الوزير صو أبودمبا لموقع الفكر/ شهدت فترتي في وزارة العدل  إلغاء كافة محاكم وإجراءات القضاء الاستثنائي ونقل اختصاصاتها إلي محاكم القانون العام.

في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منه إلى إطلاع المتابعين الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد أبرز الشخصيات الوطنية، ممن خبروا دروب العمل الدبلوماسي - وزيرا للخارجية - وعايشوا تحدياته في حقبة انفتحت فيها موريتانيا على العلم الخارجي، حيث شهدت البلاد في أيام قيادته للدبلوماسية الوطنية التوقيع بالأحرف الأولى على عودة اللاجئين، وكذلك شهدت حقبته انضمام موريتانيا لعدد من أدوات الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان.

وشهدت فترته بوزارة العدل إلغاء محاكم وإجراءات القضاء الاستثنائي، إضافة إلى إصلاح النظام الأساسي للقضاء بإدخال القضاة إلى المجلس الأعلى للقضاء عن طريق الانتخاب..الخ..

نتابع معه اليوم لنستجلي من خلاله ما وراء الخبر... في لقاء شامل يتناول بعض القضايا المتعلقة بالشأن الموريتاني في المرحلة التي واكبها، والظروف التي تسلم فيها وزارات الخارجية/ العدل/ الأمانة العامة للحكومة/  نحاوره أيضا حول بعض القضايا المستجدة بالساحة الوطنية.

 فأهلا وسهلا بضيفنا الكريم معالي الوزير والنائب البرلماني صوأبو دمبا.

 

موقع الفكر: نود منكم أن تحدثوا المشاهد والقارئ عن شخصكم الكريم، من حيث الدراسة والشهادات المتحصل عليها وأهم الوظائف التي تقلدتم.

صو أبو دمبا:  الاسم الكامل/ صو ابو دمبا من مواليد الخمسينيات من القرن الماضي. منحدر من منطقة العقيلات وهي منطقة معروفة في غورغل، وكانت تسمي بها مقاطعة مونقل ككل، أنتمي إلي أسرة من الفلان الرعاة كانت تتنقل، بحثا عن الماء والكلأ في المناطق المتاخمة بين ولايتي "غورغل" و"العصابة".  بدأت  في سن مبكر بدراسة القرآن الكريم علي يد والدي الذي كان شيخا وإمام مسجد، ثم التحقت بعد ذلك بمدارس الفلاح للعلامة "الحاج محمود با" بمدينة "منقل". في بداية الستينيات  دخلت المدرسة النظامية مباشرة بعد الاستقلال.  وحصلت علي شهادة البكالوريا في سنة 1975م. وتم توجيهي إلي كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بالجامعة التونسية. بعد حصولي علي شهادة المتريز من القانون بهذه الجامعة  تحولت إلي فرنسا لمتابعة الدراسات العليا. 
أما المناصب التي شغلتها في الدولة،  فقد توليت سبع حقائب وزارية مختلفة أبرزها الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية، والأمانة العامة للحكومة،  ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون، و عدد من الحقائب الوزارية الأخرى. ثم بعد ذلك عينت سفيرا مندوبا دائما للجمهورية الإسلامية الموريتانية لدى اليونسكو. واليوم أنا نائب في البرلمان الموريتاني.

موقع الفكر: ما هو تقييمكم للدورة البرلمانية الماضية؟ 
 الوزير صو أبو دمبا: كانت الدورة البرلمانية الماضية غنية بالأنشطة سواء تعلق الأمر باعتماد مشاريع قوانين مهمة أذكر منها علي سبيل المثال، القانون المتعلق بالجمعيات الذي ألغى إلزامية الرخصة واستبدلها بالتصريح فقط، مشروع قانون حماية المستهلك، ومشروع القانون المتعلق بالشرطة البيئية، وكذلك مشروع القانون المتعلق بالتعاون  بين القطاع العام والخاص، أو تعهدات تمويل مشاريع جد مهمة لبلادنا،  فضلا عن عمل رقابي لمجلس النواب تجسد في تشكيل لجنة التحقيق البرلمانية التي أنتجت تقريرا دقيقا لا تجهلونه.  تستحق هذه اللجنة التهنئة علي العمل الاستقصائي  الذي أنجزت.

موقع الفكر: ماهي أهم انجازاتكم في وزارة العدل ؟
الوزير صو أبو دمبا: أهم الانجازات في وزارة العدل: بالفعل فإن وزارة العدل هي التي أمضيت فيها أطول  فترة  حيث بقيت هناك ثلاث سنوات  وستة أشهر. وقد منحني الرئيس معاوية أطال الله في عمره تفويضا مطلقا وصلاحيات كاملة بغية تكييف القطاع مع الوضع الجديد، وإرساء الديمقراطية، متعهدا بإبقائي  في هذا المنصب فترة مأموريته البالغة ستة أعوام،  غير أن بعض المطبات- والتي ليس الوقت مناسبا لاستعراضها- هي التي اختصرت وجودي علي رأس القطاع، غير أنه تحقق العديد من الإنجازات الهامة خلال تلك الفترة، أذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر مسألتين جوهريتين هما:
-    إلغاء كافة محاكم وإجراءات القضاء الاستثنائي ونقل اختصاصاتها إلي محاكم القانون العام.
-    إصلاح النظام الأساسي للقضاء بإدخال تمثيل القضاة في المجلس الأعلى للقضاء عن طريق الانتخاب من طرف زملائهم لأول مرة.

موقع الفكر: ماهي أهم المشاكل المطروحة على قطاع العدالة في موريتانيا؟
الوزير صو أبو دمبا: بخصوص المشاكل الأساسية التي تواجه قطاع العدل، أود أن أؤكد أن التكوين الأساسي والتدريب و تحسين الخبرة المستمر، وكذا الانفتاح علي العالم الخارجي من أهم المرتكزات المعرفية. وسبق أن أجرينا دورات تدريبية في تقنيات التحكيم الدولي وفتح القطاع علي التمويل الدولي( البنك الدولي وغيره) 
هناك أيضا مشكلة مادية مرتبطة بنقص البنية التحتية والموارد،  ناهيك عن ضعف رواتب القضاة التي لا تزال دون المستوي المطلوب.  

موقع الفكر: هل القضاء الموريتاني  مستقل؟  وهل هو مؤهل لإصدار أحكام نزيهة فيما يتعلق بفساد العشرية؟
الوزير صو أبو دمبا: بخصوص استقلالية القضاء، فإن النقطتين السالفتين تجعلان تلك الاستقلالية نسبية،  خاصة في مجتمع تقليدي بامتياز لا تزال الأسرة و القبيلة والأقارب تؤثر في القضاء كلما كان أحد أفرادها موضوع محاكمة.  غير أن عدالتنا تعمل بشكل جيد علي العموم، حيث يوجد بها قضاة أكفاء قادرون علي إقامة عدالة مستقلة موثوقة، سواء في ملف الفساد الذي كشفت عنه لجنة التحقيق البرلمانية أو غيره.

موقع الفكر: أهم انجازاتكم في وزارة الخارجية؟
الوزير صو أبو دمبا: بخصوص ما أنجزته في وزارة الخارجية والتعاون
لقد كان وجودي في وزارة الخارجية قصير و لسوء الحظ قصره الحادث الأليم الذي تعرضت له علي الطريق العام والذي ترتب عليه وجودي في هذا الكرسي المتحرك. ويمكن أن أذكر مما تم إنجازه  أربعة أمور هي:
- توقيع اتفاقية اعتماد المفوضية السامية للاجئين والتي مكنت من الالتزام الثلاثي بين  موريتانيا- السنغال- المفوضية، الذي أطلق رسميا الأول مرة عملية توافقية لمعالجة مشكلة اللاجئين. 
- انضمام بلادنا إلى عدد من أدوات الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان الخاصة بالتعذيب وغيره،  في بعض الاحيان بعد  طلب ملح ومنسق من السفراء الغربيين المعتمدين بنواكشوط.  
- التحضير والمشاركة في القمة العالمية حول البيئة المنعقدة بنيويورك سنة ١٩٩٧م. حيث أتيح لي إلقاء خطاب هام على منصة الأمم المتحدة. 
- التحضير لتنظيم زيارة الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" لبلادنا، بما يرضي الطرفين لدرجة أن الرئيس "شيراك" منحني عند عودته إلى باريس وسام الضابط الأعظم من فيلق الشرف الفرنسي. وقد سبق قبل هذا أن كلفني الرئيس معاوية بمهام دبلوماسية محددة ، منها علي سبيل المثال لا الحصر شرف تمثيله شخصيا في القمة الإفريقية-الأمريكية  ب"لبرفيل"،  وحملني رسائل إلى بعض الزعماء،  كالملك الحسن الثاني، والرئيس السنغالي عبدو ضيوف، والرئيس الكنغولي باسكال لسوبا.

موقع الفكر: ماهي إنجازاتكم في الأمانة العامة للرئاسة والحكومة، وما الفرق بينهما؟
الوزير صو أبو دمبا: بخصوص الفرق أو الاختلاف بين منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية  ومنصب الأمين العام للحكومة في وقتي لم يكن هذان المنصبان منفصلين، كنت أجمع صلاحياتهما.   ونظرا لغياب منصب الوزير الأول حينها، الكل جعل مني المتعاون الأساسي مع الرئيس باستثناء مدير ديوانه؛ لذلك عملت  كثيرا و بالدوام مع الرئيس وكان يتصل بي أحيانا في منتصف الليل ليطلب مني الحضور إلي القصر. غير أن هذا التناوش وهذا العمل المكثف عن قرب مكننا علي سبيل المثال من التوصل إلي نسخة متوازنة تجسدت في المادة 6 من الدستور التي يعود لها الفضل في إدخال جميع اللغات الوطنية. واستعمالها  في دورات الجمعية الوطنية الحالية إلى جانب اللغة العربية، اللغة الرسمية للبلاد ، وهذا لعمرى إنجاز هام للأمة. 

موقع الفكر: ما هو تقييمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟
الوزير صو أبو دمبا: في الواقع يجب إصلاح تعليمنا الوطني بالكامل،  من حيث المحتوى، والتنظيم ووسائل التنفيذ. وعليه يجب أن نتفق علي برنامج تعليمي وطني،  شامل قادر علي خلق نموذج المواطن الموريتاني الذي نريد، ويمكن في نفس الوقت من تسوية مسألة اللغات ويجنب استغلالها سياسيا. نعم مشكلة اللغات  ناتجة في الأساس عن فشل نظامنا التربوي. أعتقد أنه من الضروري تمرير قانون تطبيقي يحدد جميع الإجراءات التطبيقية للمادة السادسة للدستور، من أجل تفادي مثل تلك المواجهات التي شهدتها الجمعية الوطنية.

موقع الفكر: هل المشكل اللغوي مشكل تربوي أم مشكل سياسي؟
الوزير صو أبو دمبا:  طالما كانت المشكلة الكبرى لبلدنا تتمثل في ممارسة سياسية تقوم علي الانقسام والتنافس بين المجتمع العربي والزنجي.  ودأب السياسيون علي هذا التقسيم ليصنعوا لأنفسهم مكانة أو شهرة سياسية. وطالما لم نخرج عن هذا النهج الخصوصي والعدائي،  فلن نتمكن من حل أي شيء. و عليه يجب أن نستحدث طريقة أخرى لممارسة السياسة بعيدا عن هذه التجزئة، وتكون أكثر شمولا، واحتواء لكافة مكونات الوطن. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال التربية والتعليم  وفي إطار حضارتنا العربية والاسلامية، البوتقة الحضارية الموحدة للجميع. 

موقع الفكر: ما هو دور الفلان في نشر الإسلام  واللغة العربية؟
الوزير صو أبو دمبا: بخصوص جماعة الفلان، الفلان هم مجموعة بشرية تتميز بنمط حياة وبذاتية ثقافية واجتماعية تشبه العرب نظرا لتاريخهم المشترك ولوشائج القربى والفضاء المعيشي الرعوي الذي يتقاسمون ويتشاركون منذ القدم.  لقد كان الفلان من ضمن مكونة الزنوج الأفارقة المجموعة التي تتعاطي اللغة والثقافة العربية أكثر من غيرها، مما جعل من مشايخها وعلمائها الأجلاء على غرار الحاج محمود با- رحمه الله -حملة مشعل التعريب ونشر الإسلام في ربوع القارة السمراء.

موقع الفكر: ما هو تقويمكم لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد بن الشيخ الغزواني؟
الوزير صو أبو دمبا: وعن تقويمي لسنة ونصف من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، إن الفترة التي انقضت من مأمورية السيد الرئيس جد إيجابية.  فمنذ ترشحه حصل إجماع وانسجام لدى الغالبية من أبناء شعبنا؛ نظرا لانتمائه لعائلة مشهورة بالتقاليد والقيم الإسلامية السامية وأيضا لسمعته الحسنة المرتبطة  بمسيرته الوظيفية المتميزة علي أركان الجيوش الوطنية وفي الحكومة. ولم يخيب برنامجه الانتخابي  المتكامل" تعهداتي" وإنجازاته العديدة آمال السكان، خاصة الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة. وأشعر شخصيا بالتعاطف مع كل ما من شأنه تحسين أحوال الفئات المحرومة؛ ربما لكوني منحدرا من  الوسط الريفي الغير مستقر أو لانتمائي لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة. ولدعم وجهة نظري حول الإنجازات أذكر منها القرارات العشرة التي أعلنها الرئيس في عيدنا الماضي للاستقلال:
-    زيادة المعاش الأساسي بنسبة 100% لجميع المتقاعدين. 
-    مضاعفة معاش أرامل المتقاعدين واستفادتهن من التأمين الصحي. 
-    صرف معاشات التقاعد شهريا. 
-    تعميم علاوات الطبشور لتشمل كل مديري المدارس الأساسية والمؤسسات الثانوية، وصرفها علي مدى اثني عشر شهرا بدلا من 9أشهر.  
-    مضاعفة علاوة البعد.
-    زيادة علاوة  التأطير، لمفتشي التعليم الأساسي والثانوي والفني بمبلغ 10الآف أوقية قديمة.
-    زيادة رواتب عمال الصحة بنسبة 30% وتعميم علاوة الخطر عليهم.
-    زيادة التكفل بحصص التصفية، لفائدة مرضي الفشل الكلوي المعوزين، 50%  واستفادتهم من تحويلات نقدية شهرية بمبلغ15000 أوقية قديمة
-    تأمين  الضمان الصحي لذوي الاحتياجات الخاصة. 
-    صرف تحويلات نقدية شهرية بمبلغ، 20000 أوقية قديمة للأطفال متعددي الإعاقات. هذا فضلا عن ما تقوم به مؤسسة تآزر  لصالح المواطنين في الداخل وفي الأرياف و ما أعلنه الرئيس أخيرا حول تنمية ثورتنا الحيوانية. 
موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
الوزير صو أبو دمبا: ستكون كلمتي الأخيرة هي الحث علي الوحدة الوطنية ونبذ الانقسام، والتفرقة، والبحث عن أنسب السبل للتوصل إلى  مواطنة وهوية وطنية جامعة عنوانها العدالة والإنصاف والمساواة ينصهر فيها كافة الموريتانيين.  وفق الله قادتنا إلى سبيل الخير  وطريق الرشاد وجنب بلادنا المساوئ والآفات  والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي رسوله الكريم.