أبو محمد بن قتيبة:
قال ابن قتيبة في )تفسير غريب القرآن(: في قوله تعالى: }جَعَلْناَكُمْ أمَّة وَسَطا{ ]البقرة:143[ أي عدولاً خيارا، ومنه قوله في موضع آخر: }قاَلَ أوْسَطُهُمْ ألَمْ أقَلُ لكُّـــمْ لَوْلَا تسَبِحونَ { ]القلم:28[ أي خيرهم وأعدلهم، قال الشاعر:
همُ وسطْ يرضىْ الأنامُ بحكمهم إذاْ نزلتْ إحدىْ اللياليْ بمُعظَمِ!
ومنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: هو أوسط قريش نسباً.
وأصل هذا: أن خير الأشياء أوساطها. وأن الغلو والتقصير مذمومان3!
محمد بن جرير الطبري:
قال شيخ المفسّرين أبو جعفر الطبري في تأويل قوله تعالى: }وَكَذلِكَ جَعَلْناَكُمْ
أمَّة وَسَطا { ]البقرة:143[:
)يعني جل ثناؤه بقوله: }وَكَذلِكَ جَعَلْناَكُمْ أمَّة وَسَطا{، كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه السلام وبما جاءكم به من عند الله، فخصّصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته، وفضّلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل، كذلك خصّصناكم ففضّلناكم على غيركم من أهل الأديان، بأن جعلناكم أمّة وسطاً.
وقد بيّنا أن الأمّة هي القرن من الناس والصّنف منهم وغيرهم.
وأمّا )الوسط(، فإنه في كلام العرب الخيار. يقال منه: فلان وسطُ الحسب في قومه، أي متوسّط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه، وهو وسطٌ في قومه، وواسط ... وقال زُهير بن أبي سلمى في )الوسط(:
همُ وسطْ يرضىْ الأنامُ بحكمهم إذاْ نزلتْ إحدىْ اللياليْ بمُعظَمِ!
قال أبو جعفر: وأنا أرى أن )الوسط( في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى: الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل )وسط الدار( .
وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم )وسط(، لتوسّطهم في الدين، فلا هُم أهل غلوّ فيه، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، تقصير اليهود الذين بدّلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه. فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطُها( .
الفخر الرازي:
وقال الفخر الرازي: اختلفوا في تفسير )الوسط( وذكروا أمورا: أحدها: أن الوسط هو )العدل( والدليل عليه: الآية والخبر والشعر والنقل والمعنى. أما الآية فقوله تعالى: }قاَلَ أوْسَطُهُمْ{ ]القلم:28[ أي أعدلهم. وأما الخبر فما روى القفال عن الثوري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم:" أمة وسطاً" قال: عدلاً " . وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم أوسط قريش نسباً. وأما الشعر فقول زهير:
همُ وسطْ يرضىْ الأنامُ بحكمهمْ إذا نزلت إحدىْ اللياليْ بمُعظَمِ!