ثالثا: وسطية الإسلام في الأخلاق:
1. والإسلام وسط في الأخلاق: بين غُلاة المثاليين الذين تخيلوا الإنسان ملاكاً أو شبه ملاك، فوضعوا له من القيم والآداب ما لا يمكن له، وبين غُلاة الواقعيين الذين حسبوه حيواناً أو كالحيوان، حتى قال بعض الفلاسفة: إنه ذئب مقنّع! فأرادوا له من السلوك ما لا يليق به، فأولئك أحسنوا الظن بالفطرة الإنسانية فاعتبروها خيراً محضاً، وهؤلاء أساءوا بها الظن، فعدُّوها شراً خالصاً، وكانت نظرة الإسلام وسطاً بين أولئك وهؤلاء.
فالإنسانُ في نظر الإسلام مخلوقٌ مُركب: فيه العقل، وفيه الشهوة. فيه غريزة الحيوان، وروحانية الملاك. قد هدي للنجدين، وتهيأ بفطرته لسلوك السبيلين، إما شاكراً وإما كفوراً. فيه استعداد للفجور، استعداده للتقوى. ومهمته جهاد نفسه ورياضتها حتى تتزكى: {وَنفَسٍ وَمَا سَوَّاهَا فألهمها فجُورَهَا وتقواها قَدْ أفَلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دسَّاهَا} [الشمس:7-10[ .
2.وهو كذلك وسط في نظرته إلى حقيقة الإنسان: بين النّحل والمذاهب التي تقوم على اعتباره روحاً علوياً سجن في جسد أرضي، ولا يصفو هذا الروح ولا يسمو إلا بتعذيب هذا الجسد وحرمانه، كالبرهمية والمانوية والرواقية والرهبانية وغيرها ... وبين المذاهب المادية التي تعتبر الإنسان جسداً محضاً، وكياناً مادياً صرفاً، لا يسكنه روح علوي، ولا يختص بأيّ نفحة سماوية .
أما الإنسان في الإسلام، فهو كيان روحي ومادي ، كما يشير إلى ذلك خلق الإنسان الأول آدم عليه السلام، فقد خلقه الله من تراب أو طين أو صلصال، وكلها تومئ إلى الأصل المادي لبدن الإنسان، ثم أودع الله في هذه المادة شيئاً آخر، هو سر تميُّز الإنسان، ومنبع كرامته، ومصدر تكريمه. وفيه يقول للملائكة: {فَإِذاَ سَوَّيْتهُ وَنفَخْتُ فيِهِ مِنْ رُوحِي فقَعوُا لهَ سَاجِدِينَ} [الحجر:29].