يقولون إن بعض الناس يولدون كل لحظة " هؤلاء هم الناس العاديون "
وبعضهم يولد كل قرن " هؤلاء هم الناس المميزون "
وبعضهم يولد كل الف سنة "وهؤلاء هم الناس الاستثنائيون"
فالناس منهم الاعتيادي الذي تجرفه تيارات الحياة كما يجرف مجرى النهر حبة الرمل
ومنهم من يقف كجبل في وجه المسار الاعتيادي للتاريخ فيغير مجراه ..
غير أن للعظمة أكثر من تجل
فليس مهما أن يكون الإنسان الاستثنائي قائدا عسكريا يخضع الأمم ويبني امبراطوريات ' وليس مهما ان يكونا سياسيا موهوبا يحرك الجماهير ويغير من مصائرها
قد تكون العظمة أكثر نعومة وأحتشاما قد تكون العظمة مد يد عون لمحتاج أو مسح دمعة عن خد محزون
في طريقي اليومي للعمل لفت انتباهي منزل على الشارع الداخلي لمنطقة صكوك والمتجه مباشرة لمنزل الرئيس السابق..
المنزل ليس أفخم المنازل التي تحيط به لكنه لا يخلو من طائف ..
عندما تمر من امامه لا بد أن تلتفت عفويا للطابور من امامه
وبنظرة واحدة تدرك أنهم خليط من عامة الناس تجمعهم الحاجة والعوز ..
وتزداد هذه الجموع وتتحول إلى طوابير طويلة أيام الجمعة ..
كنت في البداية أتخيل أن الأمر يتعلق بمرفق خدمي ما لكن وبعد السؤال اتضح لي أن الأمر يتعلق بفاعل خير سلطه الله على دنياه فتمتمت " ذهب اهل الدثور بالأجور " ثم تذكرت وجود عشرات الميسورين في البلد وكيف تبدو بوابات قصورهم مقفرة..
وتذكرت قصة ثعلبة بن حاطب الأنصاري الذي كان يصلي صلواته الخمس خلف النبي صلى الله عليه وسلم فأحب أن يكون ذا مال فطلب من النبي صلى ان يدعو له بالمال فدعا له فتكاثرت أغنامه ودفعه البحث عن المرعى إلى الابتعاد عن المدينة حتى أصبح لا يحضر إلا صلاة الجمعة ثم انقطع خبره عن النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقالوا له لقد كثرت اغنام ثعلبة فقال عليه الصلاة والسلام " يا ويح ثعلبة .. هلك ثعلبة " وقد انتهى الأمر بالرجل وتعلقه بالمال إلى منع الزكاة فنزل فيه قوله تعالى " ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم الله من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون " صدق الله العظيم
صاحب المنزل فاعل خير يعرفه الجميع ومنذ عدة عقود لم نسمع عنه في المناسبات السياسية لم يعرف كرجل بلاط ولا كطرف في خصومة سياسية ..اختار أن ينزوي بعيدا عن كل تلك الترهات وان يكون مع المعوزين وفقراء هذا البلد ان يكون معهم في صراعهم القاسي مع ظروف الحياة ..
ذلك فضل الله يوتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم