بعد مضي فصل دراسي كامل لم يتجاوز عدد التلاميذ 10 اطفال غالبيتهم من حاشية الزعيم ..
فقد كان التطبيع مع المدرسة يمضي بطيئا
كان الحي المقهور من طرف المستعمر الفرنسي بمنطق القوة قد حزم أمره مبكرا " على مقاطعة حازمة لكل ما يمت للنصارى " ووصلت المقاطعة حدا جعلهم يتطيرون حتى من آثار أحذية الفرنسيين وأعوانهم فكلما وجدت آثار مخططة " وهي علامة لأحذية الجنود الفرنسيين والمجندين اعوانهم " في حظيرة بهائم أحدهم يبادر صاحب الحظيرة بتغيير مكانها فيما كانوا يعمدون لقطع الكعب العالي من تلك النعال عندما تسقط في أيديهم حتى يستوي طرفاها ( علاقة الشعوب المستعمرة بأحذية مستعمريهم علاقة جديرة بالدرس حقا، ففي الجزائر مثلا هناك قانون عرفي يحظر على الإسكافيين ممارسة مهنة تلميع الأحذية..فيما يطلقون تسمية الأحذية السوداء على مخبري المستعمر )
كانت المقاطعة مطلقة وكان العداء للمستعمر عداءا دينيا بامتياز
غير أن هموم الحي زادت بظهور قرية انواكشوط التي بدأت تغري بعض ساكنة الحي بالتوطن فيها
قرية انواكشوط تعج بالفرنسيين وبها يوجد " آمبصاد فرانص " وحول الامبصاد هذا تواترت الشهادات على مشاهدة قنينات الخمور الفارغة والتي تم رميها بعد ان استعملها الفسقة وفي المحصلة هذه القرية أسسها الفرنسيون وليست حكومة " املاز " إلا امتدادا للعدو المستتر
فالوضع في هذه الحالة يصفونه وصفا خليليا صرفا فيقولون " أن الاستعمار ذهب عينه وبقي حكمه " لذلك نشطت مقاومة التوطن في انواكشوط وكان آخر مظاهر الرفض تلك الرسالة المؤثرة والتي ارسلها " م . خ " القاطن في اندر للتجارة و الموجهة لنجله " س .م " والتي تضمنت من بين ما تضمنت " بلغني اليوم وليتني ما أدركت شمس هذا اليوم ولا قمره انك تملكت سرا قطعة من قرية النصارى انواكشوط فإذا بلغتك حروفي هذه فاختر بيني وبينهم "
وقد اضطر المسكين بعد هذه الرسالة إلى بيع قطعته وقد باعها حسب ما تواتر عليه الشهود بقالبي سكر وهي حسب نفس الشهود القطعة التي شيد عليها لاحقا " البنك الليبي "
أما " م . غ " فقد أقطعته الحكومة قطعة تصادف أن كانت قبالة السفارة الفرنسية فتركها وإلى الأبد مستطردا " ما كان لنار المسلم ونار الكافر أن تتقابلا " ومن الراجح حسب البعض أن تكون ملكية تلك القطعة قد آلت لاحقا للوزير الراحل حمدي ولد مكناس وعليها يوجد منزلهم العتيق حيث تقيم الوزيرة الحالية السيدة " الناه بنت مكناس "
غير أن الكثيرين اضطروا تحت وطأة الجفاف وهلاك المواشي إلى تملك قطع في القرية الجديدة وبشكل سري وبيعها بما تيسر لمن يرغب..
بعد زهاء ثلاث عقود من ذلك التاريخ كان كافة ساكني الحي قد توطنوا " قرية النصارى القديمة " والتي كانت ذات يوم جزءا من اراضيهم العرفية
سكان الحي كانوا شهودا على هذه القرية " العاصمة " وهي في المهد وكذا كانوا شهودا على طفولتها القلقة ، لكنهم مع كل ذلك سكنوا الأطراف لا الوسط وكأن لسان حالهم يقول " الضرورة تقدر بقدرها "
يتواصل