3- الصحابة وتابعوهم بإحسان يدعون إلى الوسطية:
واذا كان الرسول الكريم يدعو إلى الوسطية، فلا غرو أن نجد صحابته من بعده يدعون إليها. وكيف لا، وهم تلاميذ المدرسة المحمدية المخلصون؟ وقد اتخذوا رسولهم أسوة حسنة، كما قال الله لهم: }لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّه أسْوَةٌ حَسَنةَ لِمَنْ
كَانَ يَرْجُو اللَّه وَالْيَوْمَ الْاخِرَ وَذكَرَ اللَّه كَثِيرا { ]الأحزاب:21[. وقال تعالى: }وَاتبِّعوُهُ لَعلَكُّمْ تهْتدَوُنَ { ]الأعراف:158[. فلم يكونوا يحبون أن يحيدوا عن سنّته قيد شعرة.
فيروى عن علي بن أبي طالب قوله: )خير هذه الأمة النمط الأوسط، يلحق به التالي، ويرجع إليه الغالي(! ذكره الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه )غريب الحديث(. ونقل عن أبي عبيدة )اللغوي الشهير(: إن النمط الطريقة، يقال الزم هذا النمط. قال: والنمط أيضا الضرب من الضروب، والنوع من الأنواع. يقال: ليس هذا من ذلك النمط، أي من ذلك النوع. قال: والمعنى الذي أ ارده عليّ )رضي الله عنه(: أنه كره الغلو والتقصير، كالحديث الآخر، حين ذكر حامل القرآن، فقال: غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه . فالغالي فيه هو المتعمق، حتى يخرجه إلى إكفار الناس، لنحو من مذهب الخوارج، وأهل البدع، والجافي عنه: التارك له وللعمل به ،ولكنه القصد من ذلك.
وقال علي أيضا: )ألا أنبّئكم بالفقيه كل الفقيه؟ من لم يؤيس عباد الله من روح الله، ولم يؤمّنهم من مكره( .
وعن عبد الله بن عمرو: )اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا( .
وعن ابن عباس: )رحم الله من حفظ لسانه، وعرف زمانه، واستقامت طريقته.( وقد روي مرفوعا وفي سنده كذاب، وحسبه أنه يرقى إلى صحابي أو تابعي. وهو يعبّر عمّا يسمّونه الجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وكان عبد الله بن عباس يقول: القصد والتُّؤدة وحُسنُ السمت جزء من خمسة وعشرين جزء اً من النبوة .