نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1750) 3 ديسمبر2021م، 27 ربيع الثاني 1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (24)

تناقض المذاهب المعاصرة وصراعها حول القضية:

 واذا طوينا كتاب التاريخ وتأملنا صفحات الواقع، فماذا نرى؟

إن عالمنا اليوم يقوم فيه صراع ضخم بين المذهب الفردي، والمذهب الجماعي. فالرأسمالية تقوم على تقديس الفردية، واعتبار الفرد هو المحور الأساسي ، فهي تدللّهّ بإعطاء الحقوق الكثيرة، التي تكاد تكون مطلقة، فله حرية التملك، وحرية العمل، وحرية القول، وحرية التصرف، وحرية التمتع، ولو أدت هذه الحريات إلى إضرار نفسه،  واضرار غيره، مادام يستعمل حقه في ) الحرية الشخصية(، فهو يتملك المال بالاحتكار والحيل والربا، وينفقه في اللهو والخمر والفجور، ويمسكه عن الفقراء والمساكين والمُعوزين، ولا سلطان لأحد عليه، لأنه )حر فيما يملك(، أشبه بما حكى القرآن عن قوم شعيب الذين أنكروا عليه أن ينهاهم عن تطفيف الكيل والميزان، وأن يبخسوا الناس أشياءهم، وأن يعثوا في الأرض مفسدين: }قالوُا يَا شعيَبُ أصَلاتكَ

تَأمُرُكَ أنْ نتَرُكَ مَا يَعْبدُ آباَوُنَا أوْ أنْ نفَعَلَ فِي أمْوَالِنَا مَا نَشاءُ {]هود:87[، فهم يرون أن المالك صاحب الحق المطلق في ماله، يتصرف فيه كيف يشاء، ولا يطالب بشيء.

والمذاهب الاشتراكية - وبخاصة المتطرفة منها كالماركسية- تقوم على الحد من قيمة الفرد، والتقليل من حقوقه، والإكثار من واجباته، واعتبار المجتمع هو الغاية، وهو الأصل. وما الأفراد إلا أجزاء أو تروس صغيرة في تلك )الآلة( الجبارة ،التي هي المجتمع،  والمجتمع في الحقيقة هو الدولة، والدولة  في الحقيقة هي الحزب الحاكم،  وان شئت قلت: هي اللجنة العليا للحزب، وربما تركزت في النهاية – في حقيقة الأمر – في شخص واحد ،هو زعيم الحزب فحسب ،أو هو الدكتاتور!!

إن الفرد ليس له حق التملك إلا في بعض الأمتعة، والمنقولات، وليس له حق المعارضة، ولا حق التوجيه لسياسة لبلده وأمته، وإذا حدثته نفسه بالنقد العلني أو الخفي، فإن السجون والمنافي وحبال المشانق له بالمرصاد!