ما بين واجب ومستحب.
وإضاعته بالغلو: كالوسوسة في عقد النية، ورفع الصوت بها، والجهر بالأذكار والدعوات التي شرعت سرا. وتطويل ما السنة تخفيفه وحذفُه. كالتشهد الأول والسلام الذي حذفُه سنة. وزيادة التطويل على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا على ما يظنه سُراّق الصلاة والنقارون لها ويشتهونه. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليأمر بأمر ويخالفه. وقد صانه الله من ذلك. وكان يأمرهم بالتخفيف ويؤمهم بالصافّات. ويأمرهم بالتخفيف، وتقام صلاة الظهر فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته. ويأتي أهله ويتوضأ، ويدرك رسول الله في الركعة الأولى. فهذا هو التخفيف الذي أمر به، لا نقر الصلاة وسرقتها. فإن ذلك اختصار. ومثال هذا التوسط في حق الأنبياء عليهم السلام: أن لا يغلو فيهم، كما غلت النصارى في المسيح، ولا يجفو عنهم كما جفت اليهود. فالنصارى عبدوهم، واليهود قتلوهم وكذبوهم، والأمة الوسط: آمنوا بهم، وعزروهم ونصروهم، واتبعوا ما جاءوا به.
ومثال ذلك في حقوق الخلق: أن لا يفرط في القيام بحقوقهم، ولا يستغرق فيها، بحيث يشتغل بها عن حقوق الله، أو عن تكميلها، أو عن مصلحة دينه وقلبه، وأن لا يجفو عنها حتى يعطلها بالكلية. فإن الطرفين من العدوان الضار. وعلى هذا الحد، فحقيقة الأدب: هي العدل. والله أعلم( اهد.
كلام الشاطبي في الموافقات:
وقال العلامة الشاطبي في موافقاته:( الشّريعة جارية في التكليف بمقتضاها على الطريق الوسط الأعدل، الآخذ من الطّرفين بقسط لا ميل فيه، الدّاخل تحت كسب العبد من غير مشقّة عليه ولا انحلال، بل هو تكليف جار على موازنة تقتضي في جميع المكلفين غاية الاعتدال كتكاليف الصّلاة والصّيام والحجّ والجهاد والزّكاة وغير ذلك...).
وبعد صفحات يشرح هذا المفهوم ويؤكّده قائلا: (إذا نظرت في كلية شرعية فتأمّلتها تجدها حاملة على التوسط، فإن أريت ميلا إلى جهة طرف من الأطراف فذلك في مقابلة واقع أو متوقّع في الطرف الآخر ... فإذا لم يكن هذا ولا ذاك أريت التوسط لائحاً، ومسلك الاعتدال واضحاً، وهو الأصل الذي يُرجع إليه والمعقل الذي يُلجأ إليه..) .