وقوله: ولا يُحملا على علة توهن الانقياد، يريد: أن لا يتأوّل في الأمر والنهي علة تعود عليهما بالإبطال، كما تأوّل بعضهم تحريم الخمر بأنه معلل بإيقاع العداوة والبغضاء، والتعرض للفساد. فإذا أمن من هذا المحذور منه جاز شربه. كما قيل:
أدرها فما التحريم فيها لذاتها ولكن لأسباب تضمنها السكر
إذا لم يكنْ سُكْر يُضِلُ عنْ الهدى فسيان ماء في الزجاجةْ أوْ خمر!
وقد بلغ هذا بأقوام إلى الانسلاخ منْ الدين جملة.
ومن العلل التي توهن الانقياد: أن يعلل الحكم بعلة ضعيفة، لم تكن هي الباعثة عليه في نفس الأمر، فيضعف انقياد العبد إذا قام عنده أن هذه هي علة الحكم. ولهذا كانت طريقة القوم عدم التعرض لعلل التكاليف خشية هذا المحذور.
وفي بعض الآثار القديمة: يا بني إسرائيل، لا تقولوا: لم أمر ربنا؟ ولكن قولوا: بم أمر ربنا؟.
وأيضاً فإنه إذا لم يمتثل الأمر حتى تظهرله علته، لم يكن منقادا للأمر، وأقل درجاته: أن يضعف انقياده له.
وأيضاً فإنه إذا نظرإلى حكم العبادات والتكاليف مثلا، وجعل العلة فيها هي جمعية القلب، والإقبال به على الله. فقال: أنا أشتغل بالمقصود عن الوسيلة! فاشتغل بجمعيته وخلوته عن أوارد العبادات فعطلها، وترك الانقياد بحمله الأمر على العلة التي أذهبت انقياده.
وكل هذا من ترك تعظم الأمر والنهي، وقد دخل من هذا الفساد على كثير من الطوائف ما لا يعلمه إلا الله. فما يدري ما أوهنت العلل الفاسدة من الانقياد إلا الله؛ فكم عطلت لله من أمر، وأباحت من نهى، وحرمت من مباح! وهي التي اتفقت كلمة السلف على ذمها" [مدارج السالكين (2/498-496) نشردارالكتاب العربي - بيروت.]. انتهى .