نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1743) 26 نوفمبر2021م، 20 ربيع الثاني 1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (17)

رابعا: وسطية الإسلام في التشريع والنظام:

والإسلام وسط كذلك في تشريعه ونظامه القانوني والاجتماعي. ومن تأمّل فيه وقارن بين الأمم المختلفة في ذلك وجده أبدا وسطا. وسنضرب لذلك بعض الأمثلة:

وسط في التحليل والتحريم:

فهو وسط في التحليل والتحريم بين اليهودية التي أسرفت في التحريم، وكثرت فيها المُحرمات، مما حرمه إسرائيل على نفسه، ومما حرمه الله على اليهود، جزاء بغيهم وظلمهم، كما قال الله تعالى: {فَبِظلْمٍ مِنَ الَذِينَ هَادوُا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيبِاتٍ أحِلتْ لَهُمْ وَبِصَدِهِمْ عَنْ سَبيِلِ اللَّه كَثيِرا وَأخْذِهِمُ الرِبا وَقَدْ نهُوا عَنْهُ وَأكْلِهِمْ أمْوَالَ النَّاسِ باِلْباَطِلِ} [النساء:161،160]. وبين النصرانية التي أسرفت في الإباحة، حتى أحلت الأشياء المنصوص على تحريمها في التوراة، مع أن الإنجيل يعلن أن المسيح لم يجئ لينقض ناموس التوراة، بل ليكمله. ومع هذا أعلن رجال المسيحية أن كل شيء طاهر للطاهرين .

فالإسلام قد أحل وحرم، ولكنه لم يجعل التحليل ولا التحريم من حق بشر، بل من حقّ الله وحده، ولم يحرم إلا الخبيث الضار، كما لم يحل إلا الطيب النافع، ولهذا كان من أوصاف الرسول عند أهل الكتاب أنه: {يَأمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوف وَينَهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيحِلُّ لَهُمُ الطَّيبِاتِ وَيحَرِمُ عَلَيْهِمُ الْخَباَئثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأغَلالَ التِّي كَانتْ عَليْهِمْ} [الأعراف:157[

وقد وسع دائرة الحلال، وضيق دائرة الحرام، وشدد النكير على الذين حرموا ما أحل الله، فقال تعالى: {قلْ أرَأيْتمْ مَا أنْزَلَ اللَّه لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعلَتمْ مِنْهُ حَرَاما  وَحَلالا  قلْ آللَّه أذِنَ لَكُمْ أمْ عَلَى اللَّه تفَترُونَ} [يونس:59]، وعاب على العرب ما تعبدوا به في جاهليتهم من تحريم بعض الأنعام، في حين استحلوا قتل أولادهم بغير حق، قال تعالى: {قَدْ خَسِرَ الذِّينَ قتَلَوُا أوْلادهَمْ سَفَها  بِغيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّه افْتِرَاء عَلَى اللَّه قَدْ ضَلوُّا وَمَا كَانوُا مُهْتدِينَ} [الأنعام:140].