موقف الإسلام الفريد:
ذلك هو شأن فلسفات البشر، ومذاهب البشر، والديانات التي حرفها البشر ،وموقفها من الفردية والجماعية، فماذا كان موقف الإسلام؟
لقد كان موقفه فريدا حقا، لم يمل مع هؤلاء ولا هؤلاء، ولم يتطرف إلى اليمين ولا إلى اليسار.
إن شارع هذا الإسلام هو خالق هذا الإنسان، فمن المحال أن يشرع هذا الخالق من الأحكام والنظم ما يُعطّل فطرة الإنسان أو يصادمها. وقد خلقه سبحانه على طبيعة مزدوجة: فريدة واجتماعية في آن واحد. فالفريدة جزء أصيل في كيانه، ولهذا يحب ذاته، ويميل إلى إثباتها وإبرازها، ويرغب في الاستقلال بشؤونه الخاصة.
ومع هذا نرى فيه نزعة فطرية إلى الاجتماع بغيره، ولهذا عُد السجن الانفرادي عقوبة قاسية للإنسان، ولو كان يتمتع داخله بما لذ وطاب من الطعام والشراب. ولهذا قال الحكماء من قديم: الإنسان مدني بطبعه، وقال فلاسفة الاجتماع المحدثون: الإنسان حيوان اجتماعي.
والنظام الصالح هو الذي يراعي هذين الجانبين في حياة البشر: الفردية والجماعية، ولا يُطغي أحدهما على الآخر. فلا عجب أن جاء الإسلام -وهو دين الفطرة- نظاما وسطا عدلاً، لا يجور على الفرد لحساب المجتمع، ولا يحيف على المجتمع من أجل الفرد، لا يدلل الفرد بكثرة الحقوق التي تُمنح له، ولا يُرهقه بكثرة الواجبات التي تُلقى عليه، وإنما يكلفه من الواجبات في حدود وُسعه، دون حرج ولا إعنات، ويقدّر له من الحقوق ما يكافئ واجباته، ويُلبي حاجته، ويحفظ كرامته ،ويصون إنسانيته، ولا يجور على غيره. ْ
ولذلك تطبيقات كثيرة، وأحكام شتى، تمثل هذا التوازن، أو هذه الوسطية: في حياة الفرد، وفي حياة الأسرة، وفي حياة المجتمع، وفي حياة الأمة، وفي حياة الدولة ،وفي العلاقات الدولية والإنسانية بصفة عامة. لا يتسع المجال لإيرادها هنا. فلتراجع في مظانّها.