ورش استخلاص الذهب بالشامي..أسرارخاصة ومتنفس لسوق العمل (تقرير)

ماكنات طحن الحجارة وورش استخلاص الذهب

على أطراف مدينة الشامي تترامي عشرات ماكنات طحن الحجارة وورش استخلاص الذهب، يحيط بها سور من الأسلاك الشائكة ..إنه المكان الذي اختارته السلطات لتجميع الأنشطة التعدينية المرتبطة باستخلاص ومعالجة المعدن الأصفر ،والتي تستقطب كل يوم مئات العاطلين والباحثين عن حلم الثراء السريع من داخل البلاد وخارجها.

ورش الطحن والمعالجة

من داخل إحدى الورش التي تضم ثلاث ماكنات تعمل بشكل دائري يتسع صحن كل منها لثلاث أكياس من الحجارة ،يجري إفراغها قبل أن تغمر بالمياه وتخلط بحوالي لتر من مادة الزئبق ذات الكثافة العالية، تعمل على ترسيب نترات الحديد والذهب في حوض جانبي مغمور بالمياه، وما إن تتحجر هذا الترسبات حتى يتم تجميعها ،ويوقد عليها حتى تتمايز جزيئات المعدن النفيس ،وتصهر في شكل قطع معدنية أو سبائك قبل أن تأخذ طريقها للبيع..خطوات حفظها عن ظهر قلب الشاب أحمد سالم السالك ،الذي يتولى إدارة الورشة منذ أزيد من أربع سنوات.

على بعد أمتار قليلة تنزل إحدى السيارات الرباعية حمولتها من أكياس الحجارة المجلوبة من أقرب مقلع للحجارة ،على بعد 60كم،فيما يكابد الحمالون لإنزال كل خنشة معتمدين على أعمدة خشبية معدة لمثل هذه الحمولات الثقيلة،..بينما كان هدير المولد الذي يؤمن الطاقة للورشة يصم الآذان عندما يتردد صداه، مع عشرات المولدات الأخرى المحشورة في حيز ضيق.

 

تلوث سمعي وبيئي

أعمدة الغبار المتصاعدة عند كل عملية تفريغ تدثر المكان بلون بني من مسحوق الحجارة ،قبل أن يتحول إلى محلول غامق ولزج بفعل المياه والزئبق.

بأيد عارية ووسائل بدائية يتابع العمال في كل ورشة أعمال المعالجة والتصفية ،وهم يجهلون –على ما يبدو المخاطر الكامنة في أعمال التصفية ،ولا ينتبهون إلا للمخاطر الناجمة عن استنشاق الأبخرة السامة أثناء حرق الزئبق ،والتي تستدعي مجرد وضع كمامة على الأنف..كما يقول أحدهم.

عمال بسحنات أجنبية يبدون حذرهم من كاميرات التصوير، خشية أن يكون لها علاقة بشركة معادن موريتانيا التي تدير هذه الورش، شأنهم في ذلك شأن الكثيرين الذين رفضوا التحدث خوفا على من تعرضهم للتصنيف أو المضايقات.

ومن أمام السور الخارجي يرابط عناصر من الشرطة رفقة موظفين من الشركة للتأكد من تسديد 300أوقية عن كل خنشة حجارة.

يتوقف السائق السالك ولد سيد أحمد في طريق عودته إلى مقاليع الحجارة ،وبعدما أفرغ حمولته ليقول إن أشد ما يعاني منه المنقبون ما وصفه بإتاوات الشركة، والتي لا يرى أي خدمات في مقابلها، فلا كهرباء لدى ورش التصفية، والطرق تشكو الإهمال، وهناك مضاربات في أسعار المواد الأولية وكافة الخدمات وفق تعبيره.

 

ركود وكساد

يتحدث العمال عن ركود في النشاط التعديني بالشامي هذه الأيام، فالعديد من ماكنات الطحن معطلة،ويخيم الصمت على كثير من مولدات الطاقة التي لم يجد أصحابها ما يجدد نشاطها، بعد فترات الإغلاق الطويلة بسبب وباء "كورونا"، وفي ظل الحديث عن حظر التنقيب في المنطقة المعروفة بتفرغ زينه وإلحاقها بتازيازت.

ومع ذلك لا زالت الحجارة تستجلب من محافر "تجريت، وأخنيفسات ،وانتالفة، ولعكيلة ،وفي رحلات تمتد لأكثر من 5 ساعات من مناطق التنقيب وفق قول السائق ولد سيد أحمد.

عامل آخر وراء حالة الركود التي تعيشها ورش المعالجة ،وهو ما يتردد من شائعات حول عزم السلطات تحويل الورش إلى منطقة قرب منشئات شركة تازيازت ،وتجري تهيئتها لاستقبال الأنشطة التعدينية المرحلة من الشامي ،كما يشرح محمد الأمين ولد النجيب ،وهو يشير إلى أكوام من مخلفات مطاحن الحجارة ،والتي أصبح تدويرها وبيع الحمولة منها ب300ألف أوقية هو النشاط الوحيد لأصحاب بعض الورش في ظل حالة الركود التي تخيم على أعمال المعالجة والتصفية هذه الأيام على حد تعبيره.

 

مطالب واتهامات

ليس التصدي لإتاوات شركة المعادن وحده ما يؤرق عمال الورش، بل توفير الطاقة الكهربائية التي تحتاجها مكانات الطحن بدل الاعتماد على مولدات تعمل بالبنزين، وتلوث البيئة بالدخان والضوضاء ،فيما لا توفر الشركة بدائل آمنة للتخلص منها في حال تعطلها، كما تشهد لذلك أكوام المولدات التالفة التي باتت تشغل أجزاء من وسط المدينة، وتشوه المظهر الحضري لها يعلق أحد العمال.

في الطرق الفرعية وداخل الشامي لا ترتبط معروضات المحلات والدكاكين بشيئ أكثر من ارتباطها باحتياجات الورش من قطع الغيار، والمواد التموينية التي يحتاجها العمال ،لكن الشكوى تظل دوما في غلاء الأسعار وتدني الجودة أحيانا ،خاصة في حال وجود مواد محظورة، لا يجري تداولها إلا في ظل احتياطات وأجواء من الثقة، كمادة الزئبق المحلول الأكثر استخداما في ورش المعالجة ،والذي يتهم المنقبون أصحاب الورش باستخدام نوعيات مزورة منه لا تسمح بالكشف عن الحجم الحقيقي لما تحمله الحجارة من الذهب ،كما يقول الشاب محمد الأمين النجيب الذي يحمل الشركة مسؤولية التستر على استخدام هذا المحلول في الورش التي تديرها ،وتجني منها الإتاوات الباهظة على حد تعبيره،فلا تكتفي الشركة باستخلاص 300أوقية قديمة عن كل خنشة بل تفرض رسوم تشغيل على الماكنات تصل 200000أوقية سنويا عن كل ماكنة.

أما مطلب العمال الأكثر إلحاحا فهو تنظيم العمالة الوافدة ،حتى لا تضايق العمالة الوطنية مع توفير بيئة عمل صحية وخادمة، تقلل من الاحباطات التي يعانيها السكان بسبب الغلاء وهشاشة الخدمات الأساسية كالاتصالات والكهرباء والمياه، وكذا قساوة الظروف المناخية ،في واحدة من أكثر مناطق الوطن تصحرا وتأثرا بعوامل التعرية، بفعل التيارات الهوائية ودومات الرياح التي لاتهدأ حتى تهب من جديد يعلق أحد العمال.