
في ثاني إفطاراته الرئاسية أعلن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إطلاق حواره السياسي الذي تعهد به في حملته الرئاسية، مذكرا بأنه حوار لا يستثني موضوعا، ولايلغي أحدا.
وليأخذ الحوار بعدا أكثر مؤسسية، فقد عين ولد الشيخ الغزواني السياسي موسى افال منسقا لهذا الحوار.
ينتمي موسى افال إلى تيار اليسار الموريتاني وهو أحد الشخصيات المهمة في تاريخ هذا التيار وفي حواراته التي نظم مع الأنظمة السياسية المتعاقبة على حكم موريتانيا منذ العام 1974 إلى اليوم.
يجمع العارفون بالرجل على حصافته ورجاحة عقله، وعلى الجدية التي يتمتع بها، وعلى أن عطاءه في الحوار سيكون مرضيا.
صحيح أن مشروع الحوار الذي أعلنه الرئيس استجابة لمطلب طرف من المعارضة، كما أنه لاقى ترحيبا من بعض أحزابها.
لكن الأسئلة الـأكثر إلحاحا تتعلق بالعائد التنموي على الموريتانيين خصوصا أن موريتانيا قد جربت سلاسل لا متناهية من الحوارات مكنت فقط مجموعة من السياسيين من تقاسم مكاسب ومناصب دون أن يتمكن الشعب من تجاوز أزماته التنموية ودون أن ينهض من قاع الفقر الذي يعيشه والذي يكتوي به يوميا.
في دولة المحاصصة القبلية والاجتماعية، الدولة التي يعتبر المسؤول أمانته مغنما يكرم من خلالها الصاحب والقريب..
فلا جديد في الحوار ولا نتيجة منتظرة منه، فالنظام الموريتاني يعيد تكرار ما كان يقوم به سلفه من حوارات جزئية أو شاملة هروبا من الإخفاقات الاقتصادية والتنموية إلى حوارات تمكن بعض المحنطين سياسيا والمخفقين جماهيريا من الحصول على مكاسب جزئية.
لقد جنت الحوارات السابقة على المكاسب الديمقراطية، من خلال تحويل الحضور السياسي إلى سباق مالي، دفع بمجموعة كبيرة من رجال الأعمال إلى البروز كقوة سياسية وتفكيرية تنوب عن الشعب الموريتاني وتحدد مصالحه، كما سمح للخطاب العنصري والفئوي بالترسيم والتموقع داخل المنظومة الديمقراطية من خلال محاصصة وكوتا عرقية وجزئية.
وفي أيام الرئيس الحالي اتفقت المعارضة والموالاة على أن استحقاقات العام 2023 لم تكن نزيهة ولا معيارية.
يرى البعض أن مظهر الإخفاق الأكثر وضوحا تعيين منسق للحوار لا ينتمي إلى أي معطى توافقي في موريتانيا، فهو من جيل سياسي يناقض ظهوره وتصدره للمشهد السياسي فكرة التمكين للشباب، كما أن مسيرته السياسية ظلت دائما في توفير الحلول الترقيعية للأنظمة من مستوى كبير من الغبش تجاه قضايا الهوية المركزية للبلاد.
في المقابل يعتقد البعض فشل الحوار من نجاحه مرتبط في جوهره بإرادة الرئيس وقراره النهئي، ثم تعاطي المجموعات الفاعلة مع رغبة الرئيس في الحوار.
يقول مقربون من الرئيس إنه لايقبل المساومة في أمرين أو لهما أمن البلاد وثا نيهما وحدتها الوطنية، لكن ربما غابت عنه بعض الأمور الأخرى، ومن حرصه على الوطن يرى أن أهل موريتانيا بحاجة إلى التوافق على الخطوط العريضة الضامنة لديمومة البلاد وحمايتها من التفكك والحروب الأهلية.
لذلك فإن مقاطعة بعض المجموعات للحوار السابق الذي تولى تنسيقه المهندس يحي الوقف، أفرغه من مضمونه ما استوجب توقيفه، حتى تتهيأ الظروف الموضوعية ل " قيامة الحوار"
ترى مالذي سيضفه الحوار الجديد إلى أزمة التعليم المتصاعدة، وضعف وقصور المنظومة الصحية، وهشاشة الإعلام ومحاصرته.
ما الذي سيستفيد منه المواطن في تخفيض أسعار البنزين، ومالذي سيكون له من فائدة في مواجهة الانهيار الأمني والجرائم اليومية وانتشار المخدرات بين صفوف من بقي من الشباب والمراهقين في ربوع الوطن..
ما فائدة الحوار وشركات الماء والكهرباء والاتصال تعكر صفو المواطن وتزيد همومه بغم، رداءة الخدمة وارتفاع التكلفة دون حسيب ولا رقيب..
إن حاجة البلاد اليوم إلى حوار مع المواطنين بشكل مباشر، أو بعبارة أخرى مع الناخبين، فلا يمكن ولا يستقر أن يظل المواطنون من كل حدب وصوب يصرخون مطالبين بالماء والكهرباء والصحة والتعليم والأمن، والتشغيل ومحاربة الفساد والابتعاد عن الزبونية، ليكون صدى صراخهم دعوة سياسيين لفظهم الزمن والناخبون لكي يجتمعوا ويتقاسموا بينهم المناصب والثروة والنفوذ..
ترى مالذي يمنع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من أن يفتح حوارا مع مواطنيه بشأن أزماتهم الحقيقية.
يوجد في بلدنا ثراء متزايد في الحوارات والآليات السياسية مع فقر شديد في العائد الفعلي على حياة المواطنين..