المساجد في ولايات النهر..رافد تعليمي وبعد رمزي في مهب الضياع  

المساجد في ولايات النهر..رافد تعليمي وبعد رمزي في مهب الضياع  

أحد المساحد بكوركل المساجد بيوت الله في أرضه، محارب الذكر والصلاة، ومنارات الهداية والإرشاد، و فضاءات التعلم والتعليم، ومنابر لأخذ الرأي والمشورة، تلك رسالة المسجد الجامعة وهكذا ينبغي أن يستمر عطاؤه..لكن في قرى ومدن النهر تبدو الصورة مغايرة بعض الشيئ عندما تحتضن المساجد المحاظر القرآنية وتوفر ملاذات لطلابها، وللأئمة دورهم في التوجيه والقيادة وإصلاح ذات البين.

فيما لا تنقطع أصوات التلاوة والذكر من مكبرات المساجد أوقات الفجر والسحر، فتعبق الأفق بشذاها الندي وتمرع القلوب بعد طول هجوع وسبات..إنها إحدى الصور الأكثر حضورا للمسجد في قرى الضفة فماذا عن الجوانب الأخرى من الدور الرسالي للمسجد؟؟!!

 

الرباط والمصلى

مسجد قرية بغداد على مقربة من بوكى يستجدي الترميم والإصلاح في قرية التوفيق الغربي 36 كم على طريق روصو تعد المحظرة جزء من المسجد مما يربط الطلاب بصلاة الجامعة، ويشكل إحياء ومرابطة خارج أوقات الصلاة ،حيث لا يجد بعض الطلاب أفضل من باحات المساجد أروقتها للحفظ والاستظهار ،يعلق مدرس المحظرة الشاب محمد الأمين أحمدو الذي انتدبته جمعية البركة كأول مدرس مقيم بالمحظرة القرآنية التي تعرف إقبالا منقطع النظير، ومن مختلف الأعمار.

أطلال مسجد مهجور بقرية لبيرد وهو أول مسجد بالقرية يشير المدرس محمد إلى العدد الكبير للطلاب المتحلقين حوله ،ومن بينهم صغار لا يزالون في مرحلة التهجدي، وكبار يحاولون بصعوبة قراءة الفاتحة ،وهو يقول: تصور لوكان العدد في حدود 30طالبا فقط لكانت الاستفادة أفضل، وعملية التعلم أسهل، ورغم ذلك يعول المدرس على مساعدة كبار الطلاب في عملية التحفيظ والمراجعة.

في قرية لبيرد القريبة لا تزال أطلال أول مصلى بالقرية شاهدة على موقعه المتميز بين المساكن ،ليسهل الوصول إليه ويكون أول ما يتراءى لزائر، تقليد متعارف لدى العديد من قرى المنطقة.

ومع التوسع العمراني قد تجد أكثر من مسجد في القرية الواحدة، لكنه توسع محكوم برغبة السكان واجتهادات بعض جماعات التصوف والدعوة في أن يبقى المسجد مظلة إخاء، وعنوان تسامح، فيأخذ اسم جماعة المصلين به، كمسجد الدعاة أو الصوفية ،لكن يظل المسجد الجامع وحده الذي تقام به صلاة الجمعة ،وأول المساجد بناء كما يشرح محمد سالم ولد عبد القادر من نفس القرية.

 

مطالب متكررة

مساجد كيدماغه والنمط المعماري المتميز وفي قرى عديدة يكون المسجد هو النواة الأولى للمحظرة القرآنية ،كما يقول عمر ولد أعبيد من قرية "سكام 2" وهو يقودنا للتعرف على الأضرار التي تعرض لها المسجد جراء الأمطار الأخيرة، وتؤكد حاجته للترميم وتجديد الطلاء والأفرشة والصوتيات، وهو ما يرى أنه نقطة تقصير لدى كثيرمن الهيئات الخيرية ،والتي تكتفي بتشييد المساجد وفق معايير متطابقة ومقاسات محددة ،ولا تهتم بعد ذلك بعمليات الترميم والإصلاح.

ويرى ولد أعبيد أن بعض المساجد توجد بها أقسام لاستقبال طلاب المحاظر، لكن الكثير منها مجرد مصليات لا تتسع لهذا الغرض، وغير مهيأة لأداء هذا الدور. مما يضطر المدرسين لاتخاذ أعرشة أو بيوت مهجورة لاستقبال الطلاب، وكمقرات مؤقتة للمحاظر.

في قرية بغداد 5كم من بابى يقول إسلم ولد أمبيريك إن مسجد القرية أصبح في حالة يرثى لها بعد تهاطل الأمطار الأخيرة التي كادت أن تقتلع صفائح الزنك التي تسقفه ،كما حفرت مياه الأمطار أخاديد عميقة في جدرانه، وليس لدى السكان أية حيلة لترميمه لذا يناشد الخيرين والسلطات سرعة مد يد العون والمساعدة لترميم المسجد وإصلاح ماتلف منه.

وعلى بعد أمتار من المسجد المذكور لا زال المصلى القديم والذي هو مجرد غرفة صغيرة محتفظا بكل أبهته بين بيوتات القرية المتواضعة، كما يحتضن كتّابا صغيرا لتحفيظ القرآن يتولى الإمام العالم ولد حمود التدريس فيه ويطلق على المسجد اسم مسجد التوفيق والمحبة.

 

أسماء متغيرة..

في قرى عديدة لا يميز بين المساجد سوى عبارتي المسجد أو الجامع، باعتبار الأخير أقدم في البناء وأكثر جماعة ولا أحد هناك يقبل بإطلاق مصلى على مسجد قريته، وحتى الجمعيات الخيرية التي غالبا ما تتولى مهام تشييد المساجد في قرى الداخل الموريتاني لا تولي عناية للموضوع، فشواهد التدشين المنصوبة بعناية على الواجهة لا تحمل أسماء محددة للمساجد، بل تمنحها اسم المتبرع ولا تعير اهتماما لما سيتعارف عليه السكان بعد ذلك كهوية جامعة لمسجدهم ،تلك الهوية التي غالبا ما تكون مرجعيتها فئوية أو جهوية وحتى "آيديولوجية" ونادرا ما تكون جامعة وفق الكثير من الأئمة الذين التقاهم موفد الفكر.

 

بعد حضاري

في العديد من قرى ومدن غورغل وكيدماغه تأخذ المساجد طابعا عمرانيا خاصا مستوحى من العمارة الإسلامية، كما تلمس اهتماما خاصا لدى السكان بزخرفة المساجد والتطاول في بنائها مما يعكس بعدا حضاريا، واعتزازا بالهوية لا نجد له مثيلا في باقي ولايات الوطن، مظهر حضاري ينبغي أن يترك بصماته على مختلف مظاهر الحياة في هذه المدن والقرى التي يعيش بعضها ظروف فقر مدقع،وفوضى في التخطيط العمراني من خلال بناء أكثر من مسجد في حي واحد، مع إغفال الدورالرسالي للمسجد في التعليم والدعوة والتوجيه، وأن لا يكون مجرد واجهة لهذه الجماعة أو تلك يعلق الإمام إسلم ولد مولود عضو رابطة العلماء بسيلبابي.