الفصل الثالث منزلة الوسطية في الإسلام
1 - القرآن يشيد بالوسطية ويهدي إليها:
لا شك أن المصدر الأول للوسطية هو المصدر الأول لمعرفة الإسلام كله ،أصوله وفروعه، كلياته وجزئياته، عقائده وأعماله. وذلك هو القرآن الكريم.
ومن قرأ القرآن العظيم وجد هذه الوسطية واضحة بينة في كثير من آياته في القرآن المكي والمدني.
وقد ذكر الحافظ السيوطي في كتابه الشهير )الإتقان في علوم القرآن(: أن أحد العلماء كان يستخرج أمثال العرب والعجم من القرآن، فقيل له: هل تجد في كتاب الله المثل القائل: خير الأمور أوسطها؟ قال: نعم في أربع مواضع.
1 – في سورة البقرة، في قوله تعالى في وصف البقرة المطلوبة: }قاَلَ إِنهَّ يقَوُلُ إنِّهَا بقَرَةٌ لا فاَرِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بيَنَ ذلِكَ { ]البقرة:68[.
2 – وفي سورة الإسراء: }وَلا تجْعَلْ يَدكَ مَغْلوُلَة إِلَى عُنقِكَ وَلا تبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتقَعدُ مَلوُما مَحْسُور ا { ]الإسراء:29[.
3 – وفي نفس السورة: }وَلا تجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تخَافتِ بِهَا وَابْتغِ بيَنَ ذلِكَ سَبيِلا { ]الإس ارء:110[.
4 – وفي سورة الفرقان: }وَالذِّينَ إِذاَ أنْفَقوُا لَمْ يسُرِفوُاوَلَمْ يقَترُوا وَكَانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوَاما { ]الفرقان:67[.
وأستطيع أن أضيف إلى ذلك آيات أخر:
5 – وفي سورة القصص: }وَابْتغِ فيِمَا آتاَكَ اللَّه الداَّرَ الخِرَةَ وَلا تنَسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنُّيَا وَأحْسِنْ كَمَا أحْسَنَ اللَّه ُ إلِيْكَ { ]القصص:77[.
6 – وفي سورة الرحمن: }وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * ألَاَّ تطَغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأقَيِمُوا الْوَزْنَ باِلْقِسْطِ وَلا تخُسِرُوا الْمِيزَانَ { ]الرحمن:9،8،7[.
7 - وفي سورة البقرة: }رَبنَّاَ آتنِاَ فِي الدنُّياَ حَسَنَة وَفِي الأخِرَةِ حَسَنَة وَقنِا عَذاَبَ الناَّرِ { ]البقرة:201[.
8 – وفي السورة نفسها: }وَكَذلِكَ جَعلَنَاكُمْ أمَّة وَسَطا لِتكَونوُا شُهَداَءَ عَلَى الناَّسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَليْكُمْ شَهِيد ا { ]البقرة:143[.
9 وفي سورة الفاتحة: }اهْدِناَ الصِرَاطَ الْمُسْتقِيمَ * صِرَاطَ الذِّينَ أنْعَمْتَ
عَليْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَليْهِمْ وَلا الضَّالِينَ { ]الفاتحة:7،6[.
10 – وفي سورة الأنعام: }وَأ نَّ هَذاَ صِرَاطِي مُسْتقِيما فاَتبِّعوُهُ وَلا تتَبِّعوُا السُّبلَ فتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ { ]الأنعام:153[.
11 – وفي سورة الكهف }وَلا تطِعْ مَنْ أغَفَلْناَ قلَبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتبَّعَ هَوَاهُ وَكَانَ أمْرُهُ فرُطا { ]الكهف:28[.
12 – وفي سورة الأعراف: }يَا بنِي آدمَ خُذوُا زِينتَكَمْ عِنْدَ كُلِ مَسْجِدٍ وَكُلوُا وَاشْرَبوُا وَلا تسْرِفوُا إِنهَّ لا يحِبُّ الْمُسْرِفيِنَ قلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّه التِّي أخْرَجَ لِعِباَدِهِ وَالطَّيِبَاتِ مِنَ الِرزْقِ { إلى أن قال: }قلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغيْرِ الْحَقِ وَأنْ تشْرِكُوا باِللَّه مَا لَمْ ينُزِلْ بِهِ سُلْطَانا وَأنْ تقَوُلوُا عَلَى اللِّه مَا لا تعْلمُونَ { ]الأعراف:31-33[، فأثبتت هذه الآيات وسطية الإسلام في التحليل والتحريم، خلافا لليهود الذين أسرفوا في التحريم، كما عاقبهم الله بتحريم طيّبات أحلت لهم. وللنصارى الذين أسرفوا في التحليل، وان دخلوا في التحريم أيضا بابتداع الرهبانية التي حرّمت الطيبات وحرّمت الزواج. كما ينكر القرآن طريق الغلو والتجاوز، سواء كان في العقائد أم الأعمال، كما قال في خطاب أهل الكتاب: } يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا { ]النساء:171[. وهذا غلو في العقائد، وفي سُورة أخرى يقول: }مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلتْ مِنْ قبْلِهِ الرُّسُلُ وَأمُّهُ صِدِ يقَةٌ كَاناَ يأَكُلانِ الطَّعاَمَ{ ]المائدة:75[. ثم يقول: }قلْ ياَ أهْلَ الْكِتاَبِ لا تغَلوُا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِ وَلا تتَبِّعوُا أهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلوُّا مِنْ قبْلُ وَأضَلوُّا كَثيِرا وَضَلوُّا عَنْ سَوَاءِ السَّبيِلِ {
]المائدة:77[. وهذا غلو يشمل العقائد والأعمال.