6. وهو وسط بين الذين يؤمنون بالعقل وحده مصدراً لمعرفة حقائق الوجود، واثبات القديم، ومعايير الحق والخير، وبين الذين لا يؤمنون إلا بالوحي والإلهام، أو النص الديني، ولا يعترفون للعقل بدور في نفي أو إثبات.
ولقد كان من حكمة الله تعالى أن اختار الوسطية شعاراً مميزا لهذه الأمة التي هي آخر الأمم، ولهذه الرسالة التي ختم بها الرسالات الإلهية، وبعث بها خاتم أنبيائه، رسولاً للناس جميعًا، ورحمة للعالمين.
الوسطية أليق بالرسالة الخالدة:
عجزالإنسان عن إنشاء نظام متوازن:
وهذا التوازن العادل في الحقيقة أكبر من أن يقدر عليه الإنسان؛ بعقله المحدود، وعلمه القاصر، فضلاً عن تأثيرميوله وأهوائه، ونزعاته الشخصية، والأُسرية والحزبية، والإقليمية والعنصرية، وغلبتها عليه من حيث يشعرأو لا يشعر. ولهذا لا يخلو منهج أو نظام يضعه بشر - فرد أو جماعة - من الإفراط أو التفريط، كما يدل على ذلك استقراء الواقع وقراءة التاريخ.
فلمّا كان وسط الشيء أفضله وأعدله جاز أن يقع صفة، وذلك مثل قوله تعالى: { وَكَذلِكَ جَعلَنَاكُمْ أمَّة وَ سَطا} [البقرة:143] أي عدلاً، فهذا تفسير الوسط وحقيقة معناه، وأنه اسم لما بين طرفي الشيء وهو منه".
قال الزّجاج في قوله تعالى: {وَكَذلِكَ جَعلَناكُمْ أمَّة وَسَطا} [البقرة:143]: فيه قولان: قال بعضهم: أي عدلاً ، وقال بعضهم: خيارا، واللفظان مختلفان والمعنى واحد؛ لأن العدل خير والخير عدل.
وقد أطال العلامة الزبيدي النفس في شرح المادة "وسط" من القاموس، بحيث استغرقت في كتابه "تاج العروس" ست عشرة صفحة بحسب طبعة الكويت، ونقل عن أئمة اللغة والشراّح نقولاً مهمّة تجلي المفهوم وتزيده وضوحاً. قال رحمه الله نقلاً عن ابن برّي:
رفض بعض المتدينين منهجنا الوسطي وعودتهم إليه وتبنيهم له:
وكان بعض المتدينين قبل عدة سنين يرفضون هذا المنهج، ويتهموننا –نحن دعاة الوسطية – بالتساهل في الدين، والتفريط في أحكام الشرع، على حين يتهمنا العلمانيون والحداثيون والماركسيون وأمثالهم بالتشدد والتطرف! وهذا شأن الوسط دائماً، يرفضه الطرفان: الغلاة والمقصرون.