وهذا غلو يشمل العقائد والأعمال.
وبيّن القرآن أن الرسل جميعاً جاءوا بهذه الوسطية؛ لأنهم جاءوا بالقسط، أي العدل الذي قامت به السماوات والأرض }لقَدْ أرْسَلْناَ رُسُلَنَا بِالْبينَاتِ وَأنْزَلْناَ مَعَهُمُ الْكِتاَبَ وَالْمِيزَانَ لِيَقوُمَ الناَّسُ باِلْقِسْطِ{ ]الحديد:25[. ومنه: التوحيد؛ لأنه قمّة العدل، فإن الشرك ظلم عظيم. ولهذا كان النداء الأول لكل رسول إلى قومه، أن }اعْبدُوُا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إلِهٍ غَيْرُه ُ{ ]الأعراف:59[. كما جاءوا جميعا برسالة الإصلاح وعمارة الأرض، قال صالح لقومه: }هُوَ أنْشَأكُمْ مِنَ الْأرْضِ وَاسْتعْمَرَكُمْ فيِهَا فاَسْتغَفِرُوهُ ثمَّ توُبوُا إليه { ]هود:61[ وقال لقومه: }فاَتقَّوُا اللَّه وَأطِيعوُنِ * وَلا تطِييعوُا أمْرَ الْمُسْرِفيِنَ * الذِّينَ يفُسِدوُنَ فِي الْأرْضِ وَلا يصُلِحُونَ{ ]الشع ارء:150-
.]152وقال شعيب: }إِنْ أرِيدُ إِلاَّ الْأِصْلاحَ مَا اسْتطَعْتُ { ]هود:88[.
وقال موسى لقومه: } كُلوُا وَاشْرَبوُا مِنْ رِزْقِ اللَّه وَلا تعْثوْا فِي الْأرْضِ مُفْسِدِينَ{ ]البقرة:60[. وقال موسى لأخيه هارون: }اخْلفُنِي فِي قَوْمِي وَأصْلِحْ وَلا تتَبِّعْ سَبيِلَ الْمُفْسِدِينَ { ]الأعراف:142[.
وقال الله تعالى لأمة محمد: }وَلا تفُسِدوُا فِي الْأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ
خَوْفا وَطَمَعا إِنَّ رَحْمَتَ اللّه قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنيِنَ { ]لأعراف:56[.
فكلّ رسالات السماء دعت إلى الإصلاح، ونهت عن الإفساد، واعتبرته من )الإسراف( وهو البعد عن الوسط المحمود.