عندما تستقل عن الاستعمار وتتنفس الحرية، تبدأ حياة جديدة مليئة بالتحديات والفرص.
الاستقلال ليس مجرد إنهاء السيطرة الخارجية، بل هو بداية مرحلة لإعادة بناء الذات، الهوية، والمستقبل.
عندما تتحرر الشعوب من قيود الاستعمار، تبدأ رحلة جديدة مليئة بالتحديات، لكنها أيضًا مليئة بالإمكانات والفرص.
في عيد الاستقلال الـ64 لبلدي موريتانيا، نستعيد ذكرى الأبطال الذين رسموا بدمائهم ملامح حريتنا.
نستحضر مقاومة الآباء وتضحياتهم، أولئك الذين رفضوا أن يكونوا أسرى في أرضهم أو غرباء في أوطانهم.
المجتمعات تعتمد على تاريخها في تقدمها وتأخرها ومن لم يستقرأ تاريخه لايمكنه ان يبني مستقبله!!
ومشكلتنا اليوم اننا مازلنا نعتمد في مصادرنا على المستعمر والروايات الشفهية!!
وهذه محاولة شخصية عن كتابة انموذج من تاريخ المقاومة حاولت فيها ان اوفق بين هذه المصادر المختلفة؛
عندما سمع أبو المقاومة الشريف سيدي ولد مولاي الزين أن كبولاني دخل موريتانيا واستقراره في قلعة تجكجة وماقام به جنوده ومعونوه من افساد في الأرض في تكانت ولعصابة خاصة بعد معركة “بوﯖادوم” واستشهاد المجاهد الكبير بكار بن اسويد احمد…
بدأ يعد العدة لقتل هذا المحتل الغاشم طاف بسكان آدرار شرقا وغربا طولا وعرضا..
كان التحدي أمامه هو مدى قدرته على تسويق فكرة الجهاد،في بلد يعيش نوعا من الفوضى والتشرذم..وضعف السلطة...وتعدد الولاءات ...
كانت ساكنة آدرار تجل سيدي وتقدره لما يتمتع به من جاذبية روحية ودينية..
لكنه لم يكن يملك نفوذا سياسيا وهو ماجعله يلقي صدودا خاصة أنه كان يعرض في كل مرة على القوم قتل كبولاني.. من هنا بدأ ينظر اليه بنوع من الريبة والتهكم المحترس معللين ذالك بعدم تكافؤ في العدة والعتاد..!!
فيصعب أن نتصور مواجهة السيف ولكشام بالقرطاس والمدافع الآلية..ومئات الجنود المدربين بعشرات الرجال الغير مدربة...!!
لكن الرجل كانت لديه همة عالية تغذيها رؤيا أصبحت تغض مضجعه في كل مرة وقد فسرها بقتل كبولاني…!!
ولما يئس من هذا كله رجع إلى واد (امحيرث) وعقد العزم على الذهاب قدما بما تيسر,,
زار شيخه محمد محمود ولد الشيخ الغزواني شيخ الغظف في أوجفت..
وقد شجعه وحثه على المضي قدما إلى قلعة تجكجه، وفسر له رؤيا بقتل كبلاني وحصل على تبريكاته ودعائه، وعندما هم بمغادرته أهداه سيفا بتارا صارما، وأخبره أنه الأداة التي سوف يقطع بها رأس الكفر وفعلا تحقق له مااراد.
وبهذا يسدل الستار على معركة لا يمكن أن يصدقها العقل فكيف لشيخ بلغ من العمرعتيا لايملك من العتاد إلا سيفا واحدا ومجموعة من الأشخاص الغير مدربة سلاحها بنادق تقليدية من نوع لكشام ينطلق من خيمته فجرا ويرسم لنفسه مسار لا يحيد عنه ويجزم بأنه سيقتل كبولاني برغم الفارق الكبير في العدة والعتاد وكان له ذالك.. ‼
يمكن الرجوع الى المقال:ابو المقاومة سيدي ولد مولاي الزين حقاءق تنشر لاول مرة من هذا الرابط:
http://www.essevir.info/node/6662
في حين كانت للأمير سيد أحمد ولد احمد عيدة قلب المقاومة وديدانها ويدها الضاربة جولات وصولات ضد الاستعمار الفرنسي حسب الوقائع التالية:
_ في 18يونيو 1905 م قاد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في معاركة : تجگجة حيث تكبدت القوات الفرنسية عدة قتلى...
_ 1909م في آمساگ وأماطيل وحمدون واكصير الطرشان وآزويكة ووادان ...
إلى جانب قتاله في جيوش كبيرة جنبا إلى جنب مع المقاومين ضد الحملة الفرنسية التي قادها العقيد گورو والتي انتهت بدخول الفرنسيين أطار في 9 يناير 1909 م.
بعد احتلال آدرار انتقل إلى الحوض وظل يشن حرب عصابات خاطفة تستهدف الحاميات العسكرية، وتضرب طرق تموين المراكز الفرنسية...
_ 21 يناير 1912 م جُرح الأمير سيدي أحمد في معركة تيشيت الضارية ضد الفرنسيين بقيادة الحاكم العقيد (باتي) وأخذ سيدي أحمد أسيرا إلى سان لويس "اندر". واستشهد في الوقعة سيدي أحمد بن إبراهيم بن مگية السلموني..
عودة الأمير الى الامارة:
في أكتوبر 1913 م وبرغبة من أهل آدرار أعاد الفرنسيون سيدي أحمد إلى الإمارة مع إرجاع لقب الأمير إليه ووقعوا معه اتفاقية أعطوه بموجبها صلاحيات واسعة...
وخصصوا له ميزانية إدارية تقدر بعشرة أطنان من التمر ومنحوه حق اكتتاب رجال الأمن وتنصيب القضاة،
وفي سنة 1918 م اتهم الفرنسيون الأمير بإقامة صلات مع المقاومة في الشمال فاستدعوه إلى اندر وفرضوا عليه إقامة جبرية استمرت سنتين...
وعندما عاد إلى آدرار سنة 1920 م وجد أن الوضع قد تغير ولاحظ أن صلاحياته السابقة لم يبق لها أثر حيث ظهرت شخصيات سياسية جديدة فاستأنف المقاومة...
في مطلع 1932م ابتعد بحلتة نحو سهول أمقطير لتتابع سيرها شمالا فيما يعرف
بـ " الهجرة "
في 7مارس سنة 1932م أرسلت الإدارة الاستعمارية فرقة برئاسة الملازم أول "موسات" لإرجاع الحلة. عند وصوله إلى الحلة اخبر الضابط الأمير بأن حاكم دائرة آدرار يريد منه الحضور فورا الأمر مهم).
في تلك الليلة استطاع الأمير أن يضيف إلى صفوفه الرقيب أول الشيخ الكوري ولد المشظوفي والتخلص من الضابط الفرنسي وكان له ذالك...
_ 14مارس 1932م احتال الأمير سيدي أحمد وزملاؤه في اغتيال الضابط الفرنسي حيث جلس بقربه محمد بن اخطور العمني ينظف سلاحه وصاح حمدي بن الأگرع بالأمير قائلا:
"أيها الأمير أرسل أحدا يحضر لنا كبشا نذبحه" فأجابه الأمير "لقد آن الأوان" فكان في ذلك إشارة البدء بالهجوم على الفرنسيين، فسدد ابن اخطور سلاحه نحو الملازم وأصابه، وحمل عليه الأمير فأنهاه. وتابعت الحلة سيرها شمالا.
في صبيحة 19مارس 1932م جهزت السلطات الفرنسية كتبية بقيادة لكوك فلحقت بالأمير عند الگلب الأخضر قرب وديان الخروب وفي معركة غير متكافئة استشهد الأمير مقبلا غير مدبر رحمه الله وجميع المجاهدين يمكن الرجوع الى المقال كاملا: الامير المجاهد سيد احمد ولد احمد عيدة مسيرة جهاد من خلال الرابط التالي:
https://avaghfikria.info/archives/444
استعراضنا لمآثر الشريف سيدي ولد مولاي الزين الذي اغتال القائد الفرنسي كبولاني، في عملية استثنائية أظهرت تصميمًا عظيمًا رغم ضعف العدة والعتاد.
وأدوار الأمير سيدي أحمد ولد أحمد عيدة في قيادة المعارك ضد المستعمر، ومواقفه البطولية حتى استشهاده.
لايقلل من أهمية المقاومة الثقافية ومحافظتها على الهوية الإسلامية والعربية لموريتانيا، وتصديها للمد الاستعماري بأساليب تعليمية ودينية.
فمشايخ المحاظر بذلوا الكثير في التنفير من المحتل بخطبهم وفتاويهم فقد استطاعت المحظرة أن تكون حارسا أمينا وسورا منيعا في وجه المستعمر الفرنسي كمكمل لسلاحنا لغير متكافيء. بذلك شهد شاهد من أهلها: CRISTIAN LAGREيقول المسمي(كريستان لجرى) في رسالة سرية إلى الوزير المعني في فرنسا ما خلاصته:
« إن الأفارقة قلدونا في الملبس وفي كل شيء ماعدا موريتانيا التي تمثل الثقافة فيها أعلى مراقي المجد فما زالت لها مكتباتها(700 مجلد من شنقيط وحدها) ولهم قضاؤهم المستقل» ثم يقترح حلا لذالك الصمود, وهو زعزعة مكانة العالم, والمحظرة, وتشجيع أطفال المدرسة الحديثة بإعطاء المنح وفتح الكفالات وتوفير الملابس مجانا إلى أخر الاقتراحات.....
وبهذا لا يجوز أن نفرق بين مقاومة وأخرى فهؤلاء الذين قضوا بذلوا الغالي والنفيس في سبيل هذا الوطن على حين لم يفعل الأبناء شيئا يذكر غير القيل والقال.‼ في حق رموز سيعيشون في خلدنا إلى الأبد ويستحقون علينا أن نكرمهم ونعيد كتابة تاريخهم من جديد بعيدًا عن الروايات الشفهية ومصادر المستعمر، واستثمار الجهود الأكاديمية في جمع وتحليل المصادر المحلية...لا أن نتركهم لقمة سائغة لأذيال المستعمر والأقلام المأجورة... ‼
عندما تتنفس الحرية، تبدأ الشعوب في صياغة مصيرها بيدها. الحرية ليست هدية بل مسؤولية، وعلى كل جيل أن يثبت جدارته بها.
قد مات قـوم ومـا ماتـت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات.
الحرية ليست هدية بل مسؤولية.أجيال اليوم مطالبة بحمل الراية، لا فقط بالاحتفاء بالرموز، بل بالسعي إلى تحقيق النهضة الوطنية التي بذلوا حياتهم من أجلها.
فهؤلاء الأبطال الذين "ماتوا ولم تمت مكارمهم" يجب أن يظلوا حافزًا لنا لإحياء القيم والروح الوطنية التي تركوها إرثًا خالدًا.
تحية لكل قلم يكتب عن هؤلاء الأبطال، وكل جهد يسعى لإنصافهم وصون كرامتهم في ذاكرة الأجيال.