وسط في السلم والحرب:
وهو وسط في قضية السلام والحرب: بين النصرانية التي تدعو إلى السلام ، ولو مع من اعتدى عليك في نفسك أو مالك، فليس المطلوب منك أن تمنعه وتدافع عن نفسك وأهلك وحقك ومالك، بل الذي يأمر به المسيح هنا بصريح عبارته ألا تقاوم الشر بالشر، ولا السيئة بالسيئة.
وهذا ما صرح به الإنجيل حيث يقول: (لا تقاوموا الشر بالشر، باركوا لاعنكم، وأحبّوا أعداءكم. من ضربك على خدّك الأيمن فأدر له خدّك الأيسر، ومن أخذ قميصك، فأعطه إزارك، ومن سخّرك لتمشي معه ميلا، فامش معه ميلين).
وبين اليهودية التي شعارها القوة والعنف في مقابلة الخصوم والأعداء، بدل أن تدعو التوراة إلى إبادة الأعداء واستئصالهم، حتى لا يبقى لهم من باقية!
فالتوراة تقول بالنسبة للبلاد البعيدة: أدعهم إلى الصلح، فإن هم استجابوا لدعوتك ولم يصبحوا عبيدا لك رجالهم ونساءهم، وصغارهم وكبارهم، وأما ديارهم وأرضهم وممتلكاتهم فكلها تصبح غنيمة لك، أعطاها لك الرب الملك.
وأما البلاد القريبة – ويسمّونها أرض الموعد – ويعنون بها أرض فلسطين ومن سكنها من أقوام، فإن التوراة تأمر أن تباد عن بكرة أبيها، ولا تستبقي بها نسمة حيّة. هكذا أمر الرب إليك!!
أما الإسلام فقد وقف هنا موقفا وسطا بين سماحة النصرانية ومسالمتها المفرطة، وقسوة اليهودية وعنفها المتجبّر الذي لا يرحم. فأجاز المعاملة بالمثل، ومقابلة العدوان بالعدوان، وهي مرتبة "العدل" وشرع العفو والمسامحة عند التمكّن والقدرة وهي مرتبة "الفضل" أو "الإحسان".
وفي هذا يقول القرآن: {وَالَّذِينَ إِذاَ أصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ ينَتصِرُونَ وَجَزَاءُ سَيئِةٍ سَيئِةَ مِثلْهَا فمَنْ عَفَا وَأصْلحَ فَأجْرُهُ عَلَى اللَّه إنِهُ لا يحِبُّ الظالِمِينَ {[الشورى:40،39[.
ويعود لذلك مرة أخرى فيقول: {وَلَمَنِ انْتصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فأَوُلئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبيِلٍ إِنمَّا السَّبيِلُ عَلَى الذِينَ يَظلِمُونَ الناسَ وَيبَغوُنَ فِي الْأرْضِ بِغيْرِ الْحَقِ أوُلئِكَ لَهُمْ عَذاَبٌ ألِيمٌ وَلمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لمِنْ عَزْمِ الْأمُورِ} [الشور ى:41-43]