج السياسي الجديد الذي يمثله.

في العام 2002، لم يتخيل سوى عدد قليل من المحللين أن اردوغان والعدالة والتنمية بإمكانهما تحقيق انتصارات متتالية ناهيك عن كسب القوى السياسية الكافية لتغيير النظام البرلماني الحاكم إلى نظام رئاسي باستفتاء شعبي أجري في ابريل من  2017 واستطاع اردوغان منذ اليوم الأول لتولي حكوماته المتعاقبة تحقيق الأهداف السياسية التي وضعها نصب عينيه وتحويل تركيا إلى دولة تمتد استثماراتها في انحاء افريقيا وتلعب دورا محوريا على ساحة الصراعات الدولية والإقليمية من اوكرانيا الى اذربيجان وليبيا وسوريا. 
وتشهد طفرة غير مسبوقة في قطاعي الدفاع والطاقة وعلى خلاف كثير من القادة السياسيين الغربيين الذين يعود الفضل في صعودهم الى هياكل سياسية ديموقراطية متمركزة حول النخب ينحدر اردوغان من أصول اجتماعية بسيطة بتركيا، مجهولة العين والنسب. 
كان ينتمي الى محيط تركيا حيث كان الاحباط، في قمع التدين والمظاهر الاجتماعية المحافظة في ظل الممارسات الصارمة للمؤسسة الكمالية السائدة منذ فترة طويلة.
لقد ولد اردوغان بمنطقة غنايسو ومي منطقة جبلية في مقاطعة ريزا على البحر الأسود وقضى طفولته في تلك المنطقة لأن والده عمل هناك قبطانا في خفر السواحل التركية في ستينيات القرن الماضي. 
فانتقلت عائلته إلى حي قاسم باشا في اسنطبول وهو حي منخفض الدخل 
شكل وترك انطباعات دائمة عن اردوغان الشاب ففي قاسم باشا الواقع على ساحل القرن الذهبي والمليء بالألوان اعتاد اردوغان كسب لقمة العيش عبر بيع عصير الليمون والسميط، لتكسبه تلك الفترة فهما عميقا لحياة المواطن التركي البسيط، الذي يقطن الضواحي وانخرط في حياة الضواحي حيث تمتزج المشاعر المحافظة والقومية مع الحنين الى الماضي العثماني المشرق وفي سن صغيرة اظهر الفتى اردوغان اهتماما مبكرا بكرة القدم والسياسة واثبت مهارته في كلتيهما ورغم اقترابه من الانضمام الى نادي فنربخشة أحد الاندية الكبرى في اسطنبول لم يستطع اردوغان تحقيق طموحاته الرياضية بسبب معارضة والدته ليختار السياسة مسارا لحياته.

فهو يريد الرياضة و والده يريد شيئا، والله يقدو له الخير ويختار له السياسة،  وما تشاؤن إلا أن يشاء الله.
تخرج اردوغان في العام 1981 في إدارة الأعمال بأكاديمية اسطنبول للاقتصاد والعلوم التجارية التي سميت لاحقا بكلية الاقتصاد والعلوم الادارية بجامعة مرمره. 
وانضم اردوغان الى حركة الرؤية الوطنية" ميل غروش"  بعد تأسيسها على يد المهندس والسياسي الإسلامي اللامع نجم الدين أربكان، الذي اسسها في عام 1972 مع رفاقه في حزب السلامة الوطني ليصبح جناحا سياسيا للحركة. 
قامت المرجعية السياسية لحركة الرؤية الوطنية على النظر الى تركيا بوصفها دولة ذات اغلبية مسلمة يمكنها عبر استيراتيجية تنمية اقتصادية ممزوجة بروح المحافظة الاجتماعية ان تصبح قوة كبرى دون المساس بقيمها الإسلامية الاساسية وفي العام 1976 اصبح أردوغان البالغ 22 عاما رئيسا لجناح الشباب بحزب السلامة الوطني في منطقة بيوغلو التي كانت تضم وقتها حي قاسم باشاباشا الذي يعيش فيه، وبعد فترة وجيزة اختير أردوغان رئيسا لجناح شباب الحزب في مدينة اسطنبول.
وفي اعقاب الانقلاب العسكري الدموي الذي شهدته تركيا عام 1980 واصل اردوغان السير في ركب اربكان ليصبح رئيسا لفرع اسطنبول بحزب الرفاه الذي أنشئ
في العام 1985 خلفا للسلامة الوطني وبعد عدم النجاح لمرتين في انتخابات بلدية بيو اوغلو ممثلًا لحزب الرفاه في اسطنبول استطاع اردوغان اخيرا الوصول الى محطة حاسمة لحياته  السياسة في العام 1994 حيث نجح أخيرارئيسا لبلدية اسطنبول الكبرى، عندما ترشح لها ضد مرشحين مخضرمين من تياري يمين الوسط ويسار الوسط استبعد معظم المنافسين احتمالية فوزه معتبرين المحاولة قضية خاسرة وأنه لافرص لفوز حزب الرفاه، حتى ان مقدمي البرامج الحوارية غضوا الطرف عن المرشح الشاب ورفضوافي دعوته إلى برامجهم معتقدين ان لاحظ له من الفوز ومع إعلان فوز أردوغان صباح السابع والعشرين مارس آذار 1994 صدمت المؤسسة الحاكمة التي يتحكم فيها العسكريون واعتبرت حزب الرفاه تهديدا ايديولوجيا للعلمانية وفق تفسيراتهم الراديكالية التي وصلت بالبلاد الى حظر ارتداءالفتيات الحجاب في الجامعات آنذاك وفي مقابل ذلك استطاع أردوغان تأكيد كفاءته رئيسا للبلدية إذ اصلح عددا من المشكلات الرئيسية في المدينة بما في ذلك انقطاع المياه وعدم كفاية وسائل النقل وزيادة التلوث ومشكلة إدارة النفايات التي تسبب في انفجار غاز الميتان في منطقة العمرانية على الجانب الآسيوي من اسنطبول عام 1993 في عهد رئيس البلدية اليساري السابق كما قاد مشروعا ناجحا لتنظيف القرن الذهبي الذي تحد مياهه حي قاسم باشا القريب الى قلب أردوغان لكن بالنسبة الى المؤسسة العلمانية الراديكالية المتأثرة بالعلمانية الفرنسية والتي دعت الى تحكم الدولة بالمشاعر الدينية عكس العلمانية الانجلوسكسونية التي دافعت عن الفصل المعتدل بين الدين والدولة فإن نجاحات أردوغان في ادارة البلدية لم تكن ذات أهمية كبيرة.
حكم على أردوغان في العام 1999 بالسجن خمسة أشهر بسبب تلاوته قصيدة للكاتب القومي ضياء جوك ألب، الذي كانت افكاره مصدر إلهام كبير لمصطفى كمال اتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، وأدى الحكم المثير للجدل الى حظر سياسي اجبر أردوغان على ترك منصبه كرئيس للبلدية وفيما مثل الحكم صدمة كبيرة لكل الجماهير المحافظة ولعديد سكان اسطنبول الذين رأو ان حياتهم تحسنت كثيرًا تحت قيادة أردوغان ،أدى ذلك إلى إيقاظ زعيم تركيا المستقبلي بعد تلك الحادثة بأعوام كثيرة وتحديدًا في عام 2013 سيزور أردوغان الذي يتولى منصب رئاسة الوزراء حينها سجن بينار حصار الذي قضى فيه مدة سجنه وهو يقول سجن بينار حصار، هو نقطة إعادة الميلاد له ففيه جرت التحضيرات لتأسيس حزب العدالة والتنمية إنه المكان الذي خطونا فيه خطواتنا الأولى نحو تأسيس تركيا الجديدة والعظيمة.
قائد تركيا بعد عامين من إطلاق سراحه من سجن بينار حصار، حيث  أسس أردوغان ورفاقه الذين وُصفوا بالإصلاحيين مقابل أربكان ومجموعته التي وصف أفرادها بالتقليديين، حزب العدالة والتنمية بعد انقسام في حزب الفضيلة الذي خلف حزب الرفاه المحظور.
ومع تأسيس العدالة والتنمية،  ركز القائد المستقبلي لتركيا أهدافه على جذب الناخبين من يمين الوسط والقوميين لاسيما أؤلئك الذين انتقلوا من ركب اربكان وحركته من الرؤية الوطنية إلى الوسط السياسي لكن اردوغان حافظ على احترامه لنضال أربكان حتى وفاة الأخير وأشاد بإرثه.

في العام 2002 اثبتت الاستراتيجية الجديدة لأردوغان نجاحها بوصول العدالة والتنمية الى السلطة منتصرًا بفارق كبير على الاحزاب التقليدية للبلاد ومنذ ذلك الحين فاز أردوغان بالانتخابات العامة مرتين ليصبح رئيسا للوزراء عامي 2007 و 2011 والانتخابات الرئاسية لفترتين في 2014  و 2018 ومنذ عام 2002 وحتى اليوم فاز حزبه بثلاثة استفتاءات حول التغييرات الدستورية التي تضمنت تحويل النظام البرلماني في البلاد الى  النظام الرئاسي، كما حافظ حزب العدالة والتنمية على الأغلبية في جميع الانتخابات المحلية منذ عام 2002 وهو انجاز لم يتمكن اي حزب سياسي من تحقيقه منذ انتقال تركيا الى نظام متعدد الأحزاب في العام 1950، وخلال فترة حكمه تقلص دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية الى حد كبير مما ادى إلى تحكم الحكومة المدنية في القرار السياسي،  وهي مسألة ذات أهمية خاصة في تركيا فقبل حكم أردوغان أطاح الجيش في الأعوام 1960 و 1980 و 1997 بحكومات مدنية منتخبة ديمقراطيا وكان أحدث تدخل عسكري ناجح ما سميّ انقلاب مابعد الحداثة الذي أطاح بالحكومة اللإئتلافية  بقيادة نجم الديناربكان في عام 1997 م
 في 15 يوليو  2016 ،  شهدت البلاد محاولة انقلابية قادتها مجموعة من العسكريين بتحريض ودعم من فتح الله غولن، المقيم بالولايات المتحدة واستطاع الشعب التركي هزيمة الانقلابيين بدعوة من اردوغان للمواطنين المؤيدين للديمقراطية للنزول إلى الشارع.

اسفرت محاولة الانقلاب عن مقتل مئات المدنيين وإصابة الآلاف ممن واجهوها بكل بسالة وقبل المحاولة الفاشلة استخدم تنظيم غولن مجموعة من الوسائل تضمن له اختراق  مؤسسات الدولة التركية، بهدف السيطرة على النظام السياسي في البلاد.

 قيادة اردوغان القوية التي تهدف الى تمهيد الطريق لتركيا مستقلة ومكتفية ذاتيًا، وقد اثبتت براعته في التحالفات وتغيير المعادلات السياسية في جميع انحاء تركيا والعالم، و نتيجةً لذلك ورغم تغيير اتجاه عدد من السياسات الداخلية والخارجية فقد اكسبته قيادته عديدا من المؤيدين داخل السياسة التركية وبين عديد من القادة الدوليين من اوكرانيا وروسيا الى إفريقيا ودول آسيا الوسطى والدول ذات الاغلبية المسلمة.

يفتخر أردوغان وحكومته بأنهم أنقذوا تركيا من الانهيار الاقتصادي الذي كانت تخضخض فيه، وبدلا من ذلك صفرت تركيا ديونها التي كانت تثقل كاهلها، وبجلا من ذلك أصبح صندوق النقد الدولي مدين لتركيا.

وأصبحت الصناعات التركية العسكرية، في البر والبحر والجو تنافس أكبر الدول الصناعية من حيق الأداء والجودة، وهاهي اليوم تسعد مواطنيها بهدية العيد المتمثلة في الغاز الطبيعي الذي أدخل السعادة في كل  بيت وسيضع عن تركيا أصر  فواتر الاستيراد زأغلاها، في سلسلة من افنجازات التي لاخاتمة لها.

كمحطة مرسين، والمدن الذكية والأسواق العامرة والصادرة المفخرة.

وستعادة مسجد أيا صوفيا، وفوق ذلك أمن الناس على دينهم فلم يعد هناك من داع لسفر الفتاة للدراسة، بعد أن أرغمها العسكر المشين على الخير بين الدين والجهل أو العلم المغموص في النفاق والإلحاد، فلم تعد الفتاة تخاف في بلدها إلا الله بعد أن لم تعد الغنم تخشى من الذئب.
وفي انتخابات الرابع عشر مايو يهدف أردوغان مرة اخرى الى الدفاع عن كل من رئاسته وانجازاته السياسية فضلًا عن الاغلبية البرلمانية لحزبه وتحالف الشعب وفي اعقاب الزلازل المدمرة التي حدثت في فبرايرشباط الماضي والتي راح ضحيتها عشرات الالاف يُطرح تساؤل هام حول ماذاكانت هذه المهمة ستصبح اكثر صعوبة من تحديات الانتخابات السابقة، بعد أن باءت محاولات شظاظها من الغربيين الذين يققطعون الطريق، ويريدون الترفيع للعلمانية المتةحشة المعادية للشعب وهويته !

قصة أردوغان ككل قصص النجاح تبدوا مجموعة من البدايات السعيدة والنهايات الموفقة.