التوازن بين الفرديةَّ والجماعيةَّ:
وفي النظام الإسلامي تلتقي الفردية والجماعية في صورة مُتزنة رائعة، تتوازن فيها حرية الفرد ومصلحة الجماعة، وتتكافأ فيها الحقوق والواجبات، وتتوزع فيها المغانم والتبعات بالقسطاس المستقيم.
تخبط الفلسفات القديمة وتناقضها في القضية:
لقد تخبطت الفلسفات والمذاهب من قديم، في قضية الفرد والمجتمع والعلاقة بينهما: هل الفرد هو الأصل والمجتمع طارئ مفروض عليه، لأن المجتمع إنما يتكون من الأفراد؟ والفرد له كيانه المستقل وشخصيته المتفردة، ومواهبه وملكاته وحوافزه . أو المجتمع هو الأساس والفرد نافلة، لأن الفرد بدون المجتمع مادة غفل "خام"، والمجتمع هو الذي يشكلها ويعطيها صورتها، فالمجتمع هو الذي يورث الفرد ثقافته وآدابه وعاداته وغير ذلك؟ وبغير المجتمع لا يملك الفرد أن يبيع أو يشتري أو ينتج أو يربح؟ْ من الناس من جنح إلى هذا، ومنهم من مال إلى ذلك، واحتد الخلاف بين الفلاسفة والمشرّعين والاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين في هذه القضية من قديم، فلم يصلوا إلى نتيجة. كان "أرسطو" يؤمن بفردية الإنسان، و يُحبّذ النظام الذي يقوم على الفردية، وكان أستاذه "أفلاطون" يؤمن بالجماعية – الاشتراكية- كما يتضح ذلك في كتابه "الجمهورية".
وبهذا لم تستطع الفلسفة الإغريقية – أشهر الفلسفات البشرية القديمة- أن تحُل هذه العقدة، وأن تخرج الناس من هذه الحيرة، كشأن الفلسفة دائماً في كل القضايا الكبيرة، تُعطي الرأي وضده، ولا يكاد أقطابها يتفقون على حقيقة، حتى قال أحد أساتذتها : الفلسفة لا أري لها!! ْلأنها تقول الشيء ونقيضه!