هناك قفزة تكون في آخر السباق يعرفها العدّاؤون والمتسابقون، وهذه القفزة كثيرًا ما قدَّمت أقوامًا وأخَّرتْ آخرين، فمن كانت قفزته صحيحة قوية سبق وفاز، ومن كانت قفزته ضعيفة عَبَثِيَّة تأخَّرتْ مرتبتُهُ التي حاز.
في نهاية العام 1952م، استقبلت الأسرة الصعيدية في بئر السبيل أحد أقمارها الأجلاء الذين مدوا ذراع العلم، وأعلوا صرح المكارم، ورفعوا بناء المحظرة والحضرة الصعيدية عاليا.
ارتبط المسجد في تاريخ الأمة المسلمة بالفتوحات والانتصارات، منذ أن أرسل الله رسوله بالهدى والدين الحق، فأقيمت المساجد بوصفها أحب البقاع إلى الله، في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رجال لاتلهيهم تجارة ولابيع..
ارتبط تاريخ المسلمين بالمساجد، فقد ظلت عبر التاريخ منارات للهداية والذكر، ومثابة للاستقامة والتبتل، وقلاعا للتربية والتعليم، يفد إليها الطلبة لدراسة وتدارس دين الله عز وجل.
تنتمي محظرة آل فتى إلى الرعيل الأعلى في المحاظر الشنقيطية التي صنعت أسس الحضارة العلمية في البلاد، وخصوصا في الجنوب، وقد انطلق إشعاع هذه المحظرة منذ القرن الحادي عشر الهجري على يد شيخها أحمد بن عبد الله الشقروي الذي اعتبرته المصادر التاريخية أحد أجلاء العلماء في عصره وجيله ومنطقته، ثم زاد حفيده فال الحسن قوتها وتأثيرها ورسخ تقاليدها، ثم تركها كلمة باقية في عقبه بعد ذلك.
جمعت المحاضر الموريتانية بين تعدد العلماء وتمدد المحاظر، وكثرة قضاة العدل ورهبان المحاريب، وفرسان الأنداء، وبين الموسوعية في التأليف والبراعة في النظم، فكانوا بذلك جامعي أشتات الفضائل، ومنتديات المعارف، وسارت لهم تلك المسيرة كالمثل السائر في أدب الكاتب وحلية الأولياء في مدارج السالكين
كان من العرف العلمي لدى أغلب محاظر الجنوب الموريتاني أن يفتتح الطالب الأمين مسيرته العلمية بعد حفظ القرآن الكريم بحفظ رملية الإمام محمدو بن حنبل الحسني:
أضرم الهم سحيرا فالتهب لمع برق بربيات الذهب
لما فيها من لغة جزلة وأدب رفيع وحض على العلم، طلبا ومجاهدة سعيا لعاقبته الحسني ومآله النبيل الأسنى.
طبقت شهرة الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج إبراهيم العلوي الآفاق، ورقت به مراقي السعود درجات العلو في أنحاء العالم الإسلامي، وكلما مضى طبق من شهرته بدا طبق، وكلما انثنى جيل مثنيا عليه، عاد جيل آخر يجدد الثناء للرجل الموسوعي، الذي ولد بين جبال تكانت، وظل يسمو في القمم ويرقى في الدرجات، حتى أصبح علما على الإتقان وغدا اسمه علامة مسجلة للفضل والتقوى وحسن التأليف وعمق المعرفة.
كان العلم وما زال جكنيا كما يقال، وفي تلك النسبة امتدت أجيال وتناسلت حقب وقرون، والعلم ملق زمامه إلى المحاظر الجكنية التي رفدت العلوم والمعارف وقيم المحظرة بوافر من المؤلفين والمصنفات والطرر والأنظام والشروح والحواشي والهمة العلمية التي لا تفل لها شباة ولا يفيل لها رأي