في إطار مواكبة موقع الفكر لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منه إلى إطلاع المتابعين الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد أبرز الخبراء في مجال الصناعات الاستخراجية، ممن خبروا دروب هذا الميدان وعايشوا تحدياتها ...
نتابع معه اليوم لنستجلي من خلاله ما وراء الخبر... في لقاء شامل حول واقع وآفاق الثروات المعدنية الموريتانية، حيث نستشرف من خلال هذا اللقاء آفاق التنقيب عن الغاز الموريتاني والفرص التي يتوقع أن يعود بها على البلاد، إضافة إلى الحديث عن التعدين الأهلي إيجابياته وسلبياته..
إلى غير ذلك من المواضيع التي تناولها هذا اللقاء مع الدكتور يربان الحسين، فإلى نص المقابلة:
موقع الفكر: تسعى شركة سنيم إلى الانضمام إلى الخمس الأوائل لمصدري خامات الحديد في أفق 2025 من خلال رفع وتيرة الإنتاج؛ هل يمكننا تحقيق ذلك؟
د. يربان الحسين : في البداية شكرا لموقع الفكر على هذه السانحة للحديث عن هذه المواضيع وأتمنى لبلدنا المزيد من الاستقلال الثقافي والاقتصادي..
سنيم سبق وأن أعلنت عن برنامج يسمى برنامج "النهوض" في فترة ذهبية للأسعار سنة 2013 حينها كان معدل سعر الطن الخام للحديد يبلغ حوالي 140 دولار وكان هذا البرنامج يمثل رؤية الشركة للانضمام للخمسة الأوائل الكبار المصدرين لخامات الحديد عالميا، وذلك من خلال رفع انتاجها الى ٤٠ مليون طن في أفق ٢٠٢٥ وبعد تبديد أكثر من مليار دولار لم تحقق الشركة أي زيادة في الانتاج بل خسرت حوالي ٢٠% من قدرتها الانتاجية حيث انخفض مستوى انتاجها ما بين سنة ٢٠١٣ ٢٠١٨ من ١٣،١ مليون طن إلى ١٠،٧ مليون طن، وخلال السنوات الأخيرة بعد ٢٠١٨ أصبحت الشركة تكابد من أجل كسر حاجز ١٢ مليون طن ولم تستعد حتى الآن قدرتها الانتاجية وأعلنت خلال السنة الماضية عن استراتيجية جديدة لإنتاج ١٨مليون طن في أفق ٢٠٢٤ و٢٤مليون في أفق ٢٠٢٦ وتعتمد هذه الخطة على نفس مشاريع برنامج النهوض الذي قلنا إنه فشل والفرق في الحجم فقط، وفي اعتقادي أن الشركة لم تسلك حتى الآن الطريق الذي سيمكنها من الوصول إلى مصاف الدول الخمس المصدرة لخامات الحديد وحتى لا نكون نطلق تصريحات جزافية لابد أن نحدد بعض العوامل ومنها:
- أولا: الشركة تعاني من عقدة النشأة وما زالت تعمل بعقلية "ميفارما" الاستعمارية وإذا لم تخرج من عقلية "ميفارما" الإدارية الاستعمارية فلا نرى أنها ستحقق شيئا كبيرا.
- ثانيا: العائق المادي، فالمشاريع العملاقة تحتاج تمويلات هائلة، لو أخذنا أمثلة سنجد أن هناك منجمين رئيسيين للخطة الأخيرة، فمنجم "افديرك" مثلا يحتاج إلى تمويل بحدود ١٨٠ مليون دولار من أجل إنتاج ٣ملايين طن سنويا، وكذلك إنشاء منجم جديد في " تيزركاف" بالإضافة إلى كل ملحقاته كمحطة للكهرباء أو محطة لإغناء الخامات لأن خامات منطقة "تيزركاف" فقيرة حيث تعتبر نسبة الحديد فيها ٣٧%، فتحتاج هذه الاستثمارات أكثر من مليار دولار ومن أين ستأتي الشركة بكل هذه الأموال وهي مدينة بشكل كبير حسب تقرير البنك المركزي الموريتاني ٢٠٢٠ الذي ذكر أن ديون شركة سنيم تبلغ ٢٤٤ مليون دولار وهذا يعتبر تحديا ماليا كبيرا، بالإضافة الى تحديات أخرى كثيرة.
وهذا ما جعلني أقول إن الشركة لم تسلك الطريق الصحيح الذي سيمكنها من دخول نادي الخمسة الكبار.
موقع الفكر: عرف رقم أعمال شركة سنيم مؤخرا تحسنا مهما في الأداء، بسبب ارتفاع اسعار الحديد، فهل احسنت الشركة استخدام اللحظة واستفادت من طفرة الأسعار؟
د. يربان الحسين : خلال السنتين الأخيرتين تحسن أداء الشركة لعدة عوامل وعلى رأس العامل الذي ذكرتم وهو معدل أسعار خامات الحديد لأنه قد ارتفع سنة ٢٠١٨من ٦٩ دولارا للطن إلى ٩٣ دولارا للطن ووصل سنة ٢٠٢٠ إلى ١٠٨ دولارا للطن وحاليا يحوم حول ١٦٠ دولارا للطن متوسط السعر خلال السنة كلها، بالإضافة إلى عوامل أخرى على رأسها انخفاض أسعار الطاقة خلال السنتين الأخيرتين لأن البترول وكل أنواع مشتقاته كانت أسعارها منخفضة خلال سنة٢٠١٩-٢٠٢٠ ومن المعلوم أن الطاقة تشكل جزء مهم من تكلفة الاستخراج الاجمالية، وتحسن كذلك إنتاج سنيم شيئا ما لأني قلت قبل قليل إن سنة ٢٠١٨ كان الانتاج ١٠،٧ مليون طن وبلغ ٢٠١٩ و٢٠٢٠ أكثر من ١٢مليون وكل هذه العوامل أدت إلى تحسن أداء الشركة وفعلا قد أعلنت عن أرباح بلغت ١٠٥ مليار أوقية قديمة سنة ٢٠١٩ و٢١٣مليار أوقية قديمة سنة ٢٠٢٠ ونتوقع أن تكون الأرباح في هذه السنة أكثر من ٣٠٠ مليار أوقية قديمة لكن هل الشركة فعلا أحسنت استخدام الطفرة؟ في اعتقادي أنها لم تفعل ذلك حيث لم توفق في الاستخدام الأمثل وسأعطي أدلة على ذلك:
أولا: لما نقارن الانتاج خلال سنة ٢٠١٩ و٢٠٢٠ و٢٠٢١ لن نجد تغيرا كبيرا يذكر حيث كانت الزيادة ٤% فقط من ١٢مليون طن و١٧ألفا إلى ١٢مليون طن و٥٠٠ ألف، الواضح أن الشركة في هذه السنة قد لا تحقق الرقم الذي حققته السنة الماضية وإلا فسيكون تقريبا نفس الانتاج بل إن الشركة لم تنجح ولو لمرة واحدة في تحقيق الهدف الإنتاجي الذي تحدده عند بداية كل السنة..
أما على مستوى تحسين خطوط الانتاج والمعدات لم نسمع عن تحسينات كبيرة فمعدات الشركة متهالكة وتعاني من مشاكل الصيانة، أيضا على مستوى العمال الشركة لم تستثمر في تحسين الثقة بينها وبين العمال فالعمال لديهم الكثير من المطالب بعضها غريب مثل المطالبة بتحسين الخدمات الصحية حتى اننا شاهدنا البعض يطالب بالرفع وطالعتنا صور البعض يطالب بعلاج زوجته وأشياء من هذا القبيل، هنالك أيضا مطالب لبعض العمال الذين يسمون با "الجرنالية" وبعضهم تكون ويحمل شهادات مثل سائقي الشاحنات الكبيرة الذين تلقوا تكوينات ولديهم شهادات وخبرات ومع ذلك لم يتم اكتتابهم بل لم يسمح لهم بالمشاركة في الاكتتاب، لم تستثمر الشركة ايضا في وسائل السلامة والأمان للعمال فقد شاهدنا خلال السنوات الأخيرة بعض الحوادث المؤلمة وبعضها كان مميتا، كل هذه العوامل قد جعلتني أقول إن الشركة لم تحسن استغلال الطفرة وفي اعتقادي أن استغلال الطفرات ليس مشكلة سنيم وحدها بل مشكلة البلد ككل فنحن منذ ٦٠ سنة نتعامل مع الطفرات بالطريقة الخاطئة، نحن للأسف نتعامل مع عائدات المعادن وكأنها عائدات مستدامة وهذا خطأ كبير لأنه يجعلها تتأثر بأسعار المادة الخام ويتأثر معها الاقتصاد الوطني، وحين ننظر إلى تقييم الطفرة الماضية مثلا ٢٠٠٩-٢٠١٤ كانت هناك طفرة كبيرة لأسعار خامات الحديد وحصل تقييم جيد لها من خلال التقرير الذي أصدره معهد حوكمة الموارد الطبيعية سنة ٢٠١٧ وذكر هذا التقرير أن موريتانيا حصلت على ٢٩% في مجال مؤشر حوكمة الموارد وهي بذلك تعتبر دولة فاشلة في هذا المجال والأدهى والأمر في ذلك أنها حصدت ١٠% في مجال إدارة العائدات لأن هناك مؤشر عام ومؤشرات فرعية من ضمنها مؤشر إدارة العائدات وهذا مهم جدا ونحن لم نحصد سوى ١٠% وكنا بذلك أسوأ دولة عربية وثاني أسوأ دولة إفريقية في مجال إدارة عائدات الموارد سنة ٢٠١٧ والمشكلة في النهاية أعمق من هذا لأننا حين ننظر إلى الطفرة التي حدثت سنة ٢٠١٣-٢٠١٤ سنجد أن موريتانيا استغلت الطفرة من أجل الزيادة في الاقتراض لأن الديون الخارجية في موريتانيا ارتفعت سنة ٢٠٠٧ من ١،٢ مليار إلى حدود ٥ مليار وهذا كله بسبب الطفرة لذلك نحن نتعامل للأسف مع الطفرة بشكل خاطئ ويجب أن نصحح ذلك لأن هذا خطير جدا فعائدات المعادن ليست عائدات مستدامة ولا ينبغي أن يتم التعامل معها بهذه الطريقة.
- موقع الفكر: تواجه سنيم مشاكل حقيقية مثل ارتفاع تكلفة الكهرباء بسبب ارتفاع تكلفة مصادره، قلة المياه اللازمة لتعويم الحديد، فهل تلوح في الأفق فرصة للتعافي من هذه الأزمات؟
د. يربان الحسين : بالنسبة لمشكلة الماء والكهرباء تعد من المشاكل الرئيسية ليس فقط لتطوير استخراج خامات الحديد ومعالجتها بل حتى لصناعة الصلب في المنطقة هناك.
ومن المعلوم أن " الكلابه" المحيطة بمنطقة ازويرات في محيط أربعين إلى ستين كلم ، والتي يتحدث البعض عن أن احتياطاتها تصل 5 إلى 6 مليار طن حديد ماغنيتيت وتلك خامات فقيرة إذ لا تتجاوز نسبة الحديد فيها 34% إلى 37%، ومن أجل الاستفادة منها بعد طحنها وغربلتها لا بد من القيام بعملية إغناء، اعتمادا على الخاصية المغناطيسية التي تميز معدن " ماغنيتيت "، فعملية الإغناء إما أن تتم في وسط جاف أو وسط رطب بواسطة التعويم، فلو استخدمنا الطريقة الجافة لعانينا من تطاير الغبار، ولهذه الطريقة كذلك آثاره البيئية؛ في حين أن الطريقة التي تكون عن طريق تعويمه بالماء أحسن، هذا بالنسبة للماء.
أما فيما يتعلق بتكلفة الكهرباء وكما قلت قبل قليل تكلفة الكهرباء تكلفة مهمة جدا وتشغل حيزا كبيرا في تكلفة الاستخراج الإجمالية خاصة أن الشركة تستخدم مشتقات بترولية قديمة والأرقام تتحدث أنه من أجل إنتاج طن من خامات الحديد عند سنيم نحتاج إلى حوالي أكثر من ٣٠ كيلوات ساعة ولكن هناك فرصة تلوح في الأفق للقضاء على هاتين المشكلتين الرئيسيتين وتتمثل تلك الفرصة في التحول الطاقوي الذي سيشهده البلد لأننا مقبلون على دخول عصر الغاز ومن المعلوم أن الغاز مصدر للطاقة الرخيصة ويستخدم كذلك في محطات تحلية مياه البحر، ولدينا في نواكشوط المحطة المزدوجة (١٨٠ميغاوات) ويمكن أن تعمل بالغاز لإنتاج الطاقة الرخيصة التي ستنقل عبر خطوط الجهد العالي إلى ازويرات ونواذيبو، كما أننا يمكن أن نعمل محطات تحلية لمياه البحر ونقوم بنقل المياه من نواذيبو إلى زويرات عن طريق الأنابيب وهذا مشروع قديم يمكن أن يتم إحياؤه من خلال التحول الطاقوي الذي سيشهده البلد، كما أن هناك أيضا فرصة أخرى؛ قد تحصل مع تعزيز البحث والاستكشاف عن المياه الجوفية في المنطقة وقد تكون هناك اكتشافات أخرى جديدة، وأنا على العموم أراهن على التحول الطاقوي الجديد وأعتقد أنه قد يشكل حلا للمشكلتين، مشكلة الكهرباء ومشكلة الماء.
موقع الفكر: مازالت سنيم تصدر الحديد الخام، فماذا عن سبب عدم تصنيع الصلب محليا؟
د. يربان الحسين: هذا السؤال جيد لكنني أعتقد أنه يتعلق بنشأة البلد لأنه لم يعد يخفى على أحد أن المستعمر السابق للغرب الافريقي ساهم في خلق دول وظيفية تقوم بأعمال محددة في النسيج الاقتصادي العالمي اعتمادا على ما تملك من ثروات وموارد محلية طبيعية، وذلك من أجل أن يضمن نوعا من الوصاية الاقتصادية عليها فهناك من يصدر الخشب الخام وهناك من يصدر القهوة الخام ونحن نصدر الحديد الخام، وحتى بعد ٦١ سنة من الاستقلال ما زلنا نعاني من عقدة النشأة هذه وأعتقد أن تلك العقدة قد تفاقمت بسبب العوامل التي ذكرنا كعامل النقل والماء والكهرباء لأن صناعة الصلب من الصناعات التي تحتاج إلى الطاقة الكثيفة فبعض المصانع في الصين من أجل إنتاج طن من الصلب تستهلك ٦٥٠ إلى ٨٠٠ كيلوات ساعة وأحيانا أكثر من ذلك حسب درجة التصنيع وحسب نوع الصلب، على العموم ما ينبغي أن نعلم أن إنتاج الصلب يحتاج الكثير من الكهرباء قد لا يكون موجودا في البلد حاليا، ويحتاج أيضا إلى استثمارات هائلة لأن مصنع بطاقة ١مليون طن مثلا قد تصل استمثاراته إلى ٨٠٠ مليون دولار وربما أكثر من ذلك، فهناك جملة من العوائق والعائق الرئيسي من ضمن تلك العوائق هو عدم وجود إرادة سياسية إذ تبقى الإدارة السياسية هي العامل المباشر والحاسم في إحداث التغيير من الاعتماد على الصناعة الاستخراجية إلى الصناعة التحويلية التي تخلق قيمة مضافة أكبر وفرص عمل أكثر، وأعتقد أن فرصة التخلص من عقدة النشأة و تغيير مستقبلنا مرهون بأسعار المادة الخام قد حانت وهناك عدة عوامل تدفعنا دفعا إلى هذا التحول، بعض تلك العوامل دولي وبعضها إقليمي وبعضها محلي وسنذكر نماذج من ذلك، على المستوى الدولي هناك تغير دراماتيكي في سلاسل التوريد عالميا وهي فرصة لنا للبحث عن موطئ قدم أحسن من موقعنا الحالي في عالم ما بعد جائحة كورونا، كما أنه لا يخفى على أحد أن سباق التسلح قديما بين أمريكا والاتحاد السوفييتي كان سببا في التحول الصناعي بالنسبة للعديد من الدول لدى القطبين، والعالم الآن يشهد سباقا آخر في مجال البنى التحتية بين الصين وأمريكا وهذا يخلق فرصة للدول التي تملك احتياطات كبيرة من خام الحديد لأن البنى التحتية تعني استهلاك الصلب، أما على المستوى الإقليمي فانتشار الشراكات والتكتلات شمالا وجنوبا يحتم علينا امتلاك بضائع تصلح للتصدير وليس هناك بضاعة أحسن وأغلى من الصلب لأنه عماد العمران والبناء والمنطقة كلها بحاجة إليه وتلك تعتبر فرصة ثمينة لموريتانيا لو صدرت حديد البناء خاصة أن موريتانيا قد وقعت على المنطقة الحرة للتجارة الافريقية وهناك حديث ايضا عن عودة العلاقات التجارية والاقتصادية مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا فلابد ان يكون هناك شيء نقوم بتصديره وإلا فالدخول في مثل هذه الشراكات قد يعتبر انتحارا اقتصاديا، أما على المستوى المحلي فقد ذكرت قبل قليل أننا قاب قوسين أو أدنى من دخول عصر الغاز وهذا أمر مهم لأن الغاز ليس فقط مصدرا للطاقة الرخيصة التي تحتاجها صناعة الصلب بل هو عامل حاسم في تصنيع الصلب لأن هناك طريقتين رئيسيتين لصناعة الصلب، إما الفرن العالي وفي تلك الحالة نستخدم فحم الكوك كعامل اختزال، وإما الاختزال المباشر وفي هذه الحالة نستخدم الغاز الطبيعي وهذا مهم لأننا سنستغني عن استيراد فحم الكوك كمادة رئيسية للتصنيع، كما أن مصانع الاختزال المباشر أقل تلويثا للبيئة وأبسط تقنيا مما يجعلها أكثر ملائمة لموريتانيا، هذا بالإضافة إلى الحديث عن الشراكات الكبيرة في إنتاج الهيدروجين الأخضر وهذا مهم جدا لأنه قد يعطي لموريتانيا فرصة استغلال هذا التحول الطاقوي من أجل خلق الظروف المناسبة لاستقطاب صناعة خضراء محليا والتي يجب أن يكون على رأسها الحديد الأخضر، نحن نعرف أن قطاع صناعة الصلب من أكثر القطاعات تلويثا للبيئة في العالم، اليوم مع الحديث عن الاهتمام بالتغيرات المناخية وحتمية التعامل معها وكذلك مع ازدياد الوعي بالعوامل البيئية ستكون صناعة الحديد الأخضر ميزة لموريتانيا...
لذلك أنا أعتقد أن هذه العوامل كلها تدفعنا دفعا وأكرر أنه تبقى الارادة السياسية هي العامل الحاسم وللأسف تلك الارادة في موريتانيا أحيانا تكون موجودة على المستوى العالي لكن نلاحظ في الادارة الموريتانية أنه لا يوجد تماثل في الارادة السياسية على كل المستويات، ونحن قد نكون نعول على بعض الشراكات في هذا القطاع خصوصا الشراكة مع المملكة العربية السعودية.
فالكل يعرف أن موريتانيا غنية بخامات الحديد لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن جل هذه الخامات وضع عليها بعض الشركاء أيديهم حيثدخلنا منذ خمسة عشر عاما في شراكات مع بعض الشركات ولكننا لم نشاهد أي استغلال في هذا المجال وأخشى ما أخشاه أن تكون هذه الشراكات تستهدف إخراجنا من المنافسة وقد قمت ببحث حول المساهمين في هذه الشركات فوجدت أنها تقود إلى نفس الناس الذين يمتلكون الشركات في أستراليا و في اعتقادي هناك حاجة ماسة لمساءلة الوزير المسؤول عن هذه الشراكات ولماذا لم نر لها نتيجة حتى الآن، وأما الشراكة السعودية الموريتانية فقد بدأت ما بين 2012، 2013 و تسهدف إنتاج 10 مليون طن سنويا من مكورات خام الحديد لأن مصانع الصلب في الخليج تعتمد على مكورات خام الحديد
لإكمال عملية صناعة الصلب محليا ويتحدث البعض عن تقدم الدراسات الخاصة بهذه الشراكة العربية –العربية.
موقع الفكر: ما الجديد في موضوع اكتشافات الغاز بموريتانيا؟
د. يربان ولد الحسين : نحن في موريتانيا حبانا الله تعالى بمساحة مميزة بتركيبتها الجيولوجية الفريدة من نوعها فأرضنا تحتوي حوضين روسبيين وتشير المؤشرات إلى أنهما غنيان بالنفط والغاز وهما حوضا تاودني الذي تبلغ مساحته حوالي خمس مائة ألف كلم. مربع وهو ما يقارب من نصف مساحة البلد والحوض الساحلي مساحته 184 ألف كلم. مربع والاكتشافات الآن كلها في الحوض الساحلي بدء ببئر شنقيط 2001 وانتهاء ببئر الل وبئر آحميم 2015 والاحتياطات تشير إلى وجود 60 ترليون قدم مكعب من الغاز ولمن لا يدرك ما يعني هذا الرقم فهو يعني محتوى طاقوي يعادل 10 مليار برميل من النفط ولكن الأهم من هذا كله أن هذه الاكتشافات حصلت في منطقة لا تتجاوز 10% من مساحة الحوض الساحلي مما يعني أن المستقبل واعد جدا ليس في الحوض الساحلي فحسب بل في حوض تاودني أيضا، وقد أثر جائحة كورونا وتداعياتها على وتيرة عمليات التنقيب فانسحبت إكسون موبيل من موريتانيا بعدما أجرت مسحا زلزاليا بلغت مساحته 27 ألف كيلومتر مربع ، وأتوقع في أي لحظة أن نسمع أخبارا جيدة ليس من الحوض الساحلي فقط بل ومن من حوض تاودني..
موقع الفكر: منذ سنوات وشركتا توتال و سوناطراك في حوض تاودني هل يوجد نفط؟
د. يربان الحسين: بالفعل نقبت شركتا توتال وشركة سوناطراك ك وشركة ثالثة لا أذكر اسمهافي الحوض ولكننا لما نقارن حجم المسح الزلزالي الذي أجري في الحوض الساحلي مع ما أجري في حوض تاودني نجد فرقا كبيرا ففي الحوض الساحلي ورغم صغر مساحته تم إجراء المسح الزلزالي على مساحة تصل إلى أكثر من 90 ألف كيلومتر مربع بينما في حوض تاودني أقل بكثير لا أتذكر الرقم بالضبط كما تم حفر أكثر من سبعون بئرا في الحوض السائحلي بينما حفرت حوالي خمس آبار استكشافية في حوض تاودني وأعتقد أن سبب تأخر التنقيب في حوض تاودني يعود إلى الأوضاع الأمنية المضطربة في المنطقة وإلى بعد مناطقه شيئا ما عن البحر وانعدام البنى التحتية ومع ذلك أعتقد أننا بين الفنية والأخرى قد نسمع عن اكتشافات نفطية وشركة توتال مازالت موجودة في الحوض الساحلي وفي حوض تاودني وإن كانت أعلنت أن نتائجها الأخيرة لم تكن جيدة ولكن هنالك إعادة تقييم من قبل الوزارة لنتائج التنقيب مما سيساعد في معرفة التكوينات الجيولوجية للمنطقة لتثبت هل هنالك نفط أم لا.
موقع الفكر: أين وصل مشروع استغلال حقل ٱحميم، وماذا عن عائداته وما هي أساب التأخير المستمر بشأن استغلاله؟
د. يربان ولد الحسين: بالنسبة لعائدات حقل آحميم ما زلنا نتكلم عن التوقعات فهنالك إحدى الدراسات المنشورة من قبل صندوق النقد الدولي تقول إن إيرادات الحقل المشترك حوالي ثمانين مليار دولار وأن نصيب بلادنا منها 14 مليار دولار طيلة ثلاثين عاما واعتمدت على معدل سعر برميل النفط 60 دولار خلال ثلاثين عاما؛ ولماذا النفط لأنه ليست هناك طريقة واحدة لتسعير الغاز عالميا و إحدى هذه الطرق التي تعتمد على المحتوى الطاقوي عن طريق ربطه بالنفط وعادة ما تكون أسعار الغاز تشكل
من 10 إلى 14% من أسعار النفط، وهنالك دراسات أخرى تقول إن عائداتنا قد تصل إلى 25 مليار دولار في حالة ارتفاع الأسعار إلى 90 دولارا للبرميل وأحدث الدراسات في هذا المجال تقول إن نصيب موريتانيا 19 مليار دولار خلال ثلاثين سنة ومع أن وزير النفط والطاقة والمعادن السابق تحدث في المؤتمر الذي يعقدها مجلس الوزراء أسبوعيا قال إن نصيب موريتانيا مليار دولار سنويا، إذن ستكون هنالك عائدات وقد لا تكون بالحجم الذي يتصوره البعض ومن المؤسف أن تتحكم عوامل على رأسها السوق الدولية التي لا ترحم وقد تتحكم فيها عوامل أخرى منها مدى استعداد موريتانيا في مجال ما يسمى بالمحتوى المحلي وهو ما يعني مدى استعداد الشركات الموريتانية لتقديم خدمات ومدى استعداد العمالة الموريتانية المدربة ومدى استعداد السوق المحلي لاستقطاب لاستثمارات في المجالات المغذية والمرتبطة بااستخراج الغاز.
موقع الفكر: ما سبب التأخر في استخراج الغاز؟
د. يربان ولد الحسين: الحقل المشترك مقسم إلى ثلاثة مراحل فالمرحلة الأولى تستهدف إنتاج 2.3 مليون إلى 2.5 مليون طن من الغاز المسال وهذه المرحلة هي التي اتخذ بشأنها القرار النهائي للاستثمار ولو أردنا أن نعطي ملخصا إلى أين وصلنا فهنالك ستة محاور، كلها تحتاج شرحا مستفيضا، وهي:
1- "المزيد من التأخير"
2. "عائدات متناقصة"
3. "منافسة دولية شرسة"
4. "شراكة مهددة"
5. "محتوى محلي شبه معدوم"
6. "مخاوف بيئية".
وعلى العموم يستهدف المطورون نهاية السنة أن تصل نسبة الإنجاز إلى 80% وبعد أيام سيعلنون عن النسبة الفعلية، وعلى العموم هنالك مسألة مهمة سأسلط عليها الضوء ألا وهي وهي زيادة تكاليف تطوير المرحلة الأولى؛ لأنه منذ بداية المشروع كان الحديث أن المرحلة ستكلف 3.6 مليار دولار و حاليا الحديث يدور أن المرحلة كلفت 4.8 مليار وهذه الزيادة كبيرة وستنعكس على عائدات موريتانيا من المشروع وكذلك على حصة تمويل موريتانيا من المشروع أيضا والتي اتفقت مع مؤسسة سعودية على تمويل تكاليف تلك الحصة وأعتقد أننا بحاجة إلى مساءلة الوزير المعني لنفي أو تأكيد هذه الأخبار لأن الشعب الموريتاني يحتاج إلى معرفة حقيقة التأخير وزيادة التكاليف ومدى تأثير ذلك على تعبئة الموارد المالية اللازمة لتمويل حصة موريتانيا في المشروع، وهل سنتحمل الزيادة في التكاليف وكذلك مدى التأثير على الإيرادات المالية المتوقعة للبلد. بالنسبة لمصادر العائدات لدينا نصيبنا من الأرباح ولدينا الضرائب التي سنفرضها على الشركات والضرائب المفروضة على جميع المقاولين من الباطن والضرائب على أجور كل من سيشتغل في الحقل وغيرها.
أما أسباب التأخير فهناك أساب كثيرة أدت إلى الـتأخير في الحقل المشترك من ضمنها أساب مباشرة معلنة و أسباب غير مباشرة عادة لا يتم تسليط الضوء عليها
بالنسبة للأساب المباشرة من المعروف أن الحقل يتكون من أربعة مكونات رئيسية،
أولا نظام التدفق والأنابيب الواقعة تحت الماء والشركة التي كانت مسؤولة عن تنفيذه أعلنت إفلاسها بداية يناير 2020 ولذلك أخرته إلى شهر ديسمبر الجاري ولكن هنالك تحد لوجستي كبير أمامها لأنه سيتم نقل حوالي 360 ألف طن من المعدات والأنابيب إلى قعر البحر، والمكونة الثانية من مكونات الحقل هي المنصة العائمة للتسييل التي أعلنت شركة بي بي إبريل 2020 عن تأخير استلامها أحد عشر شهرا بسبب القوة القاهرة كورونا وهو ما يعني تأخير استلامها إلى 2023
أما المكونة الثالثة للمشروع فهي الوحدة الطافية للإنتاج والتخزين الجاري صناعتها في الصين والتي أعلنت شركة كوسموس أنيرجي عن تأجيل استلامها إلى الثلث الثالث من 2023 هذالإضافة إلى حاجز الخرسانة المكونة الرابعة الذي
تعمل الشركة الفرنسية على إنجازه و فيه تأخير أيضا هو الآخر إذن كل مكونات المشروع حصل فيها تأخير بفعل تداعيات أزمة كورونا وحاليا يتوقعون بدأ الإنتاج سنة 2023 .
أما الأساب الغير مباشرة و التي لا يسلط الضوء عليها وفي اعتقادي أنها الأهم والتي على رأسها المنافسة الدولية الشرسة المتمثلة في الخطط التوسعية الكبيرة فقطر لديها خطة لإنتاج 126 مليون في حدود 2027 وروسيا لديها خطة للاستحواذ على 20% من السوق العالمي للغاز المسال في أفق 2035 وذلك بإنتاج 140 مليون طن من الغاز المسال وأمريكا تخطط هي الأخرى لإنتاج 80 مليون طن في أفق 2026 وأستراليا وغيرها والأهم أن المشاريع على المستوى العالمي التي وصلت إلى مرحلة ما قبل القرار النهائي للاستثمار تصل طاقتها التسييلية إلى 900 مليون طن سنويا بينما أحسن توقع قامت به شل يقول إن الطلب العالمي على العاز المسال سيصل إلى 700 مليون طن في أفق 2040 .
السبب الثاني شركة بي بي أعلنت عن أكبر خسارة لها منذ عشرة سنوات حوالي 5.6 مليار دولار وبدأت تنفذ خطتها المتمثلة في الإنسحاب التدريجي من قطاع الطاقة الأحفورية ( النفط الغاز الفحم ) وتتجه إلى التركيز على الطاقة المتجددة خاصة الإنسحاب من السوق الإفريقي. السبب الثالث شركة كوسموس شريك شركة بي بي تبين أنها لا تتمتع بالقدرة المالية اللازمة للدخول في هكذا مشاريع عملاقة.
، والسبب الرابع هو البعد الأمني لأن ما حصل في الموزبيق كان ضربة لقطاع الغاز الواعد في إفريقيا حيث سيطر الإرهابيون على المدينة التي تعتبر مركز صناعة الغاز وكذلك عودة روسيا إلى منطقة روسيا حاليا متواجدة في عشرة دول أفريقية من بينها على الأقل ثلاثة دول في شبه المنطقة فلا ننسى أن الحوض الساحلي الموريتاني جزء من حوض كبير يشمل موريتانيا والسينغال وغينابيساو وغينيا كوناكري وغامبيا و روسيا حاليا صار لها وجود عسكري في غينابيساو وغينيا كوناكري وسيكون قريبا في مالي والحديث يجري عن أنه بين موريتانيا والسينغال توجد احتياطات تقدر ب 100 تريليون قدم مكعب من الغاز من بينها 60 تريليون منها قابلة للاستغلال وهذا يمكن من إنتاج 30 مليون طن سنويا من الغاز المسال وهو ما يعادل إنتاج أكبر دولتين غازيتين في القارة هما الجزائر ونيجيريا وأعتقد أن عودة روسيا ليست بتلك البساطة وإنما لها علاقة بالغاز.
موقع الفكر: هل تعتقد أن موريتانيا قادرة على حماية ثروتها البحرية من الدمار بسبب استخراج الغاز من حقل ٱحميم؟
د. يربان ولد الحسين: الأسماك رافد أساسي من روافد الأمن الغذائي الوطني و عمود من أعمدة الاقتصاد الوطني وبيئتنا البحرية العميقة فيها تنوع بيولوجي فريد من نوعه ويعيش فيها الكثير من الكائنات البحرية جل حياته وبعض هذه الكائنات يقضي بها جزء من دورة حياته والأهم من ذلك أنها تضم منطقة أكبر شعب المرجانية التي تعتبر بمثابة رئة البحر فهي كالغابات الاستوائية بالنسبة لليابسة والتوسع في إنتاج النفط والغاز في المناطق العميقة بالبحار إذا لم يصاحبه التركيز على التشريعات الصارمة الضابطة لاستغلاله حتى لا يؤثر على البيئة يكون خطيرا
فاستخراج الغاز في كل مراحله يؤثر على البيئة من مرحلة الاستكشاف و مرحلة الإنتاج ومرحلة إيقاف التشغيل مثلا خلال مرحلة الاستكشاف هناك تأثيرات الصوت و الضوضاء أثناء المسح الزلزالي لأن الكائنات الحية وخاصة الثديات البحرية حساسة اتجاه الأصوات فأصوات قد تسبب لها الصمم وبالتالي عدم القدرة على تتبع الفرائس والعجز عن التزاوج والهجرة الجماعية كما أن عملية الحفر تنطوي على التخلص من نفايته مثل طين الحفر و مياه الحفر المشبعة بعض المواد الكيميائية التي قد تسسب آثار بيئية ضارة و أثناء التطوير والإنتاج سيتم وضع خطوط الأنابيب على أرضية البحر حيث سيتم تمديد أنابيب بحدود 120 كيلومتر وهذه الأنابيب حسب البعض ستمر قرب الشعب المرجانية حيث يتحدث البعض عن مسافة قرب تصل إلى 600 متر . هذا بالإضافة إلى أن المنطقة تعتبر قريبة شيئا ما من مناطق الصيد التقليدي ورأينا كيف أن صيادي سينلوي تظاهروا ضد المشروع كما أن المنطقة تعتبر أحد أهم ممرات الهجرة الرئيسية للطيور . ولست متخصصا في البيئة لكن هناك رأيان يقول أحدهما إن للمشروع أخطارا كبيرة على البيئة بينما يقول الرأي الآخر إنه يمكن أن يشكل حاضنة للأسماك وبالتلي يعمل على تجديد المخزون السمكي وقد يكون لكيفية التعامل مع الأنابيب العامل الحاسم في ذلك فهل سيتم تميدها على القاع أو سيتم الحفر لها وردمها في القاع ، ونحن ما زلنا ننتظر. وفي الأخير أقول إنه إذا اجتمع لموريتانيا تصحر البر وتصحر البحر فعندها ستكون أمام كارثة لا قبل لها بها.
موقع الفكر: هل أصبح التعدين التقليدي للذهب نقمة على موريتانيا؟
د. يربان ولد الحسين: التعدين التقليدي عرفته البشرية منذ القدم وقد عرفناه في هذه المنطقة من خلال مملكة مالي ومملكة غانا وحتى المرابطون كلهم كان لهم علاقة باستغلال الذهب، ولكن الإشكال تكمن في أن هذه الظاهرة تنمو وتتطور دون تخطيط مثل الحمى التي يشعر صاحبها بالقشعريرة وارتفاع درجة الحرارة وإذا به فجأة طريح الفراش فالرغبة في الغنى السريع تجعل البعض يغامر وما هي إلا أيام وتكون لديك تجمعات تفوق في أعدادها بعض المدن الموريتانية ولا بد من النظر إلى إيجابياته وسلبياته على نحكم هل هو نعمة أم نقمة على موريتانيا
فمن إيجابياته أنه قطاع كثيف العمالة وعمالته لا تحتاج إلى مستوى تعليمي، فالحديث يجري عن خمسين ألف فرصة عمل والبعض يتحدث عن 100 ألف بل يتحدث آخرون عن 200 ألف فرصة عمل وهذه إيجابية كبيرة فهو على الأقل يخلق من الفرص عشرة أضعاف ما تخلقه الصناعة الاستخراجية (شركة اسنيم مع شركة تازيازت وأم سي أم) والميزة الإيجابية الثانية فالقطاع له مساهمة معنبرة في الاقتصاد الوطني حيث
أن البنك المركزي يشتري الذهب ليتخذه احتياطيا وهذا مهم جدا خاصة في ظل أزمة صحية لم تنته بعد وأزمة أخطر وهي أزمة مخاض تشكل عالم متعدد الأقطاب غير عالم القطب الواحد الذي كانت تقوده أمريكا، ونحن نستورد كل شيء حتى الإبرة وفي هذه الحالة سيكون لدينا بديل للحصول على العملة الصعبة خاصة في حالة انخفاض أسعار الحديد. كما أن الحديث الذي يجري حاليا عن أن القطاع ينتج حاليا حوالي 40 كيلوغراما يوميا وشركة المعادن أعلنت عن طموحها لإنتاج 36 طنا من الذهب سنويا في حدود 2023 وهو ما يعني خلق نشاط بحدود 2 مليار دولار وهو ما يعادل 30% من قيمة الناتج الداخلي الخام الموريتاني وعلى العموم هذا النشاط يخلق حاليا حجم أهمال سنوي بحدود 300 إلى 400 مليون دولار وهو ما يشكل نسبة 5% من ناتج المحلي الإجمالي وساهم السنة الماضية بقيمة مضافة 244 مليار أوقية قديمة و328 مليار أوقية قديمة كمداخيل إذن فهو قطاع يساهم في تنويع القاعدة الإنتاجية والزيادةفي الناتج المحلي الإجمالي و إيرادات الحكومة ويساهم في دعم العملة. ومن فوائده الاقتصادية أيضا رفع القوة الشرائية للبعض حيث يجري الحديث عن أن 10 آلاف أسرة تعيش على تحويلات المنقبين وهنالك أيضا ميزة أخرى وهي أن التنقيب في هذه المناطق قد يساهم في توفير المعلومات الجيولوجية والمؤشرات عنها كما أنه قد يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية لأن مناطق التنقيب قد تكون بوتقة لصهر الجميع في حالة الشعور بالعدالة والمساواة في الولوج لهذه الثروة.
وأما بالنسبة لسلبيات هذا القطاع فهي فعلى رأسها السلبيات الصحية و البيئية حيث
يصاحب استخلاص الذهب بالطرق التقليدية استعمال المواد الكيميائية الخطرة كالزئبق والسيانيد ذات تأثير سلبي وكبير على الصحة والبئية خاصة الزئبق الذي يعد ثابت بيئيا يبقى تأثيره يمتد لعقود ولذلك اتفاقية ميناماتا باليابان تسعى إلى إزالته من الكثير من القطاعات خاصة قطاع التعدين، ومن سلبيات القطاع كذلك أنه من أجل إنتاج 1 غرام من الذهب ستعمل على استخراج أطنان من التراب الذي يحتوي بعض المعادن الثقيلة السامة كالزرنيخ والزنك وهنام مجموعة الكبريتيدات التي تتفاعل مع الهواء في وجود الرطوبة مشكلة حمض الكبريتيك الذي سيعمل على إذابة هذه المعادن الثقيلة وتصريفها مما يسمح لها بدخول المياه الجوفية والسطحية، كما أنه من سلبيات النشاط كذلك تخريب البيئة بحفر الآبار والأنفاق وقطع الأشجار وتلويث المياه السطحية والجوفية.
وهذا النشاط يؤدي إلى هجرة اليد العاملة للزراعة و التنمية الحيوانية والانخراط في عمليات البحث عن الغناء السريع وهذا خطير جدا على مستقبل الثروة الحيوانية عمود الاقتصاد الريفي وخطير على الاستراتيجية الوطنية لتحقيق الامتفاء الذاتي في مجال الحبوب والخضرات ، إضافة إلى أنه قد يكون بوابة لسرقة وتدمير الآثار الموريتانية وهو ما شاهدناه من سرقة الآثار الموريتانية كقطع الأوقية التي تعود إلى العهد المرابطي وسرقة النيازك والأحجار الكريمة ، وفي غياب المراقبة الأمنية المباشرة قد يشكل وجود بشري كبير خطرا لأن المعادن كانت سببا في القلاقل التي حدثت في إفريقيا في التسعينيات من مشيليات الكوبالت في الغابون ومشيليات النفط في نيجيريا ومشيليا الذهب التي تحكم السودان وفي السراليون خاصة مع وجود الأجانب في ظل الحديث عن ثلاثة ألف أجنبي من مجهولي الخلفيات ومن السلبيات كذلك فتح مناطق جديدة للتنقيب في مناطق رعوية وزراعية وهو خطير جدا وشركة معادن أرسلت فرق لتلك المناطق ويوجد تنقيب غير مرخص لكن لو تم الترخيص فسيؤدي إلى المشاكل بين المنمين والمزارعين والمنقبين وتخريب البيئة الزراعية والرعوية ومن السلبيات كذلك السلبيات الاجتماعية حيث أن مدينة زويرات نزحت إليها أعداد أكثر من سكانها وهو ما يشكل ضغطا على الخدمات والأسعاربل وخلق ظواهر اجتماعية جديدة مثل أيتام الذهب .
وففي بعض المناطق القريبة من مناطق التنقيب حاليا توجد مؤشؤرات كبيرة على وجود اليورانيوم، وفي حال وصول المنقبين إلى تلك المناطق فإن ذلك قد يشكل مشكلة كبيرة لأن استخراج تلك الصخور و طحنها و غربلتها قد يؤدي إلى تركيز اليورانيوم في الغبار الذي قد يصل إلى منافسهم وطعامهم وشرابهم وقد حدث مثل هذا في جنوب إفريقيا ولكن حتى الآن لا علم لي أن المنقبين وصلوا إلى هذه المناطق.
-موقع الفكر: هل من كلمة أخيرة؟
يربان: إن كان لي من كلمة أخيرة فأقول إن قطاع الصناعة الاستخراجية لما ننظر إليه سنجد أنه يساهم بأقل من ٢% في خلق فرص العمل وعادة يحوم حول ١٥% في ميزانية الدولة وحدود ١٠% عادة في تكوين الناتج الداخلي العام و ٦٠ إلى ٧٠% في قيمة الصادرات وهذه الارقام كفيلة بكشف مكامن الخلل.. فنحن بحاجة إلى خلق فرص عمل أكثر في القطاع وإلى رفع مشاركته في تكوين الناتج الداخلي العام وفي موازنة ميزانية الدولة وبحاجة إلى التقليل من تأثرها بالطفرات والركود الذي تشهده أسعار المادة الخام عالميا، ويتم ذلك من خلال خلق محتوى محلي جيد لأن المحتوى المحلي هو الذي سيمكن من رفع فرص العمل ورفع مساهمته في ميزانية الدولة و تكوين النتاج الداخلي الخام ومن أجل خلق هذا المحتوى لابد من نزع الحواجز أمامه وأول تلك الحواجز حاجز اللغة لأننا نحن في موريتانيا للأسف عندنا إشكالية كبيرة وهي أننا نظن أن هناك لغة للمهن والحرف وهذا خطير وكذب وأنا أعرف عشرات آلاف العمال من الهند وكوريا الشمالية وبانغلادش والفلبين وايران لا يتكلمون بالعربية ولا الانجليزية ومع ذلك عمال مهرة في الخليج وحتى أنني أعرف سينغاليين في موريتانيا يعملون في مجال اللحامة والبناء ولا يتكلمون إلا الولفية، لذلك لا ينبغي أن نشترط لغة للمهن والحرف، نحن بحاجة إلى تطبيق مبدأ الأولية لخلق منتج محلي والخدمة المحلية والعامل الماهر المحلي. كما يجب أيضا تحرير المحتوى المحلي من هيمنة البعض له واحتكاره، هناك بعض الأسر تحتكر هذا الأمر وهذا شيء خطير جدا ، كما نحتاج أيضا إلى إدخال مؤشرات الحوكمة لأنها مهمة جدا والحوكمة تعني المؤشرات القابلة للقياس لأن ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته ولا تطويره ونحن بحاجة إلى إدارة حسنة للعائدات عن طريق نحويلها إلى أصول مستدامة وإلى إيجاد توازن بين حقوق الساكنة المحلية حيث الثروة و الحقوق الوطنية و كذلك الحقوق التاريخية للطبقات المهمشة والمغبونة.
وآخر كلمة أقولها إنه إذا لم تكن ثروات موريتانيا تساهم في تحقيق الرخاء المشترك والقضاء على الفوارق الاجتماعية خاصة الفوارق الناتجة عن الرق ومخلفاته فلا فائدة من تلك الثروات.