
في موريتانيا، حيث المياه شحيحة والصحاري شاسعة، صمد حيوان واحد أمام اختبار الزمن - إنه الإبل العربية.
على بُعد عشرة كيلومترات من مركز مدينة نواكشوط، ستجد ثاني أكبر سوق للإبل في العالم، حيث يُباع في المتوسط 250جملا في اليوم.
كان العام 2024، كما أعلنته الأمم المتحدة، السنة الدولية للإبل.
في يناير 2025، سافر المصور التونسي زياد بن رمضان إلى موريتانيا لتوثيق أهمية الإبل في الحياة اليومية لسكان البلاد. بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، عمل المصور في العاصمة نواكشوط، ثم في منطقة الترارزة، مسلطًا الضوء على التحديات التي تواجهها الإبل والرعاة في ظل تقلبات المناخ والتوسع العمراني المتزايد.
بالحديث مع عدد من الأفراد الذين يكافحون بنشاط التأثير القاسي على المجتمعات، تستكشف سلسلته كيف تتكيف البلاد اليوم.
يبلغ عدد سكان موريتانيا حوالي 5 ملايين نسمة. ووفقًا لآخر إحصاء أجرته وزارة الثروة الحيوانية الموريتانية في وقت سابق من هذا العام، فإن موريتانيا موطن لحوالي مليوني جمل عربي. وهي واحدة من 90 دولة في العالم تعيش فيها الإبل، ويعتمد سكان موريتانيا بشكل كبير عليها في حياتهم.
ومع ذلك، فقد أثبتت آثار تغير المناخ أنها تُغير مشهد تربية الإبل.
يوضح بن رمضان: "بسبب الجفاف، يتعرض إنتاج الثروة الحيوانية للخطر، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض العرض".
"يُعد الجمل عنصرًا أساسيًا في هذه المجتمعات"، يواصل حديثه عن عمله في المجتمعات المحلية في نيجيريا وموريتانيا. وأضاف أن قدرة هذا الحيوان على تحمل الحرارة وندرة المياه جعلت الإبل جزءًا أساسيًا من مرونة المجتمعات في المنطقة.
إلى جانب دورها الرمزي في القوة والمرونة في ثقافة وتقاليد موريتانيا، تلعب الإبل دورًا اقتصاديًا حيويًا كمصدر للحليب واللحوم والألياف والجلود ووسائل النقل. ولكن على الرغم من المرونة التي ترمز إليها للمجتمعات المحلية، إلا أنها ليست بمنأى عن تحديات ارتفاع درجة حرارة الكوكب وجفاف المناخ المتزايد.
ووفقًا لتقرير اقتصادي حديث صادر عن البنك الدولي، فإن الكوارث المرتبطة بتغير المناخ، وخاصة الجفاف والفيضانات، قد أثرت بشدة على آفاق النمو الاقتصادي في موريتانيا، مما أدى إلى تفاقم وضع الإبل.
يُجبر تقلص المراعي الرعاة الرحل إما على قطع مسافات أطول بحثًا عن المرعى والماء، أو لتوفير علف إضافي.
يشرح بن رمضان قائلاً: "تمتد الصحراء عبر موريتانيا، وأحيانًا، تصل المشكلة إلى حدّ اضطرارهم للذهاب إلى السنغال بحثًا عن المراعي".
واستجابةً لهذه التحديات البيئية، تكيّف العديد من الرعاة التقليديين من خلال دمج ممارسات الزراعة شبه المكثفة، مما أدى إلى ظهور مزارع الإبل شبه الحضرية على أطراف البلدات والمدن الموريتانية، مع انتقالهم إلى الاستيطان الجزئي أو الكامل. يقول بن رمضان: "يربّي الناس الإبل في المناطق الحضرية لسهولة بيع الحليب أو الإبل من الناحية اللوجستية"، مضيفًا أن ذلك أقل تكلفة من قطع مئات الأميال للعثور على المراعي.
وقد أدى هذا التحول إلى تكثيف الممارسات الزراعية، مع استخدام الأعلاف المركزة للإبل في هذه المناطق، واعتماد الحلب الآلي، وظهور مزارع الألبان الصناعية. وقد تزامن هذا مع الترحال الموسمي، أو التنقل الموسمي للماشية بين مختلف المناطق.
اضطر راعي الإبل أحمد مختار سالم إلى اقتراض المال من رجال أعمال محليين لتغطية تكلفة شراء العلف لقطيعه.
كرّس سالم حياته للإبل بعد وفاة والده واستقر في بوطلحية العام الماضي. هناك، يعتني هو وزوجته وأطفاله ووالدته بقطيع من الإبل العربية، وهو تقليد عائلي متوارث منذ أجيال. قال الرجل الأربعيني لبن رمضان: "أبيع بعد ذلك بعض الإبل لسداد دين العلف".
اضطر الرعاة الرحل إلى التكيف من خلال إيجاد مسارات رعي جديدة، لكن تحدي تغير المناخ لا يزال يهدد أسلوب حياتهم. لقد أدى الجفاف المستمر إلى انخفاض صحة الإبل وإنتاجيتها، مما زاد من صعوبة الحفاظ على سبل عيشهم وإعالة أسرهم.
أقامت السلطات الموريتانية شراكة مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لتحديث تربية الإبل وإنتاج الحليب، ويقول خبراء الصناعة إن هذه الجهود لا تعود بالنفع على اقتصاد البلاد وصحة مستهلكيها فحسب، بل تدعم الاقتصاد أيضًا بطرق مهمة أخرى.
وأوضحت فاطمة زايد المسلم، رئيسة تعاونية تيدوما، المتخصصة في جمع حليب الإبل ومعالجته وبيعه، أن معالجة حليب الإبل عززت الاقتصاد المحلي من خلال توفير فرص عمل للنساء الريفيات. وقال محمد سالم، منسق المركز الموريتاني لتنمية الإبل: "لا يزال الموريتانيون يعتمدون بشكل كبير على واردات الحليب". ونتيجة لذلك، أصبح إنتاج الثروة الحيوانية في طليعة البحث والاستثمار.
تأسس المركز عام 2016 بمبادرة من الحكومة الموريتانية ومنظمة الأغذية والزراعة، ويهدف إلى تعزيز إنتاجية الإبل مع التركيز على إنتاج الحليب والجبن والتقنيات الحيوية الإنجابية. ونظرًا لتحديات تحويل حليب الإبل إلى جبن، قام خبراء منظمة الأغذية والزراعة بتدريب علماء وفنيين، نقلوا معارفهم إلى المجتمعات المحلية. شمل التدريب مهارات أساسية، بما في ذلك تحسين ممارسات النظافة، بالإضافة إلى تقنيات المعالجة والحفظ.
فيفي افيجي، هي رئيسة مصنع ماتيس، وهو وحدة معالجة متخصصة في نسج المنتجات المشتقة من صوف الأغنام وألياف الإبل. أثناء رحلتها عبر الصحراء، شاهدت افيجي المجتمعات المحلية تتخلص من ألياف الإبل وتدفنها، مما أثار الفكرة. اقترحت استبدال الطعام بالألياف، وإحضارها إلى المدينة لتحويلها إلى سجاد.
قالت إفيجي وهي تتجول في موقع ماتيس النابض بالحياة: "الصوف نظام تجاري متكامل في موريتانيا". ما بدأ كحل بسيط سرعان ما تحول إلى نشاط قيّم لا يدعم الاقتصاد المحلي فحسب، بل يقلل أيضًا من الهدر، ويعرض تراث موريتانيا الغني في مجال النسيج، ويوفر سبل العيش لعدد كبير من النساء.
مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تزداد أهمية الإبل لضمان الأمن الغذائي وسبل العيش في موريتانيا.
إن حماية هذه الحيوانات الحيوية والترويج لمنتجاتها لن يساعد فقط في تأمين سبل العيش المجتمعية، بل سيعزز أيضًا فرص العمل المستدامة والمساواة بين الجنسين. بالنسبة لأحمد مختار سالم، وفاطمة زايد المسلمين، وفيفي افيجي، وغيرهم الكثيرون، فإن الجمل ليس مجرد حيوان، بل هو شريان حياة يربط التقاليد القديمة بالمستقبل، ويساعد على استدامة المجتمعات في عالم سريع التغير.
أصل الخبر
Documenting the Dromedary Camels of Mauritania | Magnum Photos
