أصحاب الغار والإسقاط على الحياة المعاصرة الحلقة (10)

كتب الدكتور المرسي محمود شولح لموقع الفكر

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

مع النموذج الثانى الذى يمثل نموذج العفة من خلال حديث أصحاب الغار([1])

وتعد الشهوة الجنسية من أفتك الشهوات وأشرسها ،ومن المخاطر على الحياة فى المجتمعات العربية والإسلامية، والتى أججت نارها وسائل كثيرة منها الوسائل الإعلامية التى أشاع بعضها الفاحشة فى المجتمع

قال أبو حامد الغزالي([2]) : ( شهوة الفرج أغلب الشهوات على الإنسان ، وأعصاها عند الهيجان على العقل . فمن ترك الزنا خوفاً من الله ، مع القدرة وارتفاع الموانع ، وتيسر الأسباب  لاسيما عند صدق الشهوة  نال درجة الصديقين ) ([3]).

وكانت هناك دواع كثيرة من خلال الرؤية العامة للواقعة لارتكاب الفاحشة([4])

ومن دوافع الرجل لذلك حبه بنت عمه

والرجل يميل بطبعه إلى المرأة ، وقد ملكت المرأة قلب الرجل ، واستولت عليه ، وبلغ حبها في قلبه إلى أنه لم يشاركه أحد في هذه المحبة القلبية .

قال : " اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إلىَّ " .

قوله : ( من أحب الناس إلىَّ ) هو مقيد لإطلاق رواية سالم حيث قال فيها " كانت أحب الناس إلى "، وفى رواية موسى بن عقبة " كأشد ما يحب الرجل النساء ، والكاف زائدة ، أو أراد تشبيه محبته بأشد المحبات " ([5]).

فقد تعددت الروايات فى وصف درجة المحبة

فالرواية التى أطلقت  قرنت بين محبتها ومحبة غيرها ، والمقيدة أفادت الدرجة الخاصة لمحبة بنت العم،وأفادت رواية مقارنته بغيره من الرجال ،وهذا من تعبيره الخاص ومن وصفه الموافق لمشاعره وعواطفه، وأراه على سبيل المبالغة فى وصف حب بنت العم، فلا يستبعد أن يكون غيره من الرجال عنده من الميل ما يفوقه أو يساويه_ بشأن امرأة أخرى _ وهو فى خطابه لا يقف على حقيقة ما عند غيره ،فليس فى إمكانه ذلك ، ولا فى استطاعته.

وعلى كل ،فقد بلغ حب المرأة مبلغاً كبيراً ، والمرأة تكسر كل إرادة، وتحطم كل حاجز ، إلا أهل الصفوة والتسامي , ورغم تصون بنت العم، واحترامها ، إلا أن الرجل لم يدرك ذلك منها ، وكان حبه الشديد لها داعياً إلى تخطى الحواجز، والانفلات بلا ضابط .

فقد كانت هناك دواع كثيرة تجعل ارتكاب الفاحشة سهلاً عند صاحب الغار ، وهى :

- محبته الشديدة للمرأة ، وتعلق قلبه الزائد بها ، وطالما تمناها ، وراودها عن نفسها ، وجاءته الفرصة لتحقيق رغبته ، وإمضاء شهوته .

- مجيئها إليه تحت ضغط الحاجة وتوافر الأسباب ، وتهيؤها لارتكاب الفاحشة  بعد أن قبلت مضطرة .

- قربه من اللحظة المحققة للرغبة فقد سلمت إليه نفسها ، وقدر عليها ، وكشفها ، وكانت الفرصة مواتية وسامحة لتحقيق الرغبة .

المراودة:

راود الرجل بنت عمه كي يظفر بها ، وينال شهوته منها .

قوله : " راودتها عن نفسها " أي بسبب نفسها أو من جهة نفسها ، وفى رواية سالم "فأردتها على نفسها" أي ليستعلى عليها ([6]) .

فقد استجاب الرجل لنداء غريزته ، وتحكمت فيه شهوته ، وسيطرت عليه نزوته ، وقادته مرة بعد مرة إلى مراودة بنت عمه، وكان نداء الشهوة أعلى عنده من أي اعتبارات

والاعتبارات هي :

- الديــن : فهو يمنع من ارتكاب الزنا .

- العرف : فالعادات الاجتماعية الفاضلة تنبذ الرذيلة وتأبى الفاحشة .

- القرابة : فهي بنت عمه، ولم يعتبر بهذه القرابة، وقبل أن يستجيب لنداء الشهوة .

- الحاجة : فالمرأة محتاجة , وشأن الرجال وأهل المروءة قضاء الحاجة بلا انتهاك لحرمة المرأة , وسكب لماء وجهها .

والتوفيق بيد الله

 

([1]) يراجع نص القصة فى المقالة الأولى

([2])الشيخ الإمام البحر ، حجة الإسلام ، أعجوبة الزمان زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي ، الشافعي ، الغزالي ، صاحب التصانيف ، والذكاء المفرط .سير أعلام النبلاء 19/322          

([3]) إحياء علوم الدين 4/168، حجة الإسلام الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي.

([4]) أتقيد فقط بما هو فى القصة ولا أتوسع فيى العرض العام من مجمل النصوص ، فليس هذا هدف المقالات

([5]) فتح الباري بشرح صحيح البخاري 6 / 588 .أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

([6]) فتح الباري 6 / 588 .