
لم يكن المشروع الضخم الذي أعلنت عنه الحكومة بعصرنة نواكشوط، على ما يبدو إلا حلما لافي الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ..، فهاهي العصرنة تأخذ مسارا آخر، عبر تضخيم وترسيخ الخلل، وهاهي الخدمات الأساسية تهبط إلى الحضيض.
ربما يفوت المسؤولين الكبارأنه توجد أحياء كبيرة جدا في العاصمة نواكشوط، تعاني من العطش وكثرة الانقطاعات واستمرارها، يمر على ذاك المشهد الهِلَالِ، ثُمَّ الهِلَالِ، وأن انقطاع الكهرباء أصبح تعويذية صباحية ومسائية ورفيق درب شاي الصباح ووجبة الغداء.
هل يعرفون أن المؤسسات تتعطل بشكل دائم بسبب انقطاع الكهرباء، وأن شركات الاتصال التي تتربح من كل حرف يهمس به موريتاني، قد هبطت خدماتها إلى الحضيض، وأن الوصول إلى الشبكة الآن أصعب مما كان عليه في أي وقت مضى.
ينضاف إلى هذا شكوى دائمة ومتواصلة من الجريمة التي تأخذ أكثر من بعد فوضوي وعنصري.
فهل هنالك بالفعل من يتلاعب بالوزير الأول ويريد أن يحول برامجه النوعية على الأقل في شعاراتها وأحلامها إلى هراء وإخفاقات، وهل هنالك جهة خدمية تريد أن تنتقم من المواطنين، وتحرضهم على الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يتعامل بمرونة هائلة مع المفسدين الذين يعملون على تدمير وتشويه صورته لدى المواطنين..
لم يكن يوم السبت الأسود الموافق 21 يونيو استئناء في الانقطاعات الكهربائية المتواصلة بل كان نموذجا متكاملا لما هو قائم من سوء الخدمات الجوهرية المقدمة من شركات الكهرباء والماء والاتصالات..
تصور أن إشارات المرور توقفت واعمال الشركات تعطلت ومصالح المواطنين، كل ذلك واكثر بسبب سوء حكامة شركة الكهرباء طيلة يوم كامل بسبب الفساد والإهمال، وفي نهاية اليوم الحزين تطالعك شركة الكهرباء ببيان ممجوج ومكرر عن أسفها على ما حصل، وعن خروج الموضوع عن كامل وعيها وإرادتها وأن السبب هو الخلل الكبير في سد كذا نفس الشماعة التي لطالما تغنت وتعللت بها شركة المياه، متناسين أن العطار لايصلح ما أفسد الدهر.
لوكانت هناك إرادة جادة في هذه المؤسسات لكان هناك بديل جاهز ولاتخذت الإجراءات الكفيلة كي لا ينقطع الكهرباء للحظة واحدة.. والعالم من حولنا خير شاهد، لكن القائمين على هذه القطاعات ربما يدركون أن انعدام الكهرباء أو بقاءه لايترتب عليه كبير جزاء ولاعظيم عقوبة، فقد مر بهذه الشركات المتعثرة اكثر من شخص ومع عدم حدوث تغير في السمت والنهج، اللهم إذا استثنينا تضاعف الفواتير بحجة ارتفاع اسعار النفط عالميا.. وجد البعض طريقه مفروشا بالورود ليكون "مؤازرا بالفال" للمجتمع، رغم أن لاتغير يذكر في مسار عمل هذه الشركات..
فهل يمكن أن نتحدث عن الاستثمار والتنمية والمواطن العادي لايحصل على ابسط أنواع الإنارة، رغم الاستثمارات التي تجاوزت المليار أوروا في قطاع الطاقة حسب أحد الوزراء.
الجزيرة ذكرت أن أسعار الكهرباء في موريتانيا تصنف بأنها الأغلى في المنطقة.
شركة الماء أو قطع الماء لاتقبل أن تسبقها شقيقتها فهي تباري الرياح في تردي الخدمات وسوء المعاملة وارتفاع التكاليف بلاسبب..
قالت محكمة الحسابات كلمتها قبل فترة عن الواقع المر في شركة الكهرباء.. وقالت سلطة التنظيم كلمتها في قطاع الاتصالات.. وينتظر المواطن العادي من الحكومة قلب الطاولة على كل الشركات التي لا تتمتغ بالموثوقية..
لنغض الطرف عن كل ذلك، فهل يفرض على المواطنين أن يدفعوا من صحتهم وجيوبهم فواتير الظلام والمرض والجوع والعطش و الفقر، مقابل أن تظل عائدات مؤسسات كبيرة قائمة ومستقرة.
وفي احسن الحالات يتباهي الوزير الأول بارتفاع عائدها المادي الذي قام على عرق ودموع المساكين والمغلوبين على العطش والظلام..
لا نعرف بالتحديد ماذا يعد المسؤولون للدار الآخرة من الجواب، بعد أن ملأوا الأرض قصورا وأموالا، والعباد مهانة ومذلة، والبلد فسادا..
فهل ياترى يعرف المبعوثون أنهم مبعوثون ليوم عظيم..