ولداييه لموقع الفكر/ من أسباب انهيار شركة ENER تجاهل الهدف الرئيسي من وراء إنشائها

 

قال وزير الصيد السابق، والمدير المساعد للمؤسسة الوطنية لصيانة الطرق  "ENER" الدكتور أغظفن ولد أييه إن هناك أسباب متعددة أوصلت هذه المؤسسة إلى وضعها الكارثي فاليد العاملة لم يعد اختيارها يتم بالطريقة التي كانت في السابق،ولم يعد في المؤسسة أصحاب الخبرات

معددا مجموعة من التجاوزات التي حصلت في تلك المؤسسة، 

نص المقابلة (الجزء الثاني)

موقع الفكر: متى أسندت للشركة الوطنية لصيانة الطرق مهمة إنشاء الطرق بعدما كان يقتصر عملها فقط على الصيانة؟

أغظفن بن أييه: المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق كان الهدف منها هو أن تحل ذلك العجز الذي كان واقعا آنذاك، والكل يعرف أن الدولة كانت تحصل على تمويل  مشاريع بناء الطرق، و كانت عاجزة عن صيانتها، وهذا كان له تأثير مباشر على سكان الداخل،  وعلى الأسعار وعلى التنقل، وكان يسند إليها خصيصا صيانة الطرق، والصيانة الخفيفة وهي الصيانة الطارئة "، مثل  إزاحة الرمال، وهذه كانت هي مهمتها الأولية، ومعلوم أنه مع الزمن تغلبت على تلك المشاكل وبعد أن تغلبت عليها أصبحت هناك رغبة في أن توسع نطاقها وجهدها، ولكن كان دائما هناك نقاش أن هذا ليس نفس العمل، ولا نفس الآليات، وكان هناك تخوف من إضافة الأعمال الثقيلة كبناء الطرق إلى مهام المؤسسة لأن هذا قد يأثر سلبيا على مهمتها الأساسية والتي هي صيانة الطرق، وهي أي الصيانة  عمل روتيني، ومستعجل، وضروري، وملح لا يمكن إلا أن يقام به، ومن ناحية أخرى ليس بسيطا لأنه لا يقام به إلا في الأوقات الضيقة، أوقات العواصف الرملية، وأوقات العطل والأعياد يكون العمال مستعدون للخروج وأداء واجبهم، ومعنى هذا أنه من ناحية أخرى عمل صعب، لكنه مع الأسف، ومع غياب رؤية واضحة أوعن قصد  دفع بالمؤسسة لاكتساب الآليات الثقيلة، وأصبحت تبني الطرق، وهذا هو ما تسبب فيما آلت إليه الأمور من فساد أو خراب أو ما شابه ذلك.

 

موقع الفكر: هل أنشئت  المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق برغبة وطنية أم إرادة دولية؟

أغظفن بن أييه: المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق – وهذا يعلمه كل من كان مطلعا على الأمور حينها – كانت ميزانيتها بتمويل أوروبي، و فواتير عملها كان يدفعها الاتحاد الأوربي عن طريق الدولة ، وهو ما أتاح انسيابية في إمكانيات العمل، كما كان لديها دعم فني من الاتحاد الأوروبي إذ كان هناك خبراء في بداية إنشاء الشركة هم من أسس نظامها، وعملها، والآليات التي تملك، وكل آلياتها من تمويل أوروبي. وبطبيعة الحال فإن القائمين عليها في البداية كانوا مجموعة من الأطر الجدد كلهم وليست لهم خبرات في ممارسة الإدارة محليا، ولا بمشاكلها، ويمكننا القول إنه كانت هناك مهنية، وحرص على أداء العمل المنوط بكل فرد بدون أغراض أخرى، وهذا كان من بين الأمور التي جعلتها تنجح، وكانت الدولة حريصة في بدايتها أن تختار (تعيين المديرن) لها مسؤولون أكفاء.

 

موقع الفكر: متى بدأ الخلل؟

أغظفن بن أييه: كل ما تقادم العهد على مشروع ما ، وتم تجاهل الهدف الرئيسي من وراء إنشائه يكون هناك نقص، وبداية الأمر كان الجميع يعي أن صيانة الطرق أولوية، وأنها من أكبر مشاكل المواطن، ولكن عندما تم القيام بتلك المهمة بسلاسة ولم تعد تطرح إشكالا، ربما تناستها الدولة أو ظنوا أنها مسألة عادية وأن الجميع يمكنه القيام بها، أو لم تعد مشكلة، ومن ناحية أخرى كان هناك قدر من التقاعس في المسؤوليات، ويمكن أن أقول إن الدولة ربما لم توفق في اختيار المسئولين الذين توكل اليهم تسييرالمؤسسة، وبعد ذلك لم تكن فيه رقابة صارمة، في السنوات الأولى كان يتم تفتيشها كل عامين من الاتحاد الأوروبي، وكانوا صارمين في تقاريرهم، وربما المديرون الأوائل كلهم غادروا بعد التفتيش، فعندما يوجد خلل، يوضح للدولة، ويتم تغيير المدير، وهذا هو الذي تغير لاحقا لتصبح كغيرها من مؤسسات الدولة، بعد انتهاء التمويل الأوروبي،أصبحت تمول من طرف الدولة، وأضيفت إليها الكثير من المهام بالإضافة إلى مهمتها الأولية التي هي صيانة الطرق، وأصبحت تتولى مكافحة الحرائق، وإعادة بناء مقاطع من الطريق.

العمل الأول (صيانة الطرق) كان يتطلب قدرا من الجهد والصبر، ومن يمارسه لا بد أن تكون لديه تجربة كبيرة، فكان سائق الآلية يكون منفردا لأسبوع أو أسبوعين ليكافح الرمال دون أن تتوفر له الكثير من الكماليات، واليوم أصبح في ورشة كبيرة من الآليات وفيها الكثير من الكماليات وبالطبع يفضلها على العمل الآخر، وأصبحنا تدريجيا نلجأ إلى الأعمال المربحة التي هي بناء الطرق، والمشاريع الكبرى، ونأجل صيانة الطرق التي هي غير مربحة، وهذا ما آلت إليه الأمور حتى أصبح الاهتمام ينصب حول ما هو مربح، وما فيه نتيجة كبرى دون التفاصيل الدقيقة التي هي سبب خراب كل شيء.

 

موقع الفكر: ما هي مظاهر الخلل الذي أصاب المؤسسة الوطنية لصيانة الطرق؟

 أغظفن بن أييه: غادرت – كما قلت لكم – المؤسسة نهاية 2008م، وكوني كنت من أول أطرها وأعرف الكثير من الموظفين فيها، وعندي تجربة في ذلك المجال، أظن أن الخلل الكبير هو تشعب المهام، فالمؤسسة وصلت إلى مرحلة نجحت فيها وهي أن يكون لديها عدد من العمال، وعدد من الآليات، وتقوم بمهمة صيانة الطرق بمهنية عالية وتكلفة بسيطة على الدولة، وكان من المفترض أن يقتصر عملها على تلك المهمة.

ويمكن للدولة أن تنشئ شركة أخرى لبناء الطرق أو تمنح الأشغال للقطاع الخاص، وهذا هو الخلل الأول الذي جعل الذين عندهم خبرة في مجال صيانة الطرق  يتركونه ليذهبوا إلى غيره من المجالات، وأظن أن اليد العاملة لم يعد اختيارها يتم بالطريقة التي كانت في السابق، ولم يعد فيها أصحاب الخبرات، ومؤسسة مثل "ENER" في البداية كان العمال الذين يعملون في ورشات الطرق أفضل رُتبا ورواتب نهاية الشهر من باقي العمال الموجودين في المكاتب، وهذا هو المفترض وهو الذي كان موجودا، وبعد سنوات أصبح عامل بسيط في المكتب راتبه يساوي راتب عاملين من عمال الورشات، وهذا مجحف بالمؤسسة، وأذكر أنه في 2007م كان رقم  أعمال المؤسسة السنوي يصل إلى 4.500.000.000 أوقية وقد قامت في ذلك العام بالكثير من الأعمال لا تمت بصلة لصيانة الطرق منها وقاية الطرق من الحرائق،بمعنى أن4 أو 5 مليارات كانت تكفي لصيانة الطرق في تلك الفترة، والآن ربما تحتاج صيانة الطرق إلى 7 مليارات؛ لأن الشبكة توسعت كثيرا، ومهمة الصيانة الأولية يجب أن تبقى منفردة، وإذا وجد من يحسن لذلك العمل – وليس كل شخص يصلح له – يجب أن توفر له الظروف التي يتمكن فيها من القيام بعمله، والقدرة على هذا العمل ليست تكوينا مهنيا ولا يتم تدريسها بل هي بعد ذلك خبرة يكتسبها العامل من المجال، ومثال ذلك إذا تركنا سائق عربة أسبوعا وحيدا  في القفر ليس كل شخص يمكنه تحمل ذلك، ولا بد من إيجاد من هم مستعدون للعمل في أوقات العطل والأعياد الشيء الذي لا يمكن لكل شخص القيام به، وهناك من لديهم الإرادة أو الرغبة أو أعطاهم الله نوعا من إنكار الذات كي يقومون بذلك ولكن للأسف تم توظيفهم  في أمور أخرى، وهذه من الأمور الأولى التي أفسدت الشركة، بالإضافة لضعف الرؤية؛ لأن من كان مطلعا على بداية "ENER"، والوقت الذي احتاجت كي تحقق نجاحها لن يفرط في هذاالمكتسب لأي سبب كان.

 

موقع الفكر: هل قام الرئيس محمد ولد  عبد العزيز بمنح "ENER" صفقة تعبيد طرق عواصم الولايات ب12 كلم؟

أغظفن بن أييه: منذ 2009 أو 2010م أوكلت إليها مهمة بناء الطرق، وليست لديها تجربة، وكل هذا تعتريه الرقابة، وكل مشروع لا يراقب رقابة صارمة لن يقوم صاحبه بالدور المنوط به على أكمل وجه، والرقابة لا يمكن اكتسابها بسهولة بل لا بد لها من تكوين، ويكون المراقب صاحب تجربة في المجال الذي سيراقب عليه، وتكون لديه أيضا الإرادة، ومن المؤكد أن الكثير مما تم إنجازه من الطرق جودته ضعيفة؛ لأنه كان ينظر فيها أولا للتكاليف، وعندما لا يتم حل المشاكل الفنية قبل ذلك قد لا يكفي المبلغ المحدد بالغرض المطلوب.

 

موقع الفكر: هل يرجع سوء الرقابة لضعف الجهاز الرقابي؟ أم لإرادة سياسية؟ أم هما مجتمعان؟

أغظفن بن أييه: عادة هما معا مع أن وزارة التجهيز – حسب ما لدي عنها من معلومات – أنها كانت تعاني من نقص حاد في المهندسين، وفي فترة عملي في "ENER" فكان يقوم بالتفتيش فنيون بسطاء، وهناك المخبر الوطني للأشغال العمومية، وكان من المفترض أن يكون هو من لديه الأجهزة والآليات ويكون هو المسئول عن التفتيش.

 

موقع الفكر: هل يملك المخبر الوطني للأشغال العمومية وسائل تمكنه من القيام بعمله؟

أغظفن بن أييه: سمعت مؤخرا أنه أصبحت لديه الآليات، وأنا أعرفه في فترة ماضية لم يكن يملك أية وسائل، وبعد ذلك اقتنى المخبر الكثير من الآليات، لكن المهم في كل هذا هو النتيجة، وإذا لم تكن النتيجة مرضية فالخلل ما يزال موجودا هناك، ولن يتم إصلاحه إلا بالصبر، وتوفير الموارد البشرية أولا، والآليات، ثم الإرادة، والإرادة لا يمكن أن تكون مفتعلة بل لا بد أن يكون هناك أشخاص قادرون عليها، ويكونون صارمين فيها.

 

موقع الفكر: هل منحت معدات شركة "ENER" لشركة "ATTM" من خلال صفقة؟

أغظفن بن أييه: لست مطلعا على حيثيات ذلك بالتفصيل، ولكن ما سمعته هو أنه بعد تصفية شركة " ENER " – والتي ما زال عمالها يطالبون بحقوقهم – -وبالطبع أنها شركة مملوكة للدولة-، أصبحت الدولة حرة في التصرف في كل ممتلكاتها، ويبدوا أنها أعطت الآليات لشركة " ATTM " نسبة تساهم بها في رأس مال الشركة، وهذا هو ما بلغني أن معدات " ENER "، وربما مكاتبها، وقواعد مملوكة لها، وآلياتها، ،قامت الدولة بتقويمها، والمساهمة بها في رأس مال شركة "ATTM"، وأسندت إليها مهمة صيانة الطرق، وهو ما تم القيام به، أما بخصوص حيثياته القانونية فقد أثير حوله الكثير من اللغط، وقيل أيضا إنه عند إغلاق الشركة كانت الدولة مدينة لها ب21 مليار أوقية، وهذا هو الذي جعلني أقول إن من لم يقم بتسديد الديون لمؤسسة لا يمكن أن يطلب منها القيام بمهمة، فكان من الأسهل أن تقوم الدولة بتسديد نسبة من ديون "ENER"، ويعيدون لها مبلغا يمكن من خلاله إصلاحها بدل إغلاقها.

 

موقع الفكر: لماذا برأيكم لا تزال بعض المستشفيات، والشركات تكتتب آلاف العمال ممن لا دور لهم على حساب موارد هذه المؤسسات؟ لماذا لا تكون هناك حكامة للمؤسسات؟

أغظفن بن أييه: القوانين صريحة بخصوص هذه المسلكيات، وصلاحيات المدير العام محدودة؛ لأنه عادة يكون يمتلك نظام هيكلة  وكما قلت لكم سابقا كل شيء يعتمد على الرقابة، فإذا وجدت رقابة مستقلة وصارمة، لن يتمكن أي أحد من تجاوز القانون، والقانون لا يوجد فيه لبس ولا دوران، لكن لا يتم تطبيقه ، والمؤسسات لها مجالس إدارات هي من تقوم بإقرار القوانين، والمدير العام يقوم بتنفيذ قرارات مجلس الإدارة، وله مسطرة واضحة تسمى هيكلة نظامية والوظائف فيها محدودة، وغالبا ما يكون هناك نظام داخلي، يحدد طريق الولوج لكل وظيفة، لكن هذا لا يتم القيام به؛ لأنه لا توجد رقابة ولا معاقبة، وشركة "ENER" في بدايتها قامت بتطبيق هذه الأمور بصرامة، ولا يمكن لأي كان الولوج إليها إلا عن طريق امتحان وتكوين، وجميع المهندسين الأوائل الذين عملوا بها لم تكن لديهم خبرات في العمل، وجميعهم أمضوا في التكوين فترة تتراوح ما بين 6 أشهر إلى سنة ، وكان لديهم عقد محدد، وأجر محدد كذلك، ويتكونون في نفس الوقت، وأنا أمضيت في التكوين في الشركة عام وتسعة أشهر، وهناك من أمضوا سنة، ومن أمضوا ستة أشهر، وكان من الضروري أن نحتك بالعمل، وبعد ذلك تطرح مسألة  الترسيم من عدمها في الشركة.

 

موقع الفكر: ما هي أهمية مجالس الإدارة؟ وما أهمية وظيفة المدير المساعد؟

أغظفن بن أييه: مجلس الإدارة له دور كبير، ولكن مشكلته أنه أحيانا مفرغ من معناه، ولم يتبق فيه إلا وظائف يتم إعطاؤها لأشخاص، من أجل استرضائهم، ولكن المجلس له دور ريادي في المؤسسة، فمن الواجب أن يتولى إعداد ومتابعة تطبيق سياستها، ولكنه غائب، والمجتمع وضع الثقة في المدير العام، والمدير العام ليس هو المسؤول المطلق، بل المسؤول الأول هو مجلس الإدارة، ومجلس الإدارة هو من يمكنه اتخاذ القرارات، وهو الذي يقبل أو يرفض قرارات المدير العام، والمدير العام صلاحياته ليست مطلقة، فهناك أمور مرخص له فيها، وهناك أمور لا بد أن يرجع فيها لمجلس الإدارة، ، ومنصب المدير العام المساعد أمر جرى به العرف منذ زمن، وأصبحت كل مؤسسة يعين فيها مديرعام مساعد، ويحصل على نفس علاوات المدير العام، وليست له أي وظيفة، والقانون لا يمنحه من الصلاحيات إلا النيابة عن المدير العام في حال غيابه في كل المهام عدا الصرف المالي، وهذا هدر للمال العام، ولا فائدة منه، وكان من الأفضل أن يتم استبداله بمستشار أو غير ذلك، والمشكلة أن المؤسسات تغمر بأشخاص لا وظائف لهم، ومن ليست لديهم مسؤولية إلا أخذ رواتبهم نهاية الشهر، وهذه هي الإشكالية الكبيرة التي نعاني منها اليوم.