الألغاز في دالية الألغاز: عز الدين بن ڭرَّاي بن أحمد يورَ

*#حديث_الجمعة*

 

تُحيل دالية الألغاز في الأوساط المحظرية والثقافية الموريتانية إلى قصيدة روِيُّها الدالُ، وبحرُها الطويل، وعددُ أبياتها يزيد على المائة، جمع فيها العلامة محمد فال "بَبَّهَا" بن محمذن بن أحمد بن العاقل بعض الألغاز الفقهية على طريقة الإمام برهان الدين إبراهيم بن فرحون المدني المالكي المتوفى عام سبعمائة وتسع وتسعين للهجرة في كتابه المسمَّى "درة الغوَّاصْ في مُحاضرة الخَواصْ". 

وقد تناولت القصيدةُ مختلفَ أبواب الفقه من عبادات ومعاملات. وقد دأب الأستاذ أحمد بن النِّينِّي حفظه الله ورعاه على الاستشهاد بمختلف أبيات هذه القصيدة في البرامج الفقهية على أثير الإذاعية الوطنية. وقد وضع لمرابط "بَبَّهَا" عليها شرحاً فتح فيه مغالقها. 

افتتَح لمرابط "بَبَّهَا" داليتَه بمرثية لابن عمته العلامة الأديب محمذن بن عُمر بن الأديب الفاضلي، ولربما كان سبب ذلك أن وفاة العلامة محمذن صادفت نظمَه للقصيدة فاغتنم فرصة حضور موسيقى قافيتها فنسج على مِنوالها وضمَّن المرثية في داليته على وجه التيامن بذكر هذا العلَم الأغر، فقال:

ألا حَيِّ دورا بالأبيتر من دَعْدِ
عفتها راويا الدلو بعدك والسعد

وبالوهد وهد البير دوراً مُحيلة
لدَى حيث قل الطلحُ من ذلك الوهدِ

فأصبحنَ لا يعرفن إلا توهماً
وصرف الليالي عهدهُ أكذبُ العَهْدِ

تحلَّتْ بِمَيٍّ بُرْهة ثم عُطِّلت
فما ثَمَّ مِن مَيٍّ ولا ثَمَّ مِنْ دَعْدِ

كما قد تحلَّت بالأديب مُحِمَّذٍ
سليلِ الأديب ذي المآثر والمجد

يفوح علينا كل يوم بشيمة
كما فاح من ورد البطاح شذا الورد

يُفاكِهنَا منه بِسِحْرٍ مُقَرْقَفٍ
فهل ذقت مشمول المُدَاهن بالشَّهْدِ

عليه سلامٌ لا يبيدُ ورحمةٌ
وأمنٌ له في اللحدِ ما دام في اللحدِ

وبوَّأهُ يوم الحساب إلهُه
مبوأ صِدْقٍ في ذُرَا جنة الخلد

وبعد المرثية، استعار الناظمُ للمسائلِ العلمية المُلغَز بها بعُونٍ مقصورات في القِباب جدهن الإمام مالك رضي الله عنه حيث يقول.

أَعِنِّي على برقٍ أراهُ على البُعْدِ
يُضيء حَبِيًّا مثل حاشية البُرْدِ

وَعُونٍ قصيراتِ الحِجال عَزيزةٍ
لها مالكٌ جَدٌّ فحسبُكَ مِن جَدِّ

وعلى غرار تدوينة كتبتها قبل سنوات بعنوان "الشوارد في الشوارد"، ارتأيت أن أكتب أخرى بعنوان "الألغاز في دالية الألغاز" على أن تتضمن تقديماً لمُختاراتٍ من تلك الألغاز مع نظم المؤلف وبعض شرحه لها. فدونك ذلك:

وماءٌ طهورٌ خالطوه بِطاهِرٍ
كجرعة شَهد قد تنجس بالشَّهْدِ

والمراد به الماء المطلق الذي في جلد ميتة قد دبغ؛ فإنه متى تغير بشيء طاهر أو نجس تنجس، ولا مفهوم لقوله: بجرعة شَهد، بل كذلك لو تغير بلبن أو غيره، وقوله: كجرعة شهد مثال.

وخمسةُ أميالٍ يرَون تيمماً
بها لمُصَلٍّ غيرَ مُجْزٍ ولا مُجْدِ

والمراد بها أرض ثمود وهي خمسة أميال، فقد نص ابن العربي في أحكام القرآن أنها لا يجوز التيمم منها لكونها أرض غضب وسخط.

وفرضُ مُصَلٍّ أبطلتُه إشارةٌ
أوَ أبْطَلَـهُ منهُ التفاتٌ بلا قَصْدِ

أو أبطله إن كان منه تكلمٌ
يسيرٌ وسهوٌ كان مِنهُ بِلا عمدِ

فالفرض الذي تبطله الإشارة فرض الأخرس؛ لأن إشارته هي كلامه، وأما الفرض الذي يبطله التفات بلا قصد، فهو المصلي مسامتا للكعبة في المسجد الحرام، فإنه متى التفت عنها بطلت صلاته، وصحت صلاة من التفت بجسده كله عن القبلة وقدماه إليها، خصه عبد الباقي لغير مكة، وأما الفرض الذي يبطله الكلام سهوا، فهو الذي أشار إليه خليل بقوله في البناء في الرعاف: فيخرج ممسكا أنفه ليغسل إلى قوله: ولم يتكلم ولو سهوا.

وشخصٌ إذا صلَّى إماما صلاُتـــه
تصحُّ، وإن يأتمَّ تبطلْ فلم تُجْدِ

أشار بالبيت إلى أن من كان أصم وأعمى إن كان عالما بأحكام الصلاة تصح إمامته، وإن كان مأموما لا تصح؛ لأنه لا يبصرُ أفعال الإمام ولا يسمع أقواله.

وكِلْمَةٌ إن تنطقْ بها تكُ بتةً
لزوجتك الحسناءِ يا ابنَ أخِ الأزدِ

وإن أنت لم تنطق بها كنت مُبطلا
صلاتَك عمدا فاجتنب ساحة العمد

وذلك كمن حلف بطلاق زوجته ثلاثا ألا يكلم فلانا أبدا، ثم ائتم به في فرض، فأسقط آية من الفاتحة، فإن فتح عليه المؤتمُ حنث في يمينه على ترك الكلام معه، كما نص عليه خليل في باب اليمين، وإن لم يفتح عليه بطلت عليه لأنه كمؤتم بعاجز عن ركن، وقيل لا تبطل إلا على القول بوجوب الفاتحة في كل ركعة، وأما الإمام فلا تبطل عليه كمن طرأ عليه عجزه عن ركن.

ورهطٌ أتَمُّوا الفرضَ بعدَ ثلاثةٍ
وقد أحرموا من قبلُ بعد خَساً فَرْدِ

سأل في البيت عن جماعة افتتحوا الصلاة خلف إمام واحد، وأكملوها خلف ثلاثة أئمة، مجتمعين في مسجد واحد، وذلك إذا سبق الإمام الحدث فخرج ولم يستخلف عليهم أحدا، فاستخلف جماعة رجلا، وجماعة رجلا، وجماعة رجلا، وأتَمَّ كُلُّ إمام بجماعته، فالصلاة مجزئة، قاله ابن فرحون، وخَساً في البيت بمعنى فرد.

ومن إن أتمَّ بالإمام صلاتَــه
ولم يكُ عنه قد تخلَّفَ لم تُجد

سأل عن مأموم صلى خلف إمام إن أكمل صلاته معه بطلت، وإن أكملها منفردا صحت، وجوابه أن هذا الإمام مستخلَف بفتح اللام مسبوق، وفي الجماعة مسبوق مثله، فإذا قام المستخلَف المسبوق بعد فراغ صلاة الإمام لقضاء ما فاته، وقام المسبوق الآخر لقضاء ما عليه، فإن أتم بالمستخلَف بطلت على المشهور، وإن صلى لنفسه صحت.

وغَسْلٌ لِمَيْتٍ مُشْرِكٍ مَعْ صَلاتِنا
عليهِ بِلا مَنْعٍ لِذاكَ ولا رَدِّ

وذلك إذا اختلط المسلمون بالكفار، ولم يُمَيَّز المسلمون، فإن الجميع يغسلون ويُصَلَّى عليهم، وينوي بالصلاة على المسلمين.

ومُعتَكِفٍ له أجازوا بِمسجدٍ
صحيحاً ضُحًى أنْ يأكُــلَ التَّـمْرَ بِالزُّبْـــدِ

وهذا رجل كان مريضا وخرج من اعتكافه إلى بيته، فلما صح لزمه الرجوع إلى المسجد، فرجع مفطرا، فلا يلزمه أن يكف عن الأكل في بقية يومه، وكذلك الحائض إذا خرجت للحيض ثم طهرت فرجعت عقيب طهرها، لا يلزمها الكف عن الأكل بقية يومها.

وذاتُ اعتدادٍ من وفاة صحيحةٌ
أجازوا لها مَسَّ الكباءِ مَعَ الرَّنْدِ

الكبا والرند نوعان من الطيب، فالمعتدة من الوفاة إذا غسلت زوجها، ولم يجد من يحنطه، فإنه يجوز لها أن تحنطه وتمس الطيب كما في ابن يونس.

وما حدثٌ لا يبطلُ الفرض سبقَــه
ويبطله إن كان منه على عَمْدِ

وهذا فيمن لم يجد ماء ولا ترابا، فإن سبق الحدث لا يضره، وأما تعمده له فإنه يضره؛ لأنه رفضٌ للصلاة بخلاف الأول، قاله ابن فرحون.

وكفارة مِن بَلْعِ شَيءٍ لِصَائِمٍ
وليس القضا معها وذا البلع عن عمْدِ

وهذا إذا أخذ الصائم في نهار رمضان حصاة من الأرض وابتلعها، قال ابن القاسم يكفر في العمد ولا يقضي، فكل مسألة تلزم فيها الكفارة يلزم فيها القضاء إلا هذه المسألة، وأما النواة إن ابتلعها فإنه يكفر ويقضي، والفرق بي النواة والحصاة أن النواة طعام كما في التوضيح.

وأمردُ جلد ليس يرمل طائعا
طواف قدوم عكس صحبته المُرْدِ

المراد بالأمرد الجلد الذي لا يؤمر أن يرمل في طواف القدو م، هو الرجل إذا حج عن المرأة، فإنه لا يرمل؛ لأن الحاج يتنزل منزلة المحجوج عنه، والنساء ليس عليهن رمل، قاله ابن عبد السلام في شرح ابن الحاجب.

وعقدٌ لِبَيعٍ في صلاتك واقعٌ
وصحت وصحَّ فعل ذلكم العقدِ

وذلك إذا كان البيع معاطاة، وأشار برأسه في الصلاة إشارة خفيفة إلى إمضاء البيع.

ودفعك شيئا غير مثل وقيمة
جزاءً لما أتلفت لابن أبي الورد

أي رجل أتلف شيئا لشخص وعبَّر عنه بابن أبي الورد ولزمه ضمانه بغير قيمة ولا مِثلي وهو لبن المصراة فإنه يُعطي صاعا من تمر كما جاء في الحديث الصحيح أو من غالب القوت.

وما هِبَةٌ ممنوعةُ الرَّدِّ عندهُمْ
وعاريةٌ كتلك ممنوعةُ الرَّدِّ

فالهبة التي يجب على الموهوب قبولها ويمنع عليه ردها هبة الماء له لوضوئه فيلزمه قبولها على المشهور قبولها لخفة المنة في ذلك والعارية التي يجب قبولها ولا يجوز ردها هو العريان إذا أعاره رجل ثوبا يصلي به وجب عليه قبولها منه.