أبو عبد الله محمد القرطبي:
وقال القرطبي: المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أمة وسطا، أي جعلناكم )أفرادكم( دون الأنبياء وفوق الأمم. والوسط: العدل. وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذي عن ابي سعيد بن الخدري عن النبي صلى
الله عليه وسلم في قوله تعالى: }وَكَذلِكَ جَعَلْناَكُمْ أمَّة وَسَطا{ أي عدلا. قال: هذا حديث حسن صحيح . وفي التنزيل: }قاَلَ أوَْسَطُهُمْ { أي أعدلهم وخيرهم. وقال زهير:
همُ وسطْ يرضىْ الأنامُ بحكمهمْ إذاْ نزلتْ إحدىْ اللياليْ بمُعظَمِ!
وقال آخر:
لا تذهبن في الأمور فرط اً لا تسألنّ إن سالت شطط اً وكن من الناس جميعاً وسطاً
ووسط الوادي: خير موضع فيه وأكثره ماء وكلأً . ولمّا كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير، كان محموداً. أي هذه الأمة لم تغلُ غلو النصارى في أنبيائهم، ولا قصّروا تقصير اليهود في أنبيائهم! قال: وفلان من أوسط قومه، وانه لواسطة قومه، ووسط قومه، أي من خيارهم وأهل الحسب منهم .
اهتمام الفقهاء المقاصديين بالوسطية:
ومن أهم ما أريد أن أنبّه عليه: أن الوسطية بالمعنى الذي بيّناه من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة في كل تكاليفها ضد الغلوّ والشّطط والإسراف في كل شيء، كما أنها ضد التفريط والانحلال والتسيّب في كل شيء، وانما تقوم على الاعتدال والعدل في كل أم، بحيث تتجنب طرفي الإفراط والتفريط المذمومين.
ولهذا نجد الفقهاء الراسخين، الذين نسمّيهم )المقاصديين( وهم الذين يعنون بمقاصد الشريعة في استنباطاتهم واجتهاداتهم، إذا علموا أو ألفوا أو أفتوا أو قضوا .. نجدهم معنيين بمبدأ الوسطية، وتقريره، وبيانه والدعوة إليه، والنزول على حكمه ومقتضاه.
من هؤلاء الكبار: الإمام أبو الحسن الماوردي )ت 450هد( الذي لقّبوه )أقضى القضاة( في كتابه التوجيهي الشهير )أدب الدنيا والدين.(
ومن هؤلاء: إمام الحرمين الجويني، الشافعي المؤسس الحقيقي لعلم مقاصد الشريعة )ت 478هد.( في كتبه الأصولية والفقهية.مع تحيات