مذهبان متناقضان في فارس القديمة:
وفي فارس – أو في إيران القديمة – ظهر مذهبان متناقضان: أحدهما فردي ويدعو إلى التقشُّف والزهد، والامتناع عن الزواج، ليعجّل الإنسان بفناء العالم، الذي يعُجُّ بالشرور والآلام، وهذا هو مذهب (ماني)، ويمثل أقصى الفردية.
وقام في مقابله مذهب آخر يمثل أقصى( الجماعية) هو مذهب )مزدك( الذي دعا إلى شيوعية الأموال والنساء، وتبعه كثير من الغوغاء، الذين عاثوا في الأرض فساداً، وضجت منهم البلاد والعباد.
تناقض اليهودية والنصرانية في القضية:
وقد جاءت الأديان السماوية – منها اليهودية والنصرانية – لتقيم التوازن في الحياة، والقسط بين الناس، كما قرر ذلك القرآن الكريم ،(لقَدْ أرْسَلْناَ رُسُلنَاَ باِلْبيَناتِ
وَأنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزَانَ لِيقَوُمَ النَاسُ باِلْقِسْطِ ) ]الحديد:25[،ولكن أتباعها سرعان ما حرفوها وبدلوا كلمات الله، وغيروا شرائع الله، وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله.
ففقدت هذه الأديان بذلك كثيراً من وظيفتها في الحياة، حين فقدت ميزتها الأولى وهي: ربّانية المصدر.
وتركت لرجال كهنوتها يحلون لها ويحرّمون عليها دون إذن من الله تعالى(اتخَّذوُا أحْباَرَهُمْ وَرُهْباَنَهُمْ أرْباَبا مِنْ دوُنِ اللَّه وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبدُوُا إلِها وَاحِدا لا إلِهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانهَ عَمَّا يشُرِكُونَ ) (التوبة:31).
لهذا، لم تُقدّم الأديان السابقة قبل الإسلام حلا لهذه المشكلة، فقد كان اليهود الذين تفرقوا في الأرض يؤيدون الفردية، بل الفردية الطاغية، بتفكيرهم وسلوكهم القائم على الأنانية والعزلة عن المجتمعات: }وَأخْذِهِمُ الرِبوا وَقَدْ نهُوا عَنْهُ وَأكْلِهِمْ أمْوَالَ الناَّسِ باِلْباَطِلِ { ]النساء:161[.